هل تود معرفة الكثير عن مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء ؟

مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

لا ريب أن كلنا يعرف الحديث النبوي الشريف ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له)), و قد أجمع جهابذة الأمة على أن أفضل هذه الثلاث العلم الذي يُنتفع به كونه ذا أثر باقٍ و ممتد و بصمة لا تزول على مدار القرون, فها هي سيَر مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء و كبار المؤلفين الآخرين في شتى الميادين لا تزال تُروى إلى يومنا هذا !

سيموت الولد الصالح مهما طال عمره و ستنتهي الصدقة الجارية يوماً ما, سيذهب كل شيء إلى الزوال و لا يبقى سوى العلم و آثار العلماء, فبفضل مؤلفاتهم تعلمنا و فهمنا و سافرنا عبر الأزمنة و حضرنا المشاهد كما لو كنا قد رأيناها عياناً, تعرفنا على أشخاص لم تسنح لنا الفرصة بمقابلتهم و ربما عرفناهم أكثر من معرفتنا بمن يشاركونا السكن و المأكل و المشرب.

لذا من حق هؤلاء العظماء أن نكن لهم كل المحبة و الاحترام و التقدير و نتوخ الحذر من تتبع سقطاتهم و تصيد أخطائهم و الوقوع في أعراضهم مهما اقترفوا من أخطاء فهم مأجورون في كل الأحوال, فلله در مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء فطحل وغيره من الجهابذة الذين تركوا لنا نبراساً أضاء لنا عتمة الليالي الموحشة.

من هو مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء ؟

يمكننا معرفة من هو مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء بصورة عميقة من خلال استعراض النقاط التالية:-

1) اسم مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء فطحل و مولده :

يتكون الاسم الذي اشتهر به مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء من 7 حروف و هو ((السيوطي)), أما اسمه الكامل فهو ((عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الأسيوطي)).

و يرجع اسم ((السيوطي)) أو ((الأسيوطي)) إلى مسقط رأسه بلدة أسيوط الواقعة في صعيد جمهورية مصر العربية, فقد وُلد المؤلف تحت سماء هذه البلدة المصرية مساء يوم الأحد عام 1445 ميلادي في اليوم الثالث من تشرين الأول الذي يوافق غرة شهر رجب عام 849 هجري.

و قد حظي مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء بعدة ألقاب ومنها جلال الدين و ابن الكتب و هي ألقاب لقبه بها والده, أما شيخه عز الدين أحمد الحنبلي فقد حباه كنية ((أبو الفضل)).

2) حياة مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء قبل وفاة والده :

نشأ مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء فطحل في كنف عائلة عُرفت بالعلم و التدين, فقد كان والده من خيار العلماء المشهورين بالصلاح و المتبوئين لمكانة علمية رفيعة في مجال الفقه و باقة من العلوم الأخرى حيث تتلمذ على يديه عدد من أبناء كبار العلماء و الوجهاء آنذاك, و قد لازم السيوطي والده منذ حداثة سنه فكان يحضر معه مجالس العلم التي كان يقيمها الإمام الحافظ ابن حجر.

كما قطع السيوطي شوطاً لا بأس به من حفظ القرآن الكريم في حياة والده حيث أتم حفظ جزئي عم و تبارك و ختم سورة التحريم أيضاً و هو لا يزال في السادسة من عمره, بعدها صعدت روح أبيه إلى الرفيق الأعلى و بات الصغير تحت وصاية الشيخ جمال الدين بن الهمام.

 

مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

 

3) حياة جلال الدين السيوطي بعد وفاة والده :

على الرغم من أن مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء جلال الدين السيوطي نشأ يتيماً إلا أن العناية الإلهية جعلته يحظى بالرعاية المكثفة من قِبل العديد من العلماء من رفاق والده و هو ما أعانه على استكمال المسير في دروب العلم و الدين فاستطاع أن يتم حفظ القرآن الكريم كاملاً و هو في الثامنة من عمره فضلاً عن حفظ كوكبة من الكتب الغنية ككتاب عمدة الأحكام و المنهاج في الأصول.

بالإضافة إلى كتاب ألفية ابن مالك في النحو و منهاج البيضاوي و المنهاج الفرعي في الفقه للنووي وغير ذلك مما كان له بالغ الأثر في تنمية معارفه و اتساع مداركه, و قد ساعده على ذلك أيضاً تمتعه بالذكاء و ملكة الحفظ القوية منذ الصغر.

4) رحلة علم مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء :

استهل المؤلف رحلة طلب العلم في وقت مبكر و هو لا يزال صبياً يافعاً ربما قبل أن يبلغ الخامسة عشر من عمره, و قد تتلمذ على يد نخبة من العلماء و المشايخ كان من أبرزهم ابن يوسف و ابن الفالاتي و العجلوني و النعماني و الشمس محمد بن موسى الحنفي و الشموس البامي و الفخر عثمان المقسي و شهاب الدين الشارمساحي و أمين الدين الأقصرائي و ابن حجر العسقلاني و إبراهيم بن عبد الجبار الفجيجي.

إلى جانب محيي الدين الكافيجي و تقي الدين الشمني و جلال الدين المحلي و شرف الدين المناوي و تقي الدين الشبلي و المرزباني و علم الدين البلقيني وغيرهم, و لم يتتلمذ السيوطي على يد الرجال فحسب بل و تتلمذ كذلك على يد عالمات جليلات أمثال خديجة بنت فرج الزيلعي و أم هانئ بنت الحافظ تقي الدين المكي و كمالية بنت عبد الله الأصفهاني و آسية بنت جار الله الطبري وغيرهن الكثير.

و كان النهج الذي يسير عليه مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء في طلب العلم هو اختيار شيخ واحد و الجلوس إليه حتى تُقبض روحه فعنئذ ينتقل إلى مجلس شيخ غيره و هكذا حيث قضى حياته و هو يرتع بين الرياض فإذا ما ارتشف من رحيق هذه الروضة انتقل إلى تلك, و قد كان الشيخ محيي الدين الكافيجي عمدة شيوخ السيوطي كونه قد لازمه مدة تُقدر بأربعة عشر عاماً كاملة تلقى خلالها أغلب علمه.

و من أبرز العلوم التي تلقاها المؤلف على يد هؤلاء الأئمة علوم اللغة العربية بمختلف فروعها كالأدب و النحو وإلخ, بالإضافة إلى علوم الفقه و الفرائض و الحديث و التفسير و الأصول و المعاني وغيرها من العلوم الدينية على اختلاف و تعدد ميادينها.

5) عمل أبو الفضل في مهنة التدريس :

سُمح لأبي الفضل السيوطي بمزاولة مهنة التدريس بعدما بلغ السابعة عشر من عمره, فقام بتدريس علوم اللغة العربية بعد أن فرغ من تأليف كتاب الاستعاذة و البسملة الذي أثنى عليه شيخ الإسلام علم الدين البلقيني, و قد زاول مهنتي التدريس و الإفتاء معاً عندما بلغ السابعة و العشرين من عمره, و في تلك الأثناء كتب شرحاً وافياً لألفية ابن مالك و قام بجمع الجوامع في اللغة العربية.

و قد تلقى العلم على يد جلال الدين السيوطي العديد من الطلاب و كان من أشهرهم شمس الدين الداودي و ابن إياس و محمد بن عبد الرحمن العلقمي و شمس الدين بن طولون وشمس الدين الشامي و زين الدين الشماع وغيرهم الكثير من التلامذة النجباء الذين أفرزوا مؤلفات جمة ككتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور و طبقات المفسرين و مفاكهة الخلان و السيرة الشامية وغير ذلك.

 

مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

 

6) رحلة مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء خارج البلاد :

أخذ السيوطي يجوب البلاد و ينتقل من بلد إلى آخر طلباً للعلم, فانتقل إلى الاسكندرية و دمياط و الفيوم و المحلة الكبرى و عدد من الأقاليم المصرية الأخرى, و انتقل مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء بعد ذلك إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة ثم سافر إلى بلاد المغرب و الشام حتى  وصل إلى دولة غينيا التي كانت تُعرف باسم دولة ((التكرور)) في ذلك الوقت.

7) اعتزال ابن كتب للناس و تفرغه للعبادة :

عندما بلغ مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء فطحل من الكبر عتياً و تجاوز الأربعين من عمره قرر الانعزال عن الناس و التفرغ للعبادة و التأليف, فترك الإفتاء و اعتذر عنه و عمد إلى المكوث في منزله بالقاهرة بين جنبات منطقة تُدعى روضة المقياس.

8) وفاة مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء :

انتقل مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء جلال الدين السيوطي إلى رحمة الله قُبيل فجر يوم الجمعة في العشرين من أكتوبر عام 1505 ميلادي الموافق التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام 911 هجري و هو جليس منزله في روضة المقياس على ضفاف النيل في محافظة القاهرة وذلك بعد مرور سبعة أيام على معاناته من الإصابة بورم شديد في يده اليسرى.

و قد تم دفن العالم الجليل السيوطي في حوش قوصون خارج باب القرافة في القاهرة بمنطقة تُعرف الآن باسمه ((مقابر سيدي جلال)) نسبةً إليه و تخليداً لذكراه.

ما هي أشهر مؤلفات الإمام السيوطي ؟

لم يكن الإمام جلال الدين السيوطي مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء فحسب, بل إن مؤلفاته قد زادت على ثلاثمائة كتاب أشهرها ما يلي:-

1) مؤلفات علوم القرآن و التفسير و تشمل كتاب الإتقان في علوم القرآن و متشابه القرآن و التحبير في علوم التفسير و طبقات المفسرين و الناسخ و المنسوخ في القرآن وكذلك الألفية في القراءات العشر و الإكليل في استنباط التنزيل و مفاتيح الغيب في التفسير و الدر المنثور في التفسير بالمأثور.

2) مؤلفات علوم الحديث الشريف و تتضمن كتاب أسماء المدلسين و جمع الجوامع و الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة و تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك و آداب الفتيا و إسعاف المبطأ في رجال الموطأ, بالإضافة إلى طبقات الحفاظ و المنتقى من شعب الإيمان للبيهقي.

3) كتب المؤلف الراحل في علوم الفقه و تشتمل على كتاب تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع و الجامع في الفرائض و الحاوي في الفتاوي وأيضاً الأشباه و النظائر في فقه الإمام الشافعي.

ما هي مؤلفات السيوطي في اللغة و علومها ؟

تتجلى أبرز المؤلفات التي كتبها في مجال علوم اللغة العربية في كتاب المزهر في اللغة و الجمع و التفريق في شرح النظم البديع وكتاب الاقتراح في النحو و التوشيح على التوضيح و عقود الجمان في علم المعاني والبيان وغير ذلك.

ما هي آراء العلماء في مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء ؟

أثنى لفيف من الأئمة و المشايخ والعلماء على مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء السيوطي فذكروا أنه أعلم أهل زمانه و نعتوه بالجليل الكبير كما وصفوه بأنه وارث علوم الأنبياء عليهم السلام.

ما هي خصائص مؤلفات السيوطي ؟

امتازت مؤلفات جلال الدين السيوطي بضمها للعديد من العناوين و الرسائل, كما تميزت بتناول شتى المواضيع في مختلف العلوم و الفنون, بالإضافة إلى تباين أحجام كتبه ما بين عدة أوراق و بين مجلدات ذات أحجام كبيرة.

ما هي شخصية مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء ؟

اتسمت شخصية مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء بالتواضع و الثقة بالنفس في ذات الوقت, كما اتسمت شخصيته بالوضوح و الصفاء و الصراحة و الشجاعة و الزهد و القناعة.

مواضيع ذات صلة

هارون الرشيدهارون الرشيد | خير خلف لأحسن سلف

سعيد بن زيدسعيد بن زيد | المٌبشر بجنان الرحمن