ابن حجر العسقلاني | أمير المؤمنين في علم الحديث

شهد له العلماء بالحفظ والإتقان، حتى لقبه البعض بإمام الحفاظ، إنه الإمام الجليل ابن حجر العسقلاني ذلك العالم العلامة الذي أتقن علم الحديث فكان فيه كالبحر الذي لا ساحل له.

ابن حجر العسقلاني | شيخ الإسلام

رزقه الله الذكاء الشديد ودقة الفهم حتى استطاع أن يسطر اسمه في مقدمة علماء الإسلام، اهتم بـ اصول الفقه حتى صار فقيهًا له كلمة، وأبدع في علوم الحديث فأصبح مرجعًا للسنة النبوية، لم يكن ابن حجر العسقلاني بالرجل المُنعم ولكنه عانى كثيرًا حتى وصل إلى مكانته الكبيرة في العلم.

ولد بشهر شعبان في عام 773 من هجرة سيد ولد عدنان على أرض الكنانة (مدينة الفسطاط) التي لطالما احتضنت بأرضها أّجّل العلماء، واسمه هو الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن أحمد الكناني العسقلاني المصري.

نشأة ابن حجر العسقلاني

نشأ الحافظ ابن حجر في كنف أسرة عرف عنها حبها للعلم والأدب، فكان جده “قطب الدين محمد” مرتبطًا بمجالس العلم وحصل من العلماء على إجازات، وعم أبيه كان من أشهر فقهاء مدينة الإسكندرية، أما أبوه فكان ماهرًا في الفقه والأدب.

نشأ يتيمًا منذ صغره، حيث ماتت والدته بعد ولادته بوقت قصير، وسرعان ما لحق بها أبوه الذي توفي في عام 777 هـ أي بعد ولادته بأربع سنوات، إلا أن أباه قبل موته قد أوصى به إلى صاحبيه وهما: (زكي الدين الخرُّوبي رئيس التجار بالديار المصرية، وشمس الدين بن القطان أحد فقهاء الشافعية).

ترعرع ابن حجر العسقلاني في رعاية “الخروبي” الذي لم يدخر جهدًا في رعايته، والاهتمام بتعليمه على أفضل وجه ممكن، فألحقه بالكتاب لحفظ القرآن الكريم وهو في الخامسة من عمره، وقد ظهر على العسقلاني علامات التميز والنبوغ التي تم التأكد منها عند حفظه لسورة مريم في يوم واحد، وأتم حفظ القرآن الكريم على يد “صدر الدين السفطي”.

وفي عمر 12 اصطحبه “الخروبي” إلى الحج، ولم يترك العسقلاني هذه الفرصة تضيع هباءً، حيث استغل هذه الفترة في فهم علم الحديث، فتعلم صحيح البخاري على يد “عفيف الدين النشاوري” ثم تلقى “فقه الحديث” من الشيخ “جمال الدين المكي”، وبسبب نبوغ العسقلاني في العلم وصل به الأمر إلى أنه صلى بالناس التراويح إمامًا في أطهر بقعة على وجه البسيطة وهي الحرم المكي.

استكمال سيرة ابن حجر العسقلاني العطرة

وكأنه قُدر للعسقلاني أن يتذوق مرارة الفقد أكثر من مرة، حيث تُوفي “الخروبي” الصاحب الأمين لوالده الذي اهتم به كثيرًا، وحرص على تلقيه العلوم الشرعية، فانتقل إلى وصاية “شمس الدين بن القطان”  وهو في عمر 14، وكان ابن القطان ضليعًا بالفقه وعلم القراءات، فتتلمذ ابن حجر على يديه، وأخذ عنه الفقه واللغة، وعندما وجده قادرًا على قراءة “الحاوي الصغير” أجاز له.

اهتم ابن حجر العسقلاني بتجويد القرآن الكريم، وتطرق إلى دراسة الأدب والتاريخ، وظهرت قدرته الكبيرة في مجال الشعر حتى فاق أقرانه.

وفي عامه العشرين أظهر اهتمامًا بالغًا بعلم الحديث، فأقبل عليه كتابة وسماعًا وتصنيفًا وتخريجًا، وتلقى علم الحديث من عدة مشايخ أشهرهم “الحافظ العراقي” الذي لازمه العسقلاني 10 أعوام، وظل على دراسة هذا العلم حتى أتقنه وصار سندًا قويًا فيه.

رحلات ابن حجر العلمية

قضى ابن الحجر العسقلاني جُل حياته في طلب العلم، ومن أجل تحصيله رحل إلى العديد من البلدان الإسلامية، وفيما يلي أهم رحلاته العلمية:

أولًا: رحلاته في مصر

بدأ ابن الحجر العسقلاني رحلاته في طلب العلم وهو في العشرين من عمره، حيث رحل إلى صعيد مصر إلا أنه لم يتلق علم الحديث هناك، ثم رحل إلى الإسكندرية وبها التقى بـ “التاج بن الخراط”و “الشمس الجزري” وغيرهما وتلقى على يديهم العلم وكتب ما سمعه منهم في كتاب يعرف باسم “الدرر المضيَّة مِنْ فوائد إسكندرية”.

بعد أن انتهل العلم من علماء الإسكندرية عاد إلى العاصمة، ولكنه لم يمكث فيها سوى 5 أيام ثم خرج منها إلى أرض الحجاز.

ثانيًا: الحجاز

كانت الحجاز أهم مقاصد ابن حجر العسقلاني في رحلاته العلمية، حيث سافر إليها عدة مرات، واجتمع بعلمائها، وتعلم على يديهم الكثير ومن أهمهم “البرهان أبو إسحاق” و “أبو بكر بن الحسين المراغي”، وقد حفظ الكثير من الأحاديث النبوية على يديهم.

ثالثًا: اليمن

رحل الحافظ بن حجر إلى اليمن عام 800 هـ، وتنقل بين بلدانها والتقى بالعديد من العلماء الذين جالسهم وسمع منهم، وقرأ ما يزيد عن 80 حديثًا من العوالي، كما قابل الفيروز آبادي الذي أعطاه تصنيفه المسمى “القاموس المحيط” وأذن له بالرواية عنه.

رابعًا: الشام

في عام 802 هـ قصد ابن حجر بلاد الشام، وقابل الكثير من شيوخها الذين أثنى عليهم، وأثنوا عليه، وشهدوا له بقدراته الهائلة في فنون الحديث، ومع أنه لم يمكث في الشام سوى 100 يوم إلا أنه ألف مجلد ضخم سُمي بـ “الإنارة في أطراف المختارة”.

وبلغ هذا المجلد شهرة كبيرة حتى قال عنه السخاوي: “لو لم يكن له عمل في طول هذه المدة إلا هي، لكانت كافية في جلالته”.

شيوخ العسقلاني الذي أخذ عنهم العلم

كان ابن حجر العسقلاني مولعًا بالعلم أيما ولع، فتعلم الفقه والأحكام الشرعية إلا أن علم الحديث احتل المكانة الأكبر في عقله وقلبه، فاجتمع بكبار حفاظ الأحاديث الشريفة حتى أتقن علم الحديث حيث المتن والسند والعلل، وبلغ من العلم الواسع والفهم الكبير في مجال الحديث لدرجة أنه لقب بـ “أمير المؤمنين في الحديث”، ومن أبرز الشيوخ الذين نقل عنهم العلم هم:

1) الهيثمي: من الشيوخ الذي أثروا في ابن حجر، فقد عُرف عنه حفظه القوي للمتون، فقرأ عليه ابن حجر نصف مجمع الزوائد بالإضافة إلى ربع زوائد مسند الإمام  احمد بن حنبل وغيرها.

2) ابن الملقن: قرأ عليه العسقلاني جزءًا من شرح كتاب المنهاج.

3) التنوخي: سمع عنه ابن حجر أشهر كتب الحديث كصحيح البخاري وسنن الترمذي والموطأ، ويذكر أنه لازمه 3 سنوات.

4) ابن جماعة: تعلم ابن حجر على يديه الكثير من العلوم، حيث اشتهر ابن جماعة بمهارته وتفننه في علوم عدة، فلازمه ابن حجر قرابة 21 عامًا، وشاركه في الكثير من العلوم منها “مختصر ابن الحاجب، كتاب شرح المنهاج للبيضاوي”.

وبعد أن أتقن ابن حجر العسقلاني علم الحديث وأصبح متفردًا فيه، جاءه طلاب العلم من كل حدب وصوب ليأخذوا العلم عنه، ونقل هؤلاء العلم عنه حتى أصبح علمًا من أعلام الإسلام.

الإرث العلمي للعسقلاني

بدأ ابن حجر التأليف في عام 796 هـ، وهو نفس العام الذي طلب فيه علم الحديث، وظل يكتب ويؤلف في مجال العلوم الدينية حتى قبل وفاته بوقت قليل، وفيما يلي أهم كتب ابن حجر العسقلاني التي ظلت شاهدة على مقدرته العلمية إلى الآن:

ــ  فتح الباري بشرح صحيح البخاري: من أبرز كتب التفسير في علم الحديث، وقد أفنى ابن حجر أكثر من 25 عامًا من عمره في جمعه وتأليفه وتنقيحه.

ــ كتاب الإصابة في تمييز الصحابة : يعد أبرز المؤلفات في تاريخ الإسلام، سعى فيه العسقلاني إلى التمييز بين الصحابة من حيث صحة الصحبة من عدمها، وقد استغرق منه 40 عامًا في تأليفه.

ــ كتاب تهذيب التهذيب.

ــ مجلد التلخيص الحبير.

ــ كتاب لسان الميزان.

ــ  إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة.

ــ الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع.

المذهب الفقهي للعسقلاني

كان ابن حجر العسقلاني يتبع المذهب الشافعي، حيث تفقه في هذا المذهب ودرسه وأتقنه حتى أنه ألف بعض الكتب فيه، ومع أن مذهبه شافعي إلا أن له بعض الاجتهادات التي خالفت هذا المذهب، حيث بٌنيت عقيدة ابن حجر العسقلاني على أساس قول الصواب حتى لو خالف مذهبه، ويذكر أنه تحول في أواخر أيامه إلى المذهب المالكي إلا أنه لا يوجد أي دليل على هذا الأمر.

وكان ابن حجر العسقلاني محبًا للعلماء مقدرًا لدورهم، إلا أن علاقة ابن حجر العسقلاني وابن تيمية شغلت بال الكثير، حيث ردد البعض أن ابن حجر اتهم الثاني بالكفر والضلال، وهذا ما لم يثبت أبدًا، ولكنه خالفه في عدد من المسائل وانتقد آراءه فيها كعادة العلماء.

ويذكر أن “محمد بن عبد الهادي المقدسي” قال: (كان محباً للشيخ تقي الدين ابن تيمية معظمًا له، جاريًا في أصول الدين على قاعدة المحدثين).

وفاة ابن حجر العسقلاني

اعتزل منصب القضاء ولزم بيته حيث تفرغ للتأليف إلا أن المرض اشتد عليه في عام 852 هـ مما أدى إلى عدم خروجه لصلاة عيد الأضحى، وزاد عليه المرض لدرجة عدم مقدرته على الوضوء، وترك قيام الليل.

وفي يوم موته اجتمع حوله عدد من الشيوخ الذين ظلوا يقرأون عليه القرآن الكريم حتى وصلوا إلى قوله تعالى: “سلام قولًا من رب رحيم” ففاضت روحه إلى بارئها.

وعندما انتشر خبر وفاته عم الحزن أرجاء البلاد، وأغلقت المحال، وكانت جنازته مهيبة لدرجة أن السخاوي عبر عن ذلك بقوله “حضر الجنازة أناس لا يعرف عددهم إلا الله”.

متى ولد ابن حجر ومتى توفي؟

ولد في عام 773 هـ وتوفي في عام 852 هـ.

هل ابن حجر العسقلاني صوفي ؟

لم يكن ابن حجر ينتمي إلى المدرسة الصوفية.

ما أبرز الكتب التي أُلفت عن ابن حجر؟

كتاب الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر بالإضافة إلى ترجمة ابن حجر العسقلاني pdf وغيرهما.

ما أهم المناصب التي تقلدها ابن حجر؟

وُلي إفتاء دار العدل كما عمل خطيبًا في الجامع الأزهر، بالإضافة إلى توليه منصب القضاء عام 800 هـ.

مواضيع ذات صلة

معاذ بن جبلمعاذ بن جبل | أعلم الناس بالحلال والحرام

النجاشيماذا تعرف عن النجاشي ملك الحبشة ؟