الخنساء | أم الشهداء والشاعرة التي غلبت الرجال

الخنساء

((هيه يا خناس)) – أي زيدينا -، هكذا كان يقول لها النبي عليه الصلاة والسلام عندما يستنشدها ويعجبه شِعرها فيا لجمال حظها! إنها الصحابية المخضرمة وشاعرة عصرها ((التي غلبت الرجال)) كما يقول بشار بن برد، إنها الخنساء التي جمعت بين قوة الإحساس وقوة الشخصية، اتصفت بالحزم رغم رقتها والشجاعة رغم عاطفتها والفروسية رغم أنوثتها والفخر رغم الحزن الذي كسى أبياتها، إنها الخنساء بنت الأشراف وأخت الفرسان وأم الشهداء وملهمة الشعراء.

ما هو نسب الخنساء ؟

الخنساء هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، والدها هو عمرو بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن سليم بن منصور بن عكرمة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وكان آل الشريد من أشراف العرب وسادتها كما كانوا من أشراف وسادة بني سليم الذين اعتز النبي صلى الله عليه وسلم بالانتساب إليهم فقال ((أنا ابن الفواطم من قريش، والعواتك من سليم، وفي سليم شرفٌ كثير)).

ويُذكر أن والد تماضر كان أحد المشاركين في وفود العرب على كسرى وكان يرفع يدي ابنيه صخر ومعاوية ويهتف على رءوس الحاضرين قائلاً ((أنا أبو خيري مضر فمَن أنكر فليغير)) وأيضاً ((مَن أتى بمثلهما أخوين من قبل فله حكمه))، وكانت العرب تقر له بذلك ولا ينكر عليه أحد.

مولد الخنساء ونشأتها :

ولدت تماضر في منطقة الحجاز بمدينة نجد عام 575 م أي قبل بعثة الرسول بنحو خمسة وثلاثين عاماً ولذا فهي من اشهر شعراء العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام، عرفت بالخنساء أكثر من اسمها وقد أطلق عليها هذا اللقب تشبيهاً بالظباء نظراً لضآلة حجم أنفها وقصر امتداده وارتفاع أرنبتيه، فكلمة الخنساء مأخوذة من الخَنَس وهي صفة تطلق على الظبي – أو البقرة الوحشية – إشارةً إلى الجمال إذ كانت عادة العرب مدح الأنثى بهذه الصفات، وقد صار هذا الوصف فيما بعد اسماً يطلقه أهل الجزيرة العربية على فتياتهم.

ترعرعت الخنساء في بيت عز وجاهٍ وشرف مع أخويها صخر ومعاوية، وكانت الابنة الوحيدة في أسرتها فحظيت بالرعاية والدلال ونشأت على حرية الرأي وقوة الشخصية والاستقلال وحيزت لها كل أسباب الطمأنينة من مكانةٍ مرموقة وثراءٍ وجمال فلم يكن لديها ما يقض مضجعها في مقتبل العمر لذا رفضت الزواج في مستهل الشباب.

زواج الخنساء :

تقدم دريد بن الصمة لخطبة تماضر لكنها رفضت الزواج من غير بني عمومتها رغم أن دريداً كان سيداً في قبيلة بني جشم وكان فارساً لا يشق له غبار فضلاً عن أنه كان صديقاً لشقيقها معاوية، وقد حاول معاوية أن يثنيها عن قرارها لكنها أصرت على موقفها وقالت ((أتراني تاركةً بني عمي مثل عود الرماح وناكحة شيخ بني جشم!))، وكان والد الخنسـاء يعرف رجاحة عقلها ويقدر اتزان فكرها فما كان منه إلا أن احترم رغبتها ومنحها حق الاختيار الذي لم يكن يمنح وقتذاك للكثيرات.

1) زواجها من رواحة بن عبد العزيز السلمي :

تزوجت خنساء من رواحة بن عبد العزيز السلمي – وقيل اسمه عبد العزى السلمي أو رواحة بن عبد العزى السلمي -، وكان رجلاً مقامراً استغل حبها له وتشبثها به أسوأ استغلال وأتلف مالها ومال أخيها، لكنها ظلت إلى جواره وبذلت كل ما تستطيع في سبيل الحفاظ على استقرار حياتها ولم تيأس في العثور على حل لهذا الوضع حتى أنها لم تعبر في أشعارها عن المعاناة التي عايشتها في هذه التجربة، إما أملاً في تحسن أحوال زوجها أو خوفاً من إثارة غضبه أو خشية شماتة الآخرين خاصةً خطابها الذين سبق لها رفضهم.

وقد أنجبت تماضر من رواحة ابناً واحداً هو عبد الله المعروف بأبي شجرة، ونظراً للحياة المتذبذبة والحيرة التي عاناها عبد الله بين أمه وأبيه خرج ضعيف الشخصية تحركه الأهواء والمكاسب الشخصية، لهذا استغله أعداء الدين ودفعوا له الأموال لقاء الانضمام إليهم فارتد بعد إسلامه مع مَن ارتدوا عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

شعر الخنساء

شعر الخنساء

2) زواجها من مرداس بن أبي عامر السلمي :

لم تجد الخنسـاء بداً من الانفصال عن رواحة فعادت إلى بيت أبيها ومكثت به حتى تقدم لخطبتها أحد أبناء عمومتها وهو مرداس بن أبي عامر السلمي الذي لقب بالفيض لسخائه إذ كان كـ حاتم الطائي في كرمه وجوده وعطائه فعوضها الله به ورزقها منه أربعة أبناء هم معاوية ويزيد وعمرو وعمرة، لكن الفقد ظل يطارد الخنساء ففجعت برحيل زوجها مرداس الذي عاشت معه شطراً جميلاً من حياتها حيث كان في رأيها من أفضل الناس وأكثرهم شجاعةً ومروءةً وحلماً.

قصة الخنساء مع صخر ومعاوية :

كانت الخنساء الأخت المدللة لأخويها إذ كانا يغدقانها بالرعاية والحنان لذا كانت مصيبة فقدهما عظيمة لا سيما أخيها صخر الذي جسد لها معنى الوفاء والسند والسخاء فاستحق أن ترثيه عمراً بأكمله، وقد قتل أخوها معاوية على يد دريد وهاشم فحرضت صخراً على الثأر لأخيه، وفي خضم حروب الثأر هذه لقي صخر حتفه هو الآخر ولحق بأخيه، فشعرت الخنسـاء أن ظهرها قد قصم وتعرى وبلغ منها الحزن مبلغه.

وفي قصة الخنساء مع صخر يذكر أن الخنساء قد تزوجت من رجل ذا خلقٍ سيء استغل مالها في اللهو والمقامرة حتى أتلفه كله، لكن الخنساء رقت لحاله وطلبت من أخيها صخر أن يساعد زوجها ببعض المال ففعل، لكن السفيه أتلفه مرة أخرى فعادت تطلب مساعدة أخيها فأعطاها المال فأتلفه، وهكذا حتى طلبت الخنساء من أخيها أن يتوقف عن مساعدته لكنه أبى ووهبها نصف ماله! نعم ((تبكي خناسٌ على صخر وحق لها ** إذ رابها الدهر إن الدهر ضرار)).

إسلام تماضر السلمية :

وفدت الخنساء على الرسول صلى الله عليه وسلم برفقة قومها ليعلنوا إسلامهم وكان ذلك في العام الثامن من الهجرة النبوية وعمرها آنذاك لا يقل عن الخمسين أي في بداية شيخوختها، وقد حسن إسلام الخنساء حتى أنها خرجت إلى معركة القادسية برفقة أبنائها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأوصتهم بالثبات وعدم الفرار قائلة ((إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين..)).

تقبل أبناؤها النصح وعملوا بوصيتها ومضوا للقتال عاقدين عزمهم على النصر أو الشهادة فقاتلوا ببسالة ونالوا شرف الشهادة رضي الله عنهم أجمعين، وتلقت أم عمرو الخبر بالصبر والاحتساب وقالت ((الحمد لله الذي شرفني بقتلهم)) ثم دعت الله أن يجمعها بهم في جنات النعيم، وتجدر الإشارة إلى أنه لم يُعثر على شعر الخنساء في رثاء أبنائها في أي من كتب الأدب والدواوين.

لقد صارت قصة الخنساء وموت أولادها من القصص المؤثرة التي نستقي منها العبر مثل قصة آل ياسر وغيرها، لنعرف أن الإنسان يستقي قوته من إيمانه فمتى ما كان إيمانه قوياً صار أكثر قدرة على مواجهة المحن والخطوب والنوازل والابتلاءات، فالخنساء التي لم تتحمل صدمة فراق أخيها وقابلتها بالندب والنواح نجدها تقابل خبر استشهاد فلذات كبدها بالرضا والتسليم.

ما هي خصائص شعر الخنساء ؟

اتسم شعر الخنساء ببعض الخصائص ومنها كثرة التفجع والحزن والبكاء والندب والنشيج، بالإضافة إلى المدح وسمة التكرار التي نتجت عن ثباتها على وتيرة واحدة في الرثاء، كما اتسمت أشعارها بصدق العاطفة والوفاء، وعندما اعتنقت الخنساء الإسلام تغيرت بعض خصائص شعرها إذ لم تعد أشعارها كـ الشعر الجاهلي الذي كانت تنظمه سابقاً فصارت عاطفتها محلاة بالصبر وأقلعت عن الندب المحرم.

علاوةً على ذلك تأثرت ألفاظها بلغة القرآن الكريم واستعارت منها بعض المفردات كقولها ((فخر الشوامخ من قتله ** وزلزلت الأرض زلزالها))، كما أضحى شعر الخنسـاء يتجه إلى الحث على الجهاد والدفاع عن الإسلام والخوف من المصير في الآخرة.

من هي الخنساء ولماذا سميت بهذا الاسم ؟

يتساءل البعض من هي الخنساء ولماذا سميت بهذا الاسم والإجابة هي أنها تماضر بنت عمرو بن الحارث السلمية، وسميت بالخنساء لقصر امتداد أنفها وارتفاع أرنبتيه فجاء هذا الاسم كنايةً عن الظباء التي تتصف بالخنس - أي ارتفاع الأرنبة - وهو من سمات الجمال لدى العرب.

بماذا اشتهرت الخنساء ؟

يتساءل البعض بماذا اشتهرت الخنساء والإجابة هي أنها اشتهرت بشعر الرثاء الذي كانت تنظمه رثاءً لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في أيام الجاهلية فما فتأت تبكيهما في أشعارها التي غلب عليها طابع الأسى والتوجع.

متى كانت وفاة الخنساء ؟

كانت وفاة الخنساء في العام الهجري الرابع والعشرين تحت سماء مدينة نجد وعمرها آنذاك يناهز الحادية والسبعين بعد أن قدمت للإسلام أربعةً من أبنائها وخلفت إرثاً أدبياً لا يستهان به.

ما قصة الخنساء والرسول ؟

ذكر في قصة الخنساء والرسول أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب شعر الخنساء ويطلب منها إنشاد شعرها وعندما تنشده يومئ لها بيده قائلاً ((هيه يا خناس)) كي تزيده من الشعر.

مواضيع ذات صلة

آخر من مات من الصحابةآخر من مات من الصحابة | أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني

أم حبيبةأم حبيبة | أم المؤمنين التقية الصابرة المجاهدة الأبية