ابو ايوب الانصاري | المناضل مدى الحياة

إنه لأكثر الناس استغناءً عن ضرب أروع الأمثال فيه؛ وانتساب أرقى المواقف إليه؛ والتذكير باسمه وكأنه مجهولٌ غير محفورٍ في قلوب الأمة؛ الصحابي المجيد الذي هرول إلى موقعةِ بدرٍ وما تلتها من معارك، حارس خيمة رسول الله في غزوة خيبر ابو ايوب الانصاري ؛ صاحب السيف الحاد والرمح النافذ.

ابو ايوب الانصاري | مَن هو؟

لم أملك من الفصاحة ما يؤهلني للحديث عن خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة.. بن الخزرج المكنى بـ ابي ايوب الانصاري، وليس في حيازتي ما يكفي من الصحائف والأقلام لكي أُعنون فيها وبها عن مَن فضّل الله ورسوله عن التلذذ بمتاع الحياة الدنيا؛ شامخ المكانة ورفيع الجلالة وسخي اليدين وكريم السجايا؛ ابو ايوب الانصاري الشهير بالكرم وحسن الوفادة.

لقد شهدت غزوتي بدر والعقبة على مَن امتلأ قلبه بالإيمان؛ ووهب عمره فداءَ رفع راية الشريعة الإسلامية في أعالي السماء؛ وأمسك بسيفه الحاد للدفاع عن كتاب الله، أحد كتاب الوحي؛ ابو ايوب الانصاري الصحابي الجليل ذو المقام الرفيع، الذي وُلد من رحم صحابيةٍ عظيمةٍ تُدعى هند بنت سعيد بن عمرو بن الخزرج.

لقد باتت المواقف الخالدة والمشرفة خيرَ دليلٍ على وفاء ابي ايوب الانصاري، فلم يكن بحاجةٍ إلى إثبات شجاعته وبسالته؛ بل تُرك أمره للشدائد والمعارك لتكون شاهدةً على أنه رجلٌ أفنى عمره في سبيل نصرة الإسلام.

إسلام ابي ايوب الانصاري | مُضيف رسول الله

لقد أسلم ابو ايوب الانصاري قُبيل الهجرة إلى المدينة المنورة، وكان من أوائل الوافدين الذين بايعوا رسول الله في بيعة العقبة الثانية؛ كما بايع علي بن ابي طالب على الخلافة بعد مقتل عثمان وشهد معه الكثير من المعارك أبرزها موقعة صفين والجمل.

شارك خالد بن زيد مع رسول الله في سائر الغزوات الإسلامية؛ ولم يتخلف عن أي معركة حتى بعد وفاة رسولنا الكريم؛ وقيل أنه قد تخلف عن واحدةٍ فقط، وكان أبو أيوب مولعًا بخوض المعارك التي تهدف إلى نصرة الإسلام، فكلما أُنصتت أذناه إلى مَن ينادي للجهاد في سبيل الله؛ أخذ سيفه وهروَل خلف جيشه مرددًا “لا إله إلا الله محمد رسول الله”

قول ابو ايوب الانصاري في حادثة الإفك

لم يفكر ابو ايوب الانصاري ولو للحظةٍ بسوء الظن في السيدة عائشة رضوان الله عليها خلال حادثة الإفك مثلما ظن غيره؛ بل كان متيقنًا ومدركًا كم هي عظيمة وشريفة ابنة الصديق العتيق! والتي بُثت الإشاعات عنها وخُضّ في عرضها واتُهمت بارتكاب الفاحشة إلى أن برأها الله تعالى من فوق سبع سموات براءةً قطعيةً؛ تُثبت عفتها وطهارتها وتفضح المنافقين المتكلمين في عرضها.

ولقد قالت أم أيوب لأبي أيوب الأنصاري: (ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟! قال: بلي؛ وذلك كذب، أفكنتِ يا أم أيوب فاعلة ذلك؟ قالت: لا والله، قال: فعائشة والله خير منك)

صفات ابي ايوب الانصاري | المناضل شديد المراس

لم يكن ابو ايوب الانصاري محظوظًا بما اتصف به من السمات الفريدة؛ بل بات الحظ الأوفر من نصيب تلك الصفات التي نُسبت إليه، وكأنها اختارت التشبث بأبي أيوب لتتمركز في مكانها الصحيح، فما أروع الأخلاق الحميدة والصفات النبيلة التي عُرف بها ابو ايوب الانصاري المناضل الشرس؛ الذي شهد الغزوات والمعارك الإسلامية مع رسول الله.

من صفات ابي ايوب الانصاري ما يلي:_

– لقد كان ابو ايوب الانصاري زاهدًا في الحياة؛ صادقًا ومتواضعًا لله؛ ومحبًا ومحبوبًا من سائر الأناس.

– كما كان متسامحًا ومقدمًا يد العون للمحتاجين؛ ومقدرًا لمَن هم أكبر منه سنًا ومحترمًا إياهم.

– لم يطرق التكبر باب أبي أيوب الأنصاري ولو لمرةٍ واحدةٍ؛ بل كانت الأخلاق السامية حليفةً له، ولم يعرفه شخص ما إلا وقد دخل قلبه وفتح له أبواب محبته.

– ظلّ ابو ايوب الانصاري طيلة حياته مساعدًا للآخرين حيث كان يُؤْثِرهم على نفسه؛ وكأن لذاته حقًا عليهم.

– قام ابو ايوب الانصاري بتكريس حياته للجهاد في سبيل الله ولنشر الدعوة الإسلامية؛ ليس طمعًا في نيل منزلةٍ عاليةٍ مع النبيين والشهداء بل لشدة تعلق وحب فؤاده لله ورسوله!

قبر أبو أيوب الأنصاري

قصة ابي ايوب الانصاري مع النبي

حفاوة شديدة من أهل يثرب في انتظار مجيء رسول الله إلى المدينة، فالجميع واقفون أمام ديارهم وراغبون في نيل شرف استضافة رسول الله في سكنهم، فماذا عن بيتٍ سيعم عليه الخير والبركات عدة أشهر ترحيبًا بإقامة نبي الله فيه؟! فكلما وصلت ناقة الرسول إلى دور من أدوار المسلمين أمسكوها وتشبثوا بحبالها رغبةً في أن يقيم صاحبها في بيوتهم.

لقد ظلت الابتسامة تعلو فم رسول الله جراء شدة سروره بتلك الحفاوة والاستقبال العظيم له؛ وكان يقول لكل قبيلة اتركوا الناقة تسير وحدها فهي مأمورة، وها هي الناقة قد وصلت إلى حي عدي بن النجار وبركت أمام ديار أبي أيوب الأنصاري؛ الذي غبطه الجميع وتمنوا لو صار كل منهم مكانه في تلك اللحظة، حقًا فهو من فاز باستضافة رسول الله في بيته.

كيف سأستوطن أنا وزوجتي الطابق العلوي فوق أشرف الخلق جميعًا؟! لقد ظلّ خالد بن زيد منزعجًا بشأن ذلك رغم إلحاحه الشديد على نبينا محمد بأن يسكن فوقه؛ ولكن أبى رسول الله ذلك، وظلّ أبو أيوب وزوجته يكرمان خير الأنام بكل ما يقدران عليه؛ إذ كانا لا يأكلان الطعام حتى يشبع رسول الله، فما رأيتُ أجمل من بيت أبي أيوب؛ بيت الكرم والجود؛ حقًا فلقد سلكت الناقة بيت المُضيف والخلوق!

ذرية أبو أيوب الأنصاري | المجاهد مدى الحياة

ربما يُشاع أن شيخ الإسلام الحافظ الإمام الزاهد؛ أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن على، من ذرية أبي أيوب الأنصاري ولكن الحقيقة لا يعملها إلا علّام الغيوب، أما عن تلاميذه فلقد تلمذ على يده كثير من الصحابة أمثال أنس بن مالك؛ البراء بن عازب ؛ عبدالله بن عمر وغيرهم من الصحابة الأجلاء.

لقد قطع أبو أيوب ألاف الأميال قاصدًا الترحال إلى مصر من أجل التأكد من صحة حديث شريف واحد، واختلف العلماء في عدد الأحاديث النبوية التي رواها فقيل: إنه رُوى 150 حديث وقيل: 210 حديث وقيل غير ذلك.

قبر أبو أيوب الأنصاري | شهيد القسطنطينية

لم يشكُ أبو أيوب المرض وقلة الحيلة رغم سقمه؛ بل كان عازمًا على ملاحقة جيش يزيد بن معاوية بن أبو سفيان المتوجه لفتح القسطنطينية؛ حيث انطلق مسرعًا يحمل سيفه ورمحه حينما سمع النداء للجهاد، ولكن اشتد الأمر عليه وكأن جبالًا من الآلام قد وقعت عليه، ورغم ذلك ظلّ يناضل طيلة هذه المعركة بكل ما يملك من القوة والإيمان حتى قُطع رأسه!

لم يكن شابًا في العشرين من عمره ولا رشيدًا في الأربعين؛ بل كان آنذاك شيخًا كبيرًا يناهز الثمانين عامًا، ولشدة تعلقه بالغزو في سبيل الله لم يدر وجهه للاستماع إلى أحاديث أبنائه بأنه شيخ كبير لا يقوى على القتال؛ بل قال لهم: (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ).

لقد ماتت الشجاعة والبسالة والكرم والسماحة في السنة الخمسين من الهجرة أو ما فوقها حينما انتقل ابو ايوب الانصاري إلى الرفيق الأعلى، ويا لمدينة اسطنبول الجميلة من ذاك الحظ العظيم؛ فلقد احتضنت بين أكنافها ضريح أبي أيوب الشهير الذي دُفن تحت أسوار القسطنطينية!