مالك بن دينار | أحد أعلام التابعين الأخيار

 مالك بن دينار

روي في صحيح البخاري عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))، وفي هذا بيان لفضل الصحابة رضوان الله عليهم ثم التابعين من بعدهم ثم أتباع التابعين، وقد عرف الكثير منا قدر الصحابة وجهل منزلة مَن جاء بعدهم واقتفى أثرهم وسار على نهجهم ونقل علمهم، إنهم التابعون الأخيار، أصحاب القرن الذي يلي قرن رسول الله وأصحابه، من هؤلاء التابعي مالك بن دينار الذي سنفرد له سطور هذا المقال، فوالله إن في قصصهم عبر، وفي سيَرهم عظات.

من هو مالك بن دينار ؟

ينتمي مالك بن دينار إلى الطبقة الخامسة من صغار التابعين، والتابعي هو مَن أدرك أحد أصحاب رسول الله والتقاه مؤمناً بدين الله، وقد ولد مالك تحت سماء مدينة الكوفة العراقية في زمن الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعاصر الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه وسمع منه في بلاده، ويذكر في قصة انس بن مالك أنه قال لابن دينـار ويزيد الرقاشي وثابت البناني ((ما أشبهكم بأصحاب محمد، لأنتم أحب إليَّ من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم)).

والده هو دينـار البصري، كان من سبي سجستان، وقيل كابل، ويذكر أنه كان مولى لامرأةٍ تنحدر من بني ناجية، وقيل إنه كان مولى خلاس بن عمرو بن المنذر، ولم يرد في سيرة مالك بن دينار شيئاً عن أمه.

نشأة مالك بن دينار وحياته :

ترعرع مالك بن دينار في بيئة إيمانية مضاءة بقناديل العلم والدين إذ كان محاطاً بصغار الصحابة وخيار كبار التابعين، وكان ممن تأثر بهم على وجه الخصوص الإمام التابعي محمد بن واسع الذي عرف بعلمه وزهده، كما سمع مالك من الحسن البصري وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وثقاتٍ آخرين، لذا اشتهر برواية الحديث النبوي حتى إن الإمام البخاري استشهد بحديثه.

اتخذ ابن دينـار من كتابة المصاحف مهنةً يرتزق من ورائها فكان هذا العمل هو مصدر قوته الوحيد، ويذكر أن جابر بن يزيد دخل عليه وهو يكتب فقال ((مالك عمل إلا هذا؟ تنقل كتاب الله، هذا واللهِ الكسب الحلال))، وقد عرف بحفظه للقرآن الكريم وتعلقه به وحرصه على قراءته، وكان يعظ الناس ويوجههم إلى غرس كتاب الله في الأفئدة قبل ترديده على الألسن، فكان يقول ((يا حملة القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع المؤمن، كما أن الغيث ربيع الأرض))، كما عرف بعلمه وزهده وورعه.

ما هي صفات مـالك بن دينـار ؟

اتصف مالك بن دينار بالصبر والتعبد والزهد والتقشف، فكان لا يأكل اللحم إلا ما كان من لحم الأضحية، ولم يكن في داره شيء من متاع الدنيا يصلح للسرقة، ويذكر أن لصاً دخل عليه يوماً فلم يجد ما يسرقه، فقال له مـالك ((لم تجد شيئاً من الدنيا لتسرقه فهل ترغب بشيءٍ من الآخرة؟))، فأجاب اللص: نعم، فدعاه إلى الوضوء واصطحبه إلى المسجد، وعندما سئل عنه قال ((جاء ليسرقنا فسرقناه)).

كما اتصف مالك بالرضا والقناعة وعزة النفس والابتعاد عن مواطن الشبهات، وكان محباً للأكل من كسب يده، شديد الخوف من ربه.

قصة توبة مـالك بن دينـار :

يتداول الكثير قصة توبة مالك بن دينار التي تتلخص في أن مالكاً كان سكيراً يسرف في شرب الخمر، وقد اشترى جارية وأنجب منها فتاة شغف بها، ولما كبرت الفتاة قليلاً وصارت تمشي باتت تهرول إليه كلما هم بشرب الخمر وجاذبته عليه، ثم قبضت روحها بعد بلوغها العام الثاني وهو ما أدخل الهم والغم على قلب مـالك، وفي ليلة الخامس عشر من شهر شعبان ثمل مـالك ونام دون أن يصلي العشاء، وكانت ليلة الجمعة، فرأى في منامه أن القيامة قد قامت والقبور قد بعثرت والخلائق قد حشروا.

في هذه الأثناء تناهى إلى مسمع مالك صوت قادم من الخلف، فإذا بتنين ضخم يتراوح لونه بين الأسود والأزرق يفغر فاه ويتجه نحوه، ففزع مالك وفر هارباً مرعوباً يطلب النجاة، فإذا بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة يظهر أمامه، عندها اطمأن مالك وألقى عليه السلام وطلب منه الحماية، فما كان من الشيخ إلا أن انخرط في البكاء في المنام وتعذر بضعفه وعجزه عن مواجهة هذا التنين الضخم القوي، ثم نصحه بالهروب والفرار بعيداً عنه فلعل الله يكتب له النجاة.

سيرة مالك بن دينار

سيرة مالك بن دينار

تابع تلخيص قصة مالك بن دينار :

استكمالاً لـ تلخيص قصة مالك بن دينار مع الرؤيا الغريبة التي يذكر البعض أنها كانت السبب في توبته، انطلق مالك مسرعاً فراراً من التنين المرعب حتى وصل إلى مرتفع يطل على طبقات نار جهنم وكاد أن يهوي فيها من فرط خوفه وارتياعه، إلا أن صوتاً تسرب إليه وانتشله من فزعه وأمره بالرجوع كونه ليس من أهل النار، فعادت الطمأنينة إلى قلبه، غير أن التنين عاد إلى مطاردته، وأبصر مـالك الشيخ الطيب مرة أخرى وعاد لطلب الغوث منه، فتعذر الشيخ بضعفه مرة أخرى ودموعه تنسال على وجنتيه.

نصح الشيخ مالكاً بالذهاب إلى الجبل المقابل لهما فلعله يجد عنده وديعةً تنقذه من الوحش الذي يلحق به، قصد مالك الجبل والتنين يتبعه، حتى إذا اقترب منه رفعت الستور وفتحت المصاريع وخرج من جوف الجبل أطفال كالأقمار، يشرفون في أفواجٍ متتابعة، حتى ظهرت ابنته التي ماتت فتعرفت عليه وبكت، ثم مدت إليه يدها اليسرى حتى يتعلق بها، ومدت إلى التنين يدها اليمنى حتى يفر هارباً، ثم قالت لأبيها ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)).

سأل مالك ابنته عن التنين فأخبرته أنه عمله السيء، صار قوياً وكاد أن يهلكه في نار جهنم، ثم سألها عن الشيخ الطيب فأخبرته أنه عمله الصالح، بات ضعيفاً لا يقوى على مجابهة العمل السيء، ثم سألها عن أمر الجبل فأخبرته أنه مكان يسكن به أطفال المسلمين حتى يلتقوا بآبائهم وأمهاتهم يوم القيامة فيشفعوا لهم، عندها استيقظ مـالك بن دينـار من نومه فزعاً ثم عمد إلى آنية الخمر فكسرها وتاب إلى الله.

 هل قصة مالك بن دينار مع ابنته صحيحة ؟

في الحقيقة لا يوجد أي إسناد موثوق يبرهن على صحة قصة مالك بن دينار مع ابنته في الرؤيا، وقد أنكرها جمع من أهل العلم للأسباب التالية:-

1) لم يرد عن مالك بن دينـار أنه كان سكيراً يدمن شرب الخمر.

2) لم يرد عن ابن دينار أنه تزوج من جارية وأنجب منها بنتاً.

3) لو كانت القصة صحيحة لذكرها الأئمة المحققون من أهل التاريخ والتراجم أمثال الذهبي وابن عساكر.

على أية حال لا يدقق العلماء كثيراً في صحة القصص الواردة عن التابعين دام أن الغاية منها أخذ العظة والعبرة، بخلاف القصص الواردة عن محمد رسول الله وأصحابه إذ لا بد من توخي الدقة خلال نقلها.

كرامات مـالك بن دينـار :

وردت عدة قصص مأثورة تبرهن على أن سرعة استجابة الدعوات واحدة من أبرز كرامات مالك بن دينار كقصة المرأة التي كانت تشكو الإصابة بداء الماء الأصفر فذهبت إلى أبي يحيى تطلب منه الدعاء، فدعا لها وطلب من القوم أن يدعوا لها ورفع يديه قائلاً ((يا ذا المن القديم، يا عظيم، يا مَن لا إله إلا أنت عافها وفرج عنها))، فما لبثت أن تماثلت المرأة للشفاء وذهب عنها الداء وانخمص بطنها بعد امتلاء.

مالك بن دينـار سير أعلام النبلاء :

تناول ذكر مالك بن دينار سير أعلام النبلاء وهو الكتاب الذي خطه الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، وفي طياته وصف الذهبي ابن دينار قائلاً ((علم العلماء الأبرار، معدود في ثقات التابعين، ومن أعيان كتبة المصاحف))، ثم ساق بعضاً من أقواله وأقوال أهل العلم فيه، من ذلك قول سليمان التيمي ((ما أدركت أحداً أزهد من مـالك بن دينـار)).

ما أشهر أقوال مـالك بن دينـار ؟

يذكر أن من أشهر أقوال مالك بن دينار قوله ((وددت أن الله يجمع الخلائق فيأذن لي أن أسجد بين يديه فأعرف أنه قد رضي عني فيقول لي: كن ترابا))، وقوله ((لو استطعت لم أنم مخافة أن ينزل العذاب، يا أيها الناس النار النار))، ومن أقواله أيضاً ((إذا لم يكن في القلب حزن خرب))، كما يروى عنه أنه قال في مرضه ((اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لبطنٍ ولا فرج)).

بم يكنى مالك بن دينار ؟

يكنى مالك بن دينـار بأبي يحيى.

متى كانت وفاة مالك بن دينار؟

كانت وفاة مالك بن دينار في عام 127 هـ وقيل عام 130 هـ، وهو ما يوافق عام 745 م أو عام 748 م.

هل مالك بن دينار من الصحابة ؟

لا، مالك بن دينار ليس صحابياً بل من أعلام التابعين.

ما مدى صحة قصة مالك بن دينار مع بائع التين ؟

لم يرد ما يثبت صحة قصة مالك بن دينار مع بائع التين لكن شاع تداولها ضمن قصص الزهد للعبرة.

مواضيع ذات صلة

مارية القبطيةمارية القبطية | الأمَة المصرية التي حملت أحشاؤها نجل الرسول

الامام الشافعيالامام الشافعي | من ملأ طباق الأرض علمًا