ابن رشد | الفيلسوف الأندلسي الذي ألهم العالم

يعد ابن رشد واحدا من المفكرين والفلاسفة العرب المشهورين للغاية في العصور الوسطى، وذاع صيته في كل بقاع الأندلس، وظلّت أفكاره وكتبه حيةً إلى وقتنا هذا.

نبذة عن ابن رشـد

اسمه أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، ونسبةً لجده فكان يُطلق عليه ابن رشـد الحفيد، قد تفوق في فروع عدة من العلوم مثل الفلسفة والفقه والطب والقانون والفيزياء.

عُرف عن ابن رشـد أنه كان محبا للعلم بشدة باحثا في كل ضروبه، وأثرت إنجازات ابن الرشد  العلم والعلماء، فقد قام بتأسيس المدرسة الرشدية في علم الفلسفة، ونال الكثير من الجوائز التي من أبرزها جائزة ابن رشـد للحرية الفكرية.

تحدث عدد ليس بالقليل من الكُتاب العالميين عن ابن رشـد في مؤلفاتهم من أمثالهم جيمس جويس ودانتي، وفي ذلك دليل على مكانته عند الغرب ومدى تأثرهم بأفكاره ومعتقداته.

مولد ابن رشد ونشأته

يعود التاريخ الذي كان شاهدا على ولادة ابن رشـد إلى يوم الرابع عشر من شهر إبريل لعام 1126 ميلاديا الموافق لعام 520 هجريا، ولد ابن رشد في مدينة الأندلسية أو كما يطلق عليها قرطبة.

ترعرع ابن رشـد في أسرة معظم أفرادها فقهاء ولهم باع كبير في الفتوى، فكان جده الملقب بابن رشـد الجد زعيم المالكية وكبيرهم وإمام مسجد قرطبة وكان يعمل قاضيا حتى تقلد منصب مستشار في الدولة المرابطية، بينما كان أبوه أيضا واحد من فقهاء جامع قرطبة وعمل بالقضاء هو الآخر.

فكبر ابن رشـد وتفتحت آفاقه بصورة كبيرة وأحب العلم و اصول الفقه ،ويرجع الفضل في ذلك إلى تلك النشأة التي صقلت شخصيته و أثرت عقله، فبات لديه مخزون ذاخر من العلم والثقافة.

مرحلة الدراسة والتعلم

كانت أسرة ابن رشـد محيطة بالكثير من العلوم، ذلك الأمر الذي جعل منها بيئة خصبة لتجمعات العلماء والفقهاء، فساعد ذلك ابن رشـد على التعلم من كبار الفقهاء أمثال الحافظ أبي محمد بن رزق وأبي جعفر بن عبد العزيز الذي أباح له الفتوى في الفقه.

تمكن ابن رشـد من حفظ كتاب الموطأ للإمام مالك وساعده في ذلك جده الشيخ ، وكما درس في الفلسفة أيضا وتأثر في هذا المجال بابن لجة، وكان أحد أصدقاء ابن طفيل.

عمل ابن رشـد في البلاط

الجدير بالذكر أن بن رشد عمل في مجال القضاء بجانب علومه ومعارفه التي أبدع فيها، حيث تم منحه منصب قاضيا على إشبيلية عام 565 هجريا، وبعد ذلك بعامين تم تنصيبه قاضيا على مدينة قرطبة، وفي سنة 568 هجريا تم ترقيته إلى منصب قاضي القضاة.

وأثناء الأعوام التي عمل فيها بالقضاء عُرف عن ابن رشـد حسن السيرة وطيب الأخلاق، كما أنه في تلك الفترة أيضا نال إعجاب وتقدير الخليفة الموحدي أبو يعقوب حتى أنه استدعاه إلى مراكش في المغرب وقام بتعيينه طبيبا له، كما أسند إليه الكثير من المهام الرسمية، ذلك الأمر الذي جعل ابن رشـد يتنقل من وإلى أفريقيا والأندلس للموائمة بين وظيفته في القضاء وبين تقربه من الخليفة.

معتقدات و فلسفة ابن رشد

كان ابن رشـد واحدا من العلماء والفلاسفة الذين يرون بأنه ليس هناك تعارض بين الدين والفلسفة، كما آمن بأبدية الكون وخلوده، وقال إن الروح مجزئة إلى جزئين؛ أحدهما شخصي يرتبط بالإنسان، والآخر يتعلق بالإله، وبما أن الروح مصيرها الفناء فإن الناس كافة سواسية.

وادعى ابن رشـد أيضا أنه يمتلك نوعين من إدراك الحقيقة ومعرفتها، فأولهما يرتكز على الدين الذي يعتمد على العقيدة التي يستحيل تطويعها لنظرية التمحيص والتدقيق، وثانيهما يرتكز على نظريات الفلسفة التي تستهل بمعتقداته الأخلاقية من مذهب كل من أرسطو وأفلاطون الذي من أشهر مؤلفاته كتاب جمهورية افلاطون الذي يعد أحد أعرق كتب الفلسفة على مر التاريخ.

وتوافقت فلسفة ابن رشد  مع نهج أفلاطون لا سيما في المكارم الأربع الرئيسة التي تكمن في الحكمة والعدالة والعفة والشجاعة، في حين كان ابن رشـد يرى أن الدين والفلسفة هما طريقين مختلفين لذات الغاية، وقد انهالت عليه الانتقادات اللاذعة والجارحة من قبل الخلفاء الأندلسيين، لذلك أمر معظمهم بـ حرق كتب ابن رشد التي تتحدث عن الفلسفة، وفي الفترة ما بين عام 1195 ميلاديا إلى عام 1197 أُصدر قرار بمنعه من نشر معتقداته وآرائه كما منع أيضا من الذهاب إلى أراضي مراكش قديما المغرب الآن.

معتقدات و فلسفة ابن رشد

تلامذة ابن رشد

كما تعلم ابن رشـد علم، ولم يبق علمه أسيرا في عقله وصدره، فقد قام بتدريس العديد والعديد من أبناء عصره حيث كان يستغل حلقات الذكر في المساجد في ذلك، لكن قيل إنه لم ينل أحد فيهم نصيبا من الشهرة في مجال الفلسفة خاصة لأسباب متباينة.

ومن بين الأشخاص الذين تتلمذوا على يد ابـن رشد؛ أبو الحسن سهل بن مالك وأبو القاسم بن الطيلسان ومحمد بن حوط الله وأبو بكر بن جهور وغيرهم.

كتب ابن رشد ومؤلفاته

لقد برع ابن رشد في الكثير من فروع العلم والتي من أبرزها الفلسفة والفقه والطب والأدب اللغوي وأكمل إبداعه بتأليفه فيها، فكانت كتب ابن رشد ومؤلفاته تم تجزئتها إلى جزأين أساسيين؛ أولهما شروحات لكتب القدماء خصوصا أفلاطون وأرسطو وعدد من فلاسفة الإسلام، وأما الجزء الثاني يشتمل على الكتب التي قام بنفسه بكتابتها، ومن بين أبرز كتب ابـن رشـد ما يلي:

1- كتاب فصل المقال

ألف ابن رشد هذا الكتاب في فرع الفلسفة، وكان مدافعا فيه عن جميع الفلاسفة الذين أدينوا بالكفر، فبين في صفحاته أن الفلاسفة أناس لديهم الحق في الحديث عن العلوم الشرعية تحت راية المنطق والعقلانية بشرط عدم إنكار أي أساس من أساسيات الدين، ودعم ابـن رشـد كلامه هذا بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة النبوية الشريفة.

2- كتاب الكليات

ألف ابن رشد هذا الكتاب في فرع الطب، ويتكون من ستة أجزاء تضم في طياتها دروس كاملة عن صناعة الطب وقد قيل إن هذا الكتاب نال شهرة واسعة وأخذ أهمية كبير في جميع دول أوروبا وذاع صيته فيها لفترة ليست بالقصيرة.

3- كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد

ألف ابن رشد هذا الكتاب في فرع الفقه، سرد فيه الكثير من الأمور الفقهية الموافق عليها والمختلف فيها، ارتكز فيه على الأساليب التي يتم بواسطتها تلقي الأحكام الشرعية عن المصطفى سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم-.

4- شروحات كتب القدماء

قام ابـن رشد بتأليف العديد من الكتب التي يقوم خلالها بشرح وتفسير كتب علماء آخرين، ومن أمثلتها شرح كتاب الأرجوزة في الطب لابن سينا، شرح كتاب الأخلاق وكتاب القياس لأرسطو طاليس، وغيرهم الكثير.

5- كتاب تهافت التهافت

إن كتاب تهافت التهافت أحد أشهر كتب ابن رشد على الإطلاق، ويعد من بين الكتب التراثية التي خلدها التاريخ، وتحدث فيه عن فرع الفلسفة، وكان كتاب تهافت التهافت ردا من ابن رشد على الغزالي بسبب تأليفه لكتاب تهافت الفلاسفة لكي يرد اعتبار الفلاسفة ويدافع عنهم.

وأطلق ابـن رشد هذا الاسم على كتابه تضامنا مع الدعوة التي انتقضت معتقدات الغزالي المتناقضة التي أغار فيها على آراء وأفكار الفلاسفة، ويذكر أن ابن رشـد في كتاب تهافت التهافت عول فيه على تجزئة ما جاء فيه إلى جزئين هما؛ العلم الطبيعي والعلم الإلهي.

وفاة ابن رشد

ورد في كتب السير ومصادر التعريف أن ابن رشـد قد فارق الحياة في عام 1198 ميلاديا الموافق لعام 595 هجريا وكان قد بلغ من العمر 75 سنة، وتم دفنه في مدينة مراكش، وقد قيل أنه بعد مرور ثلاثة أشهر على وفاته تم نقل جثمانه إلى بلده الأم مدينة قرطبة التي تغنى ابن زيدون بها في كثير من أشعاره، وذلك بناء على ما ذكره ابن العربي الذي حضر جنازته وكان شاهدا أيضا على فتح قبره وحمل جثمانه لنقله إلى الأندلس.