مسجد الخيف : مُصلَّى الأنبياء وحاضِنُ خُطبْةِ الوداع

حينَما تَرِدُ مدينة “مكَّة” في أيِّ سياقٍ مقروءٍ أو مسموعٍ فلا يتّقدُ في الذِّهن غالبًا إلَّا المسجِد الحرام والكعبة الشّريفة، لكن بمكَّة مساجد أخرى عتيقة زَخرت باليُمْنِ والبّركاتِ، مثل مسجد الخيف الذي وضع التَّاريخ على جبِهتِه علامة غرَّاء، وهو أكبر مسجدٍ بينَ مكةَ وعرفَات بعد المسجدِ الحرامِ، وكان أكبر من المسجد الحرام في الصدر الأوّل من الإسلام.

لماذا سمي مسجد الخيف بهذا الاسم؟

وقد جاَءَت تسميته بالخَيْفِ نظرًا لموقِعِه الجغرافيِّ بسَفْحِ جَبلِ مِنَى؛ فالخَيفُ لُغَةً هو ” مَا ارْتَفَعَ عَنْ مَوْضِعِ مَجرى السيلِ ومَسيلِ الْمَاءِ وانْحَدَرَ عَنْ غِلَظِ الْجَبَلِ”، ويقَعُ في قلبِ مَشْعَرِ مِنَى “وَمِنْهُ قِيل مَسْجِدُ الخَيْفِ بِمِنى لأَنه فِي خَيْفِ الْجَبَلِ” وقيل أنَّ اسْمَ الجَبَل الَّذِي مسجدُ الخَيْفِ فِي أَصْلِه هو ضَبٌّ وقيل “الصفايح” كما جاء في لسان العرب لابن منظور.

فَضْلُ المسْجِدِ وتَشْرِيفِهِ

المسْجِدُ يحْظَى بقِيمَة روحانِيِّة هائِلة خصِّيصَى في أيَّامِ التَشْرِيق حيثُ يُصلِّي الحُجَّاجُ فيه خلالَ تلْكَ الفَتْرَة، وقد ورَدَتْ أحادِيثُ نبويِّة كثيرة في تشريفِ هذا المسْجِدِ وتفضيلِهِ ومن ذلك ما أوردهُ الأزرقِي في كتَابِهِ (أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار): «عَنِ عبد الله بن عباس، قَالَ: صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا».

وأوْرَدَ أيضًا «عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: حَجَّ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ نَبِيًّا، كُلُّهُمْ قَدْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى فِي مَسْجِدِ مِنًى، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَفُوتَكَ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ مِنى فَافْعَلْ».

 وأورْدَ أيضًا حديثًا للصحابيِّ الجَليلِ أبي هريرةِ يشِي بأهميِّة الصَّلاة في مسجِدِ الخَيفِ حيثُ يقُولُ «لَوْ كُنْتُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَأَتَيْتُ مَسْجِدَ مِنًى كُلَّ سَبْت» “وصلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم “في حجّة الوداع حين مقامِهِ بمنى أيَّام التشريق ولا يزال المسلمون يصلّون به يوم النّحر وأيّام الجمرات، فهو وحده الذي يتسع لعشرات الألوف منهم إذ يجتمعون للعبادة والتعارف”.

بعضُ الأخْبارِ الغريبة والأحاديث حولَ مسجد الخيف

1- أورَدَ الفاكِهِيّ في كتابِه (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) أكثرَ من حديثٍ يؤكِّد بِه أنَّ قبرَ سيّدَنا آدم عليه السَّلام موجودٌ في هذا المسْجَدِ حيثَ ذكرَ حديثَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ عن أبيه أنّه قال « إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لُحِدَ لَهُ فِي مسجد الخيف وَدُفِنَ فِي وِتْرٍ مِنَ الثِّيَابِ ».

2- أورد الطبرانيّ في المعجم الأوسَطِ حديثًا يَرْفَعُ بهِ مسْجد الخيفِ إلى أقْصَى درجَةٍ من الأهميِّة الدينيّة حيثُ قال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مسجد الخيف، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا» وقيل في بعض الروايات المسجد الاقصى وليس مسجد الخيف لكننا ذكرناه هنا للأمانة البحثية ولتعدد الروايات.

3- جاءَ في أخبار مكة للأزرقي حديثٌ يفيدُ بأنَّ المكان الذي تحالفت الأحزابُ فيه على الرسول صلى الله عليه وسلم هو ذاته مسجد الخيف حيث يقول: “عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَدِمْنَا مِنًى إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى نَزَلْنَا الْخَيْفَ وَالْخَيْفُ مَسْجِدُ مِنًى الَّتِي تَحَالَفُوا عَلَيْنَا فِيهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: أَيُّ حِلْفٍ؟ قَالَ: الْأَحْزَابُ».

4- أوْرَدَ المقريزي خبرًا غريبًا في كتابه إمتاع الأسْماعِ حيث يقول: «قال ابن المبارك، عن سفيان حدثنا من رأى قاصًا يقُصُّ في مسجد الخيف أو نحوَهُ قال: فطلبته فإذا هو شيطان».

بناء المسجدِ وتْرمِيمُه على مرِّ العصورِ الإسْلاميِّة

شَاءَتْ كُتُبُ التَّاريخِ ألَّا تتضَمَّنَ نصوصًا تعْنِي بتاريخ إنشاءِ مسْجِدِ الخيفِ فلمْ يعد المؤرّخون قادرين على معْرَفَة سَنَةِ بنائِه معرفة دقيقة، لكن وُجِدَتْ نصوصٌ تعودُ بعُمْرِ المسْجِدِ إلى بعثَةِ النّبيّ صلى الله عليه وسلَّم سبَقَ الإشارة إليها.

وأمَّا في العصرِ العبَّاسيّ تحديدًا سنة أربعين ومائتين من الهجرة فقد أمرَ الخليفةُ المتوكِّلُ على الله بإعادة بناء مسجد الخيفِ مرَّةً أخرى بعدَما هدَمَه السَّيلُ حيث أمر الخليفةُ” بهدْمِ الْمَسْجِدِ وَمَا كَانَ مِنْ دَارِ الْإِمَارَةِ مُسْتَهْدَمًا وَأَعَادَ بِنَاءَهُ، وَرَمَّ مَا كَانَ مُسْتَرَمًّا، وَأَحْكَمَ الْعَقَبَةَ وَجُدُرَاتِهَا”.

أوردَ صاحب الروضتين خبرًا عن جمال الدّين الأصفهانيّ  في القرن الخامس الهجريّ أنّه أمرَ “ببِنَاء مَسْجِد الْخيف بمنى وَغرم عَلَيْهِ أَمْوَالًا عَظِيمَة “.

أمَّا في القرن السابِعِ فقد أوردَ ابن ضياء خبرًا عنه حيث ذكر أنَّ “المنارة الَّتِي فِيهَا الْآن عمَّرَهَا الْملك المظفر صَاحب اليمن فِي سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة”.

وفي القرنِ التاسِعِ بعصر السلطان قايتباي المحبّ للعمارة والهندسة حدَثَ أن “فِي أَوَاخِر سنة 874هـ أَو الَّتِي قبلهَا بنى مَسْجِد الْخيف بِنَاء عَظِيما محكماً وَجعل فِي وسط الْمَسْجِد قبَّة عَظِيمَة هِيَ حد مَسْجِد رَسُول الله وبنيت جدرانه المحيطة بِهِ وَبنى أَربع بوائك من جِهَة الْقبْلَة فَصَارَت قبَّة عالية فِيهَا محراب النَّبِي”.

مسجد الخيف

مسجد الخيف

التجديد في القرن العشرين

وفي القرْنِ العشرينِ أعيدَتْ عمارَتُهُ تحديدًا في سنة 1407هـ – 1987م بتكلفة 90 مليون ريال وفيه أربع منائر وهو مكيف بـ 410 وحدات تكييف، كما تساعد على تلطيف الهواء في المسجد 1100 مروحة، ويليه مجمع دورات المياه ويوجد فيه أكثر من ألف دورة مياه وثلاثة آلاف صنبور للوضوء.

التجديد في القرن الحالي

وفي عام 2014 كانت هناك نيّة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بهدم مسجد الخيف بمنى إعادة بنائِه في ظرفٍ قريب لوجود بعض الخطأ في التصاميم ولطبيعة الأرض الواقع عليها المسجد «منحدر»، وسيتم الهدم بعد التنسيق مع هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدمة لأخذ موافقتهم على مواعيد الهدم والبناء.

مساحة مسجد الخيف الحالية

وقد أوضحت الوزارة أن مسجد الخيف في هذا الوقت تتجاوز مساحته 21000 م ويتسع لأكثر من 60 ألف مصلٍ من الرجال والنساء ويوجد به 1750 كبينة دورة مياه و3200 ميضأة موزعة على طابقين للرجال والنساء، وزيدت عدد مخارج الطوارئ وتغييرت دواليب حفظ المصاحف بعد اهتراء القديمة، وتم تجديد جزء من فرش المسجد بتكلمة تتجاوز 600 ألف ريال وإضافة مكيفات الهواء داخل المسجد.

ومهما يكُنْ من صحِّة الأحادِيث والأخْبار الوارِدة في ذكر المسْجِد أو ضعفِها، فلا بدّ من التّأكِيد على أنّ مسجد الخيفِ مسجِدٌ مباركٌ مُشرَّفٌ، وإن كنت تأخرت في معرفة ذلك فـ ان تصل متأخرا خير من ان لاتصل ابدا، فقد صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكِرام حين كانَ بمنَى، وقد اهتمَّ بعمارِتهِ كثيرٌ من الخلفاءِ على مرّ العصورِ، وفي الوقت الحاضِر يعمل المسؤولون في المملكة العربيّة السعوديّة على تجديده وتوسعتهِ.

أين يقع مسجد الخيف الآن ؟

يقع بمكة على سفح جبل الصابح بمنى.

من يكون امام مسجد الخيف ؟

إمام مسجد الخيف بمشعر منى هو الدكتور عبد العزيز الدمخ

ما حكم الصلاة في مسجد الخيف ؟

إن الصلاة في مسجد الخيف مثل الصلاة في أي مسجد إلا أنّ هذا المسجد صلى فيه سبعون نبيًّا وهو مسجد مبارك.

مواضيع ذات صلة

انت ومالك لأبيكحديث انت ومالك لابيك | معناه والهدف منه

سيد الأستغفارأكثر من 10 آثار لذكر سيد الأستغفار