دعوة للتأمل في حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

يتوهم البعض أن المسئولية تلقى على أكتاف أصحاب المناصب فقط، فإن لم يجلس الفرد على كرسي المنصب فهو حر طليق لا مسئوليات تقيده ولا التزامات تلاحقه، والحقيقة أن كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، كلكم تقفون على ثغرٍ من ثغور الأمة وسيُسأل كل فرد عن الثغر الذي يقف عليه، فوالله لو سدَّت الثغور لصلحت الأمور وتضاعفت الأجور وحل النور محل الديجور وأمسى الجميع في هَنا وسرور!

شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته :

ورد في صحيح البخاري أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راعٍ وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسئول عن رعيته، ثم أردف عبد الله قائلاً: وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: والرجل في مال أبيه راعٍ وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته.

والراعي هو الحافظ المؤتمن، وهو مَن يتولى مهام رعاية مَن تحت يده ويوكل إليه تدبير أمورهم، ولفظة الراعي مأخوذة من الرعي أي الحفظ، كراعي الغنم الذي يبحث عن المكان الممرع المخصب ليذهب بالغنم إليه تاركاً المكان المجدب الممحل، فهو يرعى مصالحها ويجنبها المفاسد، وذكر أهل العلم في هذا السياق أن الراعي هو ((الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره))، وأوضحوا أن كل مَن كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه.

وفيما يلي توضيح مفصل لـ شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته حتى يسهل على الأذهان استيعابه:-

1) كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته | الإمام :

بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام حديثه بالتعميم ثم بدأ في التخصيص، وكان أول مَن بدأ به الإمام الأعظم والأمير الحاكم حيث قال ((فالإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته))، والإمام هو الحاكم أو مَن ينوب عنه، ورعيته هم كل مَن تحت ولايته، وتكمن مسئوليته تجاههم في إقامة العدل بينهم وكف الظالمين عنهم ورد المظالم إلى أهلها والضرب على أيدي المفسدين، بجانب الإصغاء إلى نصح الرعية والحرص على مصالحهم الدينية والدنيوية وبذل كل الأسباب لتنمية ثرواتهم ودفع عجلة إنتاجهم.

ولعظم مسئولية الأمير ذكر الرسول الإمام العادل على رأس السبعة المستظلين يوم القيامة حين قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل..

2) كلكم راعٍ وكلكم مسئول | الرجل في بيته :

يلي الإمام الحاكم – في المسئولية – الرجل في بيته، حيث قال الرسول ((والرجل في أهله راعٍ وهو مسئول عن رعيته))، فرب الأسرة مسئول عن أهل بيته، مسئول عن تربيتهم وتعليمهم وتقويمهم وتهذيبهم وتوفير كل ما يسد حاجتهم من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، من غير تقتير أو إسراف، كما أنه مسئول عن إقامة العدل فيهم وتحري مصالحهم والابتعاد بهم عن مواطن الشبهة والريبة، فهو كالأمير لكن على مستوى مملكته الصغيرة.

ومن اقوال المتنبي المأثورة في هذا الصدد ((إذا كان رب البيت بالدف ضارباً ** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص))، أي إذا ضرب رب البيت بالطبل فلا لوم على أهله إن رقصوا!

شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

3) كلكم راعٍ وكلكم مسئول | المرأة :

المرأة أيضاً مسئولة ورعيتها هم زوجها وأولادها، ففي حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته قال الرسول ((والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها))، وفي رواية أخرى ((والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم))، وتكمن مسئوليتها في خدمة زوجها ورعاية شئونه وتقديم النصح له وتربية أبنائها وتنشئتهم على الصلاح، كما تشمل مسئوليتها الحكمة والصبر والتدبير وحفظ مال الزوج وعرضه.

وحول هذا الصدد يقول شاعر النيل حافظ ابراهيم ((الأم مدرسة إذا أعددتها ** أعددت شعباً طيب الأعراق))، إشارة إلى الدور العظيم الذي تلعبه المرأة في المجتمع لا سيما عند ارتدائها ثوب الأمومة، فهي تربي الأبناء وتعلمهم وتنشئهم على معالي الأخلاق، كالمدارس تماماً.

4) شرح حديث كلكم راع | الخادم :

يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام مسئولاً آخر وهو الخادم أو العبد، فيقول ((والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسئول عن رعيته))، وفي رواية أخرى ((وعبد الرجل راعٍ على بيت سيده وهو مسئول عنه))، فالخادم أو العبد مسئول عن مال سيده، مؤتمن عليه، يحرص على تنميته قدر المستطاع ويحفظه من الضياع، كما يحفظ سيده في الغيب والشهادة فلا يخونه في مالٍ أو ولد أو أهل، ويسدي له النصح في كل ما يخصه، ويرى أهل العلم أن لفظة الخادم أو العبد تشمل الأجراء أيضاً.

فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته :

بعدما عمم النبي عليه الصلاة والسلام وخصص في حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كرر جملة التعميم ذاتها في الختام إذ قال ((فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته))، ليؤكد عموم المسئولية، ويبعث رسالة مفادها أن الكل مسئول حتى الفرد الذي لا سلطان له ولا زوج ولا ولد ولا خادم، فهو راعٍ على نفسه، على جوارحه، يأتي بالأوامر ويجتنب المحاذير في الأقوال والأفعال والمعتقدات، إضافة إلى مسئوليته عما وكل إليه من أعمال دنيوية ونحوه.

نبذة عن راوي حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته :

راوي حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته هو الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، من صغار الصحابة، ولد في مكة المكرمة قبل الهجرة النبوية بنحو عشرة أعوام، أنجبته الصحابية زينب بنت مظعون زوج الفاروق، أسلم صغيراً مع والده وهاجر معه ولازمه فنشأ في كنف الصحابة رضوان الله عليهم، شهد غزوة الخندق وما بعدها وقد رفض النبي مشاركته في بدر وأحد لصغر سنه، وتابع مسيرة الجهاد بعد وفاة الرسول فشارك في فتوح الشام والعراق ومصر والشمال الأفريقي.

كان زاهداً في الدنيا، معتزلاً للفتن، فقيهاً في الدين، تقياً ورعاً ومن المكثرين لرواية الحديث، قال عنه ابن الحنفية ((كان ابن عمر خير هذه الأمة))، توفي في العام الهجري الثالث والسبعين – وقيل الرابع والسبعين – وعمره يناهز الثالثة والثمانين.