العبقرية الحربية للمسلمين في معركة اليرموك

معركة اليرموك

يزخر التاريخ الإسلامي بالكثير والكثير من قصص الملاحم الحربية التي خاضها المسلمين ضد أعداء الإسلام سواء في حياة الرسول أو بعد وفاته، وتعتبر معركة اليرموك من أكثر المعارك شهرة في التاريخ الحربي الإسلامي حيث ظهرت بها العبقرية العسكرية للقادة المسلمين واستبسال الجنود في الحفاظ على راية الإسلام مرتفعة وخفاقة، وتتشابه هذه المعركة مع معركة القادسية من حيث أهميتها والنتائج المصيرية التي ترتبت عليهما، وسنتعرف الآن على أسباب معركة اليرموك والأحداث التي سبقتها والنتائج التي حصدها المسلمون بعد هذه المعركة.

الأحداث التي مهدت لوقوع معركة اليرموك

بعد أن انتهى الخليفة أبو بكر الصديق من فرض السيطرة الإسلامية على شبة الجزيرة العربية، بمحاربة الردة والقضاء عليهم، بدأ يخطط إلى اتخاذ خطوات فعلية لنشر الإسلام في بلاد الشام والعراق.

فقرر بعد مشاورة مع الصحابة أن يتخذ عدة إجراءات لتكوين جيش قوي يستطيع مواجهة الروم والفرس، وكانت هذه الإجراءات تعتبر تمهيداً لوقوع العديد من المعارك مع الفرس والرومان وأهمها على الإطلاق معركة اليرموك.

كيف استعد أبو بكر الصديق لمواجهة الروم والفرس؟

1- تكوين جيش من المسلمين بقيادة خالد بن الوليد – أشهر القادة المسلمين على مر التاريخ- وإرساله إلى بلاد العراق والتي كانت يوجد بها الفرس وهم من أكبر الشعوب نفوذاً في العالم في هذه الفترة، واستطاع خالد بن الوليد فتحها وضمها إلى لواء الإسلام.

2- التخطيط لغزو بلاد الشام خاصة بعد مهاجمة الروم لمعسكرات المسلمين هناك، مثل معسكر خالد بن سعيد بن العاص في منطقة تيماء، وهذا ما ترتب عليه هزيمة هذا المعسكر وانسحابه.

3- قام أبو بكر الصديق بتقسيم جيش المسلمين في الشام إلى أربعة فرق ولكل فريق قائد وهم (فريق متجه إلى فلسطين بقيادة عمرو بن العاص، فريق متجه إلى الأردن بقيادة شرحبيل بن حسنة، وجيش آخر إلى دمشق ويقوده يزيد بن أبي سفيان، ويقود عبيدة بن الجراح الجيش الموجه إلى حمص وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ) وانضم إليهم خالد بن الوليد عائداً من العراق بعد أن قام بفتحها وفرض سيطرته عليها، والذي سيكون المنقذ للمسلمين في معركة اليرموك الفاصلة .

4- لكن في النهاية كانت هذه الجيوش ستتوحد تحت قيادة عبيدة بن الجراح عند الحاجة إلى ذلك، وبعد كل ذلك بدأت الجيوش الإسلامية باتخاذ خطوات فعلية لفتح بلاد الشام تنفيذاً لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا كان الخليفة دائماً يقوم بتحفيز الجنود والرفع من روحهم المعنوية، وتشجيعهم لتحقيق النصر أو نيل الشهادة.

في عهد أي خليفة وقعت هذه المعركة؟

إن معركة اليرموك وقعت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في عام 15 هجرياً، في وادي اليرموك بسوريا، لكن بدأ التخطيط لغزو الشام في عهد الخليفة أبي بكر الصديق.

شهداء معركة اليرموك

شهداء معركة اليرموك

ملخص معركة اليرموك

سبقت معركة اليرموك مجموعة من المعارك التي خاضتها الجيوش الإسلامية في طريقها إلى الشام، وكانت نتيجة هذه المعارك أن تكبدت الجيوش بعض الخسائر، لكن نجحت في نهاية الأمر أن تصل كل فرقة من الجيش الكبير إلى المكان المحدد لها.

خط سير الجيوش الإسلامية قبل وقوع معركة اليرموك:

تحرك جيش يزيد بن أبي سفيان بداية من المدينة مروراً بوادي القرى وتبوك -حيث وقع في هذا المكان  غزوة تبوك – حتى الوصول إلى دمشق، وقد اختار الخليفة ربيعة بن عامر قائدًا لهذا الجيش في حالة استشهاد يزيد، وقام يزيد أثناء تقدمه بالجيش بإرسال فرق استطلاعية لتقدير حجم جيوش الروم التي سيواجهها ومعرفة حجم عتادها، وبالفعل تواجه يزيد مع جيش الروم عند تبوك، واستطاع أن يهزم الروم في هذه المعركة وجعلهم يفرون هاربين.

لم يستطيع جيش يزيد أن يحقق النصر دون مساعدة شرحبيل بن الحسنة وجيشه، وكانت غنائم المسلمين في هذه المعركة كبيرة جداً من حيث الأموال والأسلحة.

وبعد هذه المعركة اتجه الجيش إلى مدينة يحكمها بطريق من الروم يدعى “روماس” والذي رفض أن يدفع الجزية مما اضطر جيش المسلمين إلى مواجهته، ومع بدء القتال كان النصر قريب من الروم لولا تدخل خالد بن الوليد الذي أعاد ترتيب جيش المسلمين مرة أخرى وتمكن من تحقيق النصر.

انتصار عمرو بن العاص على الروم:

بعدما وصل جيش عمرو بن العاص إلى فلسطين علم هرقل زعيم الروم بذلك فأرسل إليه جيش بقيادة “روبيس” وكان الجيش مكونًا من مائة ألف جندي، واستطاع جيش المسلمين الانتصار في هذه المواجهة نتيجة لحسن تنظيم صفوف المسلمين واتحادهم، وهكذا حقق جيش عبيدة بن الجراح انتصارات أيضاً على الروم في طريقه لبلوغ حمص.

وبعد انتصار المسلمين في معركة أجنادين التي كانت في 13 هجرياً سيطر المسلمون على مناطق واسعة من بلاد الشام مثل حمص والبصرى والبلقان بعلبك ومناطق في الأردن وفلسطين.

ولكن كانت جيوش الروم تستعد للقيام برد فعل قوي، حيث قام هرقل بتكوين جيش كبير من الروم واتجه به ناحية حمص، لكن المسلمون علموا بذلك فقاموا بالانسحاب من هذه المدينة، وقامت جيوش الروم بالاتجاه ناحية البلقان، ولهذا قررت الجيوش الإسلامية أن تنسحب ناحية وادي اليرموك.

تنظيم خالد بن الوليد لجيش المسلمين:

وبعد هذه الأحداث بدأت معركة اليرموك بين الروم والمسلمين، وكان قائد الروم في المعركة هو “ماهان”، في حين كان خالد بن الوليد هو قائد معركة اليرموك بالنسبة لجيش المسلمين، بعد تنازل أبو عبيدة بن الجراح له عن القيادة.

وقام خالد بعدة استعدادات قبل معركة اليرموك وتتلخص في أنه قام بإعادة تنظيم الجيش بطريقة عبقرية، حيث قسمه إلى مجموعة من الكتائب وقد حرس على أن تكون كل كتيبة تنحدر من قبيلة واحدة ويتم اختيار واحداً منهم قائداً عليهم.

وكانت تسمى هذه الكتائب باسم الكراديس، وكان قائد كتيبة الميمنة عمرو بن العاص ويعاونه في ذلك شرحبيل بن حسنة، وكان عبيدة بن الجراح قائداً على كتيبة القلب والتي كانت تضم مجموعة من المهاجرين والأنصار، ويقود كتيبة الميسرة يزيد بن سفيان.

بداية المعركة:

كان جيش الروم في معركة اليرموك يضم أكثر من مائتي ألف مقاتل في حين كان جيش المسلمين يتكون فقط من 46 ألف مقاتل، وقبل بدء القتال خطب أبو عبيدة بن الجراح في المسلمين لرفع روحهم المعنوية وحثهم على القتال بضراوة لرفع راية الإسلام وهذا ما فعله خالد أيضاً مع جنوده بعدما رأى الخوف في عيون بعضهم بسبب كثرة عدد الروم.

وكانت خطة خالد بن الوليد في معركة اليرموك هي الثبات في البداية عند هجوم جيوش الروم، واتباع استراتيجية الدفاع حتى يتمكن من كسر قوتهم بعض الشيء وإنهاكهم في القتال مع جزء من جيش المسلمين ثم البدء في مرحلة الهجوم المضاد بالقوات الاحتياطية.

وهذا ما اضطر جيش الروم إلى الفرار في الليل ناحية الهاوية، وتسبب ذلك في مصرع عدد كبير منهم ولذلك سميت هذه الهاوية باسم الواقوصة، وهرب باقي الجنود متجهين ناحية الشمال.

نهاية المعركة:

كانت أهم نتائج معركة اليرموك هي فرض سيطرة الجيش الإسلامي علي معظم المناطق في بلاد الشام، وسهل ذلك من فتح العديد من المدن التي كانت تحت سيطرة الروم، حيث إنه بعد انتشار خبر انتصار المسلمين على جيش الروم قام العديد من قادة الروم إما بالاستسلام للمسلمين وتسليم مدنهم، أو بالفرار خارج البلاد، وهناك عدد قليل منهم من قرر محاربة المسلمين مرة أخرى.

أشهر شهداء هذه الملحمة:

استشهد العديد من جنود وقادة المسلمين في هذه المعركة، حيث كانوا يتسابقون في رفع راية الإسلام أو نيل شرف الشهادة كما أخبرهم رسول الله، وكان معظهم من  صحابة الرسول، ولمعرفة تفاصيل عن حياة هؤلاء الصحابة يمكن الاطلاع على كتاب رجال حول الرسول ، وكان من أبرز شهداء معركة اليرموك الذين ذكرهم التاريخ الإسلامي هم:

1-عكرمة بن أبي جهل

2-أبو سفيان بن حرب.

3-ضرار بن الأزور

لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية معركة اليرموك، والتي كانت تعتبر المعركة الفاصلة التي ترتب عليها انتشار الإسلام في كل أنحاء بلاد الشام ، وتعتبر تمهيداً لفتح مصر بعدها بخمس سنوات، وكانت أيضاً من أسباب عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد من قيادة الجيش رغم عبقريته العسكرية حتى لا يفتن الناس بانتصاراته.

متى وقعت معركة اليرموك وفي عهد من من الخلفاء الراشدين؟

وقعت هذه المعركة في عام 15 هجرياً في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

من هو قائد المسلمين في هذه المعركة ومن هو قائد الروم؟

كان خالد بن الوليد هو قائد جيش المسلمين في المعركة في حين كان ماهان هو قائد جيش الروم.

من هو الصحابي الذي تنازل عن قيادة الجيش لخالد بن الوليد؟

تنازل أبو عبيدة الجراح عن القيادة بسبب ثقته في عبقرية وحنكة خالد في المعارك الفاصلة.

أين يقع وادي اليرموك الذي حدثت فيه هذه المعركة؟

يوجد هذا الوادي بالقرب من نهر اليرموك، ويقع هذا النهر في الأراضي السورية.

مواضيع ذات صلة

كتب التفسيرما هي أشهر كتب التفسير في العصر القديم و الحديث ؟

القضاء والقدرفهم القضاء والقدر | بين الإيمان والعقل