اقوال لابن سينا | أبو الطب الحديث

أمطارٌ غزيرةٌ يحملها السحاب في السماء؛ وفنجانٌ من القهوةٍ أُمسك به في وقت الغروب؛ وحياةٌ هادئةٌ خاليةٌ من الضوضاء، لعله الوقت المناسب الذي أتذكر فيه بعض الـ اقوال لابن سينا لا سيما مقولته “أُفضل حياة قصيرة مع عرض .. على حياة ضيقة مع طول”.

التعريف بابن سينا | أبو الطب الحديث

لربما تحضر الكثير من الـ اقوال لابن سينا على ذهنك؛ لكنك غير عالم باسم هذا الأديب الحقيقي! لذا سألتقط أنفاسي؛ وسأقبض على قلمي؛ لكي أُدون سائر التفاصيل الدقيقة عن هذا التراث العلمي الهائل، تلك الثروة الطبية والأدبية التي سُطّرت في كثيرٍ من الكتب؛ والتي ظلّت مرجعًا موثوقًا منه في مجال الطب؛ وهي المنتمية إلى أبي علي الحسين بن عبدالله بن الحسن بن علي بن سينا.

عالمٌ جليلٌ أنار العتمةٍ والظلامٍ بضيائه وعلمه؛ ولد في قرية أفشنة التابعة لدولة أوزبكستان حاليًا في عام 980 م، وكان فيلسوفًا وطبيبًا وأديبًا بارعًا له أشعار كثيرة في العلوم المختلفة، ولقد ربط بين علمي القانون والطب في مجلدٍ واحدٍ قد صُنف بأنه أفضل ما جاءت به الحضارة العلمية الإسلامية على مر الزمان.

يعد كتاب القانون في الطب الشهير أبرز الكتب لابن سينا، فهو حق موسوعة طبية مقسمة إلى خمسة أجزاء؛ بها من الدقةِ العلميةِ ما لا يمكن للأذهان تصديقه، كما بات تبويب هذا الكتاب رائعًا، وانصب اعتماد ابن سينا في منهجية تلك الصحائف على التجربة والملاحظة وتجربة الأدوات والتشريح؛ لذا فبهذا الكتاب من المصداقية العلمية ما يكفي.

حياة ابن سينا | أرسطو الإسلام

لقد عاش أرسطو الإسلام في ختام القرن الرابع الهجري؛ تلك الحقبة الزمنية التي شهدت على قصائد شاعر العرب لا سيما قصيدة المتنبي يمدح سيف الدولة ، وظلّ ابن سينا متلقينًا تعليمه على يد أبيه حتى أرسله إلى مدرسة بخاري؛ ومن هنا كانت نقطة انطلاق ابن سينا نحو التحليق في فضاء الطب والأدب.

فلقد تلمذّ على يد فيلسوفٍ وعالمٍ بارعٍ في علوم الفلسفة والمنطق يُدعى “أبو عبدالله النائلي” والذي تفرغ لتلميذه من أجل أن يثريه من علمه، وكان ابن سينا نبيهًا وصاحب إجابات منطقية لم تخطر أبدًا على بال معلمه، لذا فلقد أبدى إعجابه بذكائه للغاية، وظلّ ابن سينا متلقيًا تعليمه تحت يد هذا العالم النبيل حتى بلغ الثامنة عشرة من عمره؛ فأدرك عدم احتياجه إلى معلمه ليصبح هو معلم نفسه.

يا له من طبيبٍ نابغٍ قد حصّل من العلوم ما لم يُحصله غيره رغم صغر سنه! فلقد أُشفيت جراح السلطان نوح بن منصور الساماني على يده، فرصةٌ ذهبيةٌ قد انبلجت إلى ابن سينا لإظهار كفاءته وقدرته العلمية؛ بعدما عجز الأطباء المشهورون في عصره عن علاج السلطان الساماني.

حياة أبو الطب بعد تخفيفه آلام السلطان الساماني

مكتبةٌ عريقةٌ مكدسةٌ بالكتب والصحائف لم يتجرأ أحد على الولوج إليها؛ ولكن قد تغيرت الآية وسُمح لابن سينا بالتغلغل في أركانها، ذلك الشافي الذي انتشل الحزن من جوف أفراد العائلة الملكية، وكان لاكتساب ابن سينا كثيرًا من المعارف في الطب والشريعة والغيبيات أثرٌ بليغٌ في تطوره الفكري، والذي ساعده على تفهم صحائف هذه المكتبة المزدحمة بالكتب في قصر السمنديين.

لقد بات العام العشرين من عمر ابن سينا مزيجًا بين الشجن والآلام ولحظات الفرح والإنجاز؛ إذ فقد أباه صاحب الفضل الأول فيما وصل إليه، ومع مرور الأيام لقد وضع أولى بصماته في المجال العلمي من خلال كتاب “القانون في الطب”، ومن هذا المنطلق راجت أجمل الـ اقوال لابن سينا في سماء المعرفة.

وتواترت اللحظات العصيبة على أرسطو الإسلام حتى أمدّ البشرية بعلمه الفسيح من خلال كتاب “الشفاء” الذي قُسم فيه الاسم العام للمعرفة أجمع (الفلسفة) إلى شقين، كما ذُكر فيه “أن الموسيقى كل متكامل مكون من أفرع شتى الآلات الموسيقية”.

أشهر اقوال لابن سينا

لم تُقتصر مؤلفات ابن سينا على الطب فقط؛ بل بات متعدد المواهب؛ حيث كتب في الفلك والشعر والفلسفة والمنطق والفقه والجيولوجيا والكيمياء؛ ولكنه بات مشهورًا ومنشغلًا بالطب والفلسفة، فلقد قام بتأليف ما يُقارب من 200 مجلد، وظلّ ابن سينا عمدةً وشخصيةً مؤثرةً في عصره وحتى زمننا هذا، ولقد عُرف بأمير الأطباء وأبي الطب الحديث لدى الغربيين.

ربما حلّ التشابه في مسيرة شيخ الطب مع طريق شيخ الإسلام في نشوئها؛ حيث أتم كلاهما حفظُ القرآن الكريم في الصبا، فكان والد ابن سينا شخصيةً ذات منصبٍ عالٍ في دولته وأحد مشايخ الطائفة الإسماعيلية المرتكزة على الأنماط الأفلاطونية، والذي أرسله لتلقي العلوم وطلب العلم حتى صار علّامةً ذات إنجازاتٍ محفورةٍ في الكتب والأذهان.

إن أول مَن وصف اعراض التهاب السحايا الأولى وحصى المثانة وأسباب اليرقان؛ هو العالم والطبيب المسلم ابن سينا، والذي أزاح الستار عن مدى تأثير المعالجات النفسية في الشفاء من هذه الأمراض، حقًا فقد تمكّن من العلمِ إلى درجةٍ كبيرةٍ؛ ولعل ما قدمه من الإنجازات العظيمة على مدار التاريخ خيرُ دليلٍ على ذلك.

حكم ابن سينا

حكم ابن سينا

ربما تأخذنا أروع الحكم والـ اقوال لابن سينا في رحلةٍ جميلةٍ إلى قديم الزمان؛ لكي ندرك جميعًا أن آثارَ أقدام العلمِ قد تواجدت منذ أن خُلق الإنسان، فلم يكن العلم مستحدثًا مثلما تشير بعض الأقوال؛ بل كانت أواخر القرن الربع وبدايات القرن الخامس هجريًا شاهدةً على التطور العلمي والفلاح، وبات ابن سينا أول المهتمين بمجال الطب النفسي وعلاجاته؛ حيث إن كتاباته خيرُ دليل على إنجازاته.

سيظلّ الغوص في بحار الأدب ضئيلَ القيمة؛ ما لم يُذكر أمير الشعراء والقلوب احمد شوقي صاحب القصائد الجليلة ذات الإيقاع الموسيقي، كما سيظلّ الطب النفسي والفلسفة فقيري المعنى؛ ما لم تتربع أجمل الـ اقوال لابن سينا على قمة هرم العلوم.

ولعل من أبرز الحكم والـ اقوال لابن سينا أمير الأطباء ما سأذكرها فيما يلي:-

– العقل البشري قوة من قوى النفس لا يُستهان بها.

– ينقسم العالم إلى رجال لديهم خفة دم ولا دين، ورجال لديهم دين ولا خفة دم.

– اجعل طعامك كل يوم مرة .. واحذر طعامًا قبل هضم طعام.

– مسكنات الأوجاع: المشي الطويل والانشغال بما يُفرح الإنسان.

– ومن أجمل أقوال ابن سينا في الفلسفة “حسبنا ما كُتب من شروح لمذاهب القدماء، فقد آن لنا أن نضع فلسفة خاصة بنا”.

أقوال ابن سينا عن الحياة

تقولون إن الحياةَ ورديةٌ وبها بساتين من الأزهار مُفتحة؛ ولكني لا أدري على أي أساسٍ قد حكمتم عليها؟! لربما للحظاتٍ سعيدةٍ قد عاشها أحد منكم، أو لأن الأمل قد أشرق في وجه أحدكم يومًا ما، فعلى أي حالٍ فلم يدوم الحزن ولم تنقطع الأفراح؛ فحال الدنيا من حال الإنسان؛ حيث إن كليهما متقلبو المزاج مثلما تتغير أحوال الأربعة فصول.

وفي سياق الحديث عن الحياة التي وصفها جبران خليل جبران في إحدى كتاباته فقال عنها: “هناك من يستوطن أعماقك، ومن يجعلك تشعر أن الحياة جميلة مهما قست”؛ فدعوني أُسطر لكم بعضًا من مؤلفات شيخ الطب ابن سينا عنها فيما يأتي:-

– بُلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم.

– الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء.

– المستعد للشيء تكفيه أضعف أسبابه.

أقوال ابن سينا الكفرية

لقد نُسب الكفر إلى ابن سينا من غالبية العلماء جراء بعض مؤلفاته، والتي اختلف الكثير منهم على فهمها، ولعل من أبرز الـ اقوال لابن سينا التي تندرج تحت الكفر ما يلي:-

– إن الله لا يعلم الجزئيات بعلم جزئي، بل بعلم كلي.

– إن الأجسام لا تحشر، وإن المثاب والمعاقب هي الروح.

رأي ابن تيمية في ابن سينا

لربما انصبت بعض الآراء في دائرة مهاجمة شيخ الإسلام لابن سينا، وذلك لاتباعه مذهب الفلاسفة الذين باتوا يسبون الصحابة رضوان الله عليهم، ولكنه تاب وانحرف عن مذهب هؤلاء في نهاية حياته، فكان ختامها مِسكًا بالفعل.

وفاة ابن سينا | شاعر وطبيب العصور الوسطى

لقد شهدت مدينة أصفهان على وفاة الشيخ الرئيس ابن سينا، والذي مكث فيها تحت رعايةٍ كبيرةٍ من أميرها علاء الدين، ولكن بات للمرض رأيٌ آخرٌ حيث تمكّن منه فكان يمرض أسبوعًا ويشفى أسبوعًا، وأصبح لا جدوى من تعاطيه الأدوية العلاجية، لذا فأهمل في صحته وقال: “إن المدبر الذي في بدني عجز عن تدبيره، فلا تنفعنّ المعالجة”.

وبات ابن سينا عديدَ المواهب طيلة حياته حتى ذهب إلى الرفيق الأعلى في يونيو عام 1037 م عن عمر يناهز 58، فلقد مات أبو الطب الحديث تاركًا خلفه ثروة أدبية علمية في سائر المجالات! ثروة لا تُنسى مهما مرّ عليها الزمان! كما هو حال كتب احمد خالد توفيق المميزة والمنسوبة إلى الطبيب والأديب المصري الذي برع في أدب الرعبِ والخيالِ.