السبع الموبقات وتوعُد فاعلها بالهلاك

السبع الموبقات

كلما عصى الإنسان ربه وابتعد القلب عن طريقه شعر بأنه غارق في غيابة الظلام، فتضيق عليه دنياه، ويسير متخبطًا في هذه الحياة، ولكن المعاصي درجات فمنها ما هو من الكبائر كـ السبع الموبقات ومنها ما هو من الصغائر، وعلى كل حال فالذنوب كبيرها وصغيرها على الإنسان الابتعاد عنها، فعليه ألا ينظر إلى صغر الذنب ولكن عليه النظر إلى عظمة من عصى، ولله در من قال:

“خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى**واصنع كماش فوق أرَض الشوك يحذر ما يرى** لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى”.

مفهوم الموبقات | لغة واصطلاحا

تشير كلمة الموبقات إلى الكبائر من الذنوب التي تهوي بفاعلها في الهلكة في حياته وآخرته، كما تعرف باسم المهلكات لكونها تتسبب في هلاك من يفعلها سواء في الدنيا عن طريق العقوبة وإقامة الحدود، وفي الآخرة عن طريق التعذيب بنار تلظى أعدها الله لمن عصى أوامره في الدنيا.

حديث السبع الموبقات ومدى صحته

لقد أرسل الله جل في علاه محمد رسول الله بالدين الإسلامي، وشرع فيه من الأحكام ما يجب على كل مسلم أن لا يتعداها، وذلك لا لتحميل الناس فوق طاقتهم وإنما من أجل أن يعم الخير وتستقر حياتهم.

ولقد حرم الله تعالى على عباده عددًا من الذنوب منها ما هو صغير ومنها ما هو كبير، إلا أن هناك عددًا من الكبائر تعرف باسم الموبقات التي تُهلك من يفعلها، حيث توعد الله فاعلها بنار لواحة للبشر، ولما كان نبينا محمد يدلنا على الخير وينهانا عن كل ما فيه هلاك لنا فما كان له أن ينسى تذكيرنا بها، وتحذيرنا منها في حديث نبوي شريف.

فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)).

ويعد هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة بل في أعلى درجات الصحة، حيث ورد في صحيح مسلم و البخاري وكذلك سنن أبي داوود والنسائي.

حديث السبع الموبقات

حديث السبع الموبقات

شرح حديث السبع الموبقات

السبع الموبقات هي الكبائر السبع التي ورد ذكرها في الحديث الذي ذكرناه آنفا، وفيما يلي شرح مفصل لـ السبع الموبقات التي عددها محمد رسول الله في حديث موجه للأمة الإسلامية:

أولًا: الإشراك بالله

الإشراك بالله هو أن تجعل مع الله ندًا، أو تشرك غيره معه في العبادة كعبادة الأصنام أو اتخاذ من البشر شريكًا له، ويعد الإشراك بالله أول السبع الموبقات التي حذرنا منها رسول الله.

ويعد الإشراك بالله أعظم الكبائر التي توعد رب البرية من يفعلها بنار يُخلد فيها، حيث قال تعالى: “إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ”.

وهو من الكبائر التي لن يغفرها الله أبدًا إذا مات الإنسان عليها، حيث يقول الله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا).

ومع أن الشرك بالله من الأمور العظيمة التي يَسلم منها كل مسلم إلا أنه يوشك أن يقع فيما يعرف بالشرك الأصغر مثل الاعتقاد في تمائم الحظ والتطير وغيرهما، لذلك يجب على الإنسان أن يعبد الله وحده ويؤمن به وبأقداره.

ثانيًا: السحر

السحر من السبع الموبقات التي تُهلك فاعلها، والسحر هو ذاك الفعل الذي يحوي أحداثًا خادعة للإنسان بهدف إلحاق الضرر به أو إيقاع الفتنة بينه وبين غيره، والسحر من الأشياء التي اختصت بها الشياطين، لذلك فقد يؤدي السحر إلى ما هو أكبر وهو الإشراك بالله.

ويقول الله تعالى بشأن السحر في سورة البقرة: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ).

ثالثًا: قتل النفس دون حق

القتل من الموبقات السبع التي حذرنا الله ونبيه منها، والقتل دون حق هو توجه الإنسان إلى غيره من البشر وقتله دون أن يفعل له أي شيء، ومن يرتكب هذا الفعل القبيح فقد توعده ربه بالقصاص في الدنيا في قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

أما في الآخرة فإن قاتل النفس بغير حق فهو في نار جهنم خالدًا فيها وذلك لما جاء في قوله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).

ولقد بَين الله تعالى بشاعة القتل في قوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).

رابعًا: أكل الربا

الربا من الأمور التي حرمها الله تعالى بنص صريح في القرآن والسنة النبوية، وهي من السبع الموبقات التي أمر رسول الله بالابتعاد عنها، ويُذكر أن الربا نوعان الأول هو “ربا النسيئة” وتعني فرض المُقرض على المقترض مبلغًا من المال يضاف إلى قيمة المال الأصلي عند تأخره عن سداد الدين في الموعد المتفق عليه.

أما النوع الثاني فهو “ربا الفضل” أي الزيادة عن أحد البدلين، وتعني أن يبيع أحد الطرفين للطرف الآخر كيلو من الشعير مقابل 2 كيلو من القمح مثلا.

وأكل الربا من الأمور الموجبة لغضب الله على الإنسان وهلاكه في الدنيا والآخرة، حيث قال تعالى في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ).

خامسًا: أكل مال اليتيم بالباطل

ما أنزل الله حكمًا إلا وكان فيه صلاح للإنسان، وحفظ لنفسه، ولما كان اليتيم _من فقد أباه في سن صغير_ لا يتمكن من حفظ ماله وإدارة شئونه أوكل الله لوليه كفالته، والاهتمام به وبماله.

وأمر الله تعالى هذا المعيل بإعطاء اليتيم ماله عند الكبر، وحذره من أكل أمواله بالباطل، حيث إن الاعتداء على مال اليتامى من الأمور التي تستوجب غضب الله وعقابه، وهو من السبع الموبقات التي أمرنا الرسول باجتنابها، حيث قال تعالى:

((وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا))

أما إن كان المُعيل فقيرًا فمن المتاح له أن يأكل من أموال اليتيم ولكن بالمعروف إلا أن الاستعفاف عن ماله أفضل وأكرم عند الله.

سادسًا: الفرار يوم الزحف

أمة الإسلام هي أمة سلام تدعو إلى إحلال السلام بين الناس، ولكن إذا فُرض عليها القتال فهي أهل له، حيث تهب على بكرة أبيها لتدافع عن نفسها وتجاهد في سبيل ربها، ولما كان الفرار يوم الزحف يوهن من عضد الأمة في أثناء الحرب فقد جعله الله من السبع الموبقات التي نهانا عنها رسولنا الكريم.

كما حذر الله في كتابه من الفر في أثناء المعركة حيث قال: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَروا زَحفًا فَلا تُوَلّوهُمُ الأَدبارَ* وَمَن يُوَلِّهِم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَو مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ فَقَد باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّـهِ وَمَأواهُ جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصيرُ).

سابعًا: قذف المحصنات الغافلات

يشير قذف المحصنات إلى رمي المرأة المؤمنة العفيفة بالفاحشة واتهامها بالوقوع في الزنا، أو الشهادة عليها بأنها فعلت هذه الجريمة المنكرة دون وجه حق.

ويعد قذف المحصنات من السبع الموبقات التي تجلب غضب الله عز وجل، وعذابه في الآخرة، بما في هذا الأمر من انتهاك للأعراض والتلاعب بسمعة النساء، ويقول الله تعالى في كتابه:

((إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))

 

الفرق بين الموبقات والكبائر

الفرق بين الموبقات والكبائر

ما هو الفرق بين السبع الموبقات والكبائر ؟

يقول تعالى في كتابه الكريم: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) وهذا يعني أن هناك كبائر وصغائر.

ولكن تدور الأسئلة حول الفرق بين السبع الموبقات وبين الكبائر،  والإجابة تكمن في أن السبع الموبقات قد حددها النبي محمد صلى الله عليه وذكرها في حديث شريف عرضناه آنفًا، أما الكبائر فتشتمل على السبع الموبقات بالإضافة إلى غيرها من الذنوب كالزنا وقتل الأولاد خشية الفقر، وشهادة الزور.

ونستشف من ذلك أن الكبائر مفهوم أوسع من السبع الموبقات، فهي تشملها بجانب عدد من الذنوب الأخرى، أي أن السبع الموبقات من الكبائر.

من يرتكب الموبقات ما بين الخلود في النار ومغفرة الرحمن

لا ريب أن ارتكاب واحدة من السبع الموبقات التي حذرنا منها النبي تؤدي إلى هلاك الإنسان في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يجلب لنفسه الضيق والدليل على ذلك قوله تعالى ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا”، وفي الآخرة يصليه ربه نارًا تلظى.

ولكن يبقى السؤال هل يغفر الله السبع الموبقات أم أن من يرتكبها يُخلد في النار؟ والإجابة تبرز في قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا)).

وهذه الآية تشير إلى أن الإنسان إذا تاب بعد ارتكاب أي من السبع الموبقات فإن الله يغفر له ما دام يعيش على الأرض، فالتوبة تجب ما قبلها، أما إذا مات المسلم بعد ارتكابها ولكنه لم يتب فإنه سيمكث في النار على قدر ذنبه، فمن المعلوم أن المسلم لن يُخلد في النار.

أما الشرك بالله فليس له مغفرة في الآخرة، وسيمكث من أشرك في النار إلى ما شاء الله تعالى، الحل فقط هو الإيمان بالله قبل الغرغرة فعن عبدالله بن عمر أن النبي قال: (إنَّ اللهَ يَقبَلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغَرْغِرْ).

ويقول الله تعالى بشأن من يمت على الكفر: ((ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)).

هل هناك ما يعرف باسم السبع المنجيات؟

تنتشر بين الناس عبارة “السبع المنجيات”، ويبحثون عن الفرق بين السبع الموبقات والسبع المنجيات بشكل مستمر، ولكن قبل أن نتعرف عن الفرق بينهما هل هناك ما يسمى بالسبع المنجيات من الأساس؟!

إن السبع المنجيات هي عبارة يرددها البعض ولكن ليس هناك حديث أقرها كما أقر السبع الموبقات، ولم يرد في شأنها نص قرآني، إلا أن هناك رواية عن كعب الأحبار جاء فيها: “إن في القرآن سبع آيات لا أبالي بشيء بعد قراءتهن، ولو خرّت السماء علي نجوت بإذن الله”، ويشار إلى هذه الآيات بأنها الآيات السبع المنجيات.

كما أن هناك عددًا من الأقاويل التي تشير إلى وجود عدد من السور تسمى السبع المنجيات وهي:

1) سورة الكهف.

2) سورة السجدة.

3) سورة يس.

4) سورة فصلت.

5) سورة الدخان.

6) سورة الواقعة.

7) سورة الحشر.

وبشكل عام فإننا مأمورون باتباعنا للسنة النبوية الصحيحة وبما جاء في القرآن الكريم، أما من لم يرد فيه نص صريح فلا يلزمنا في شيء.

ما السبع الموبقات؟

السبع الموبقات هي: ((الإشراك بالله، السحر، قتل النفس بدون حق، قذف المحصنات، أكل الربا، الفرار يوم المعركة، أكل مال اليتيم بالباطل)).

هل الزنا من السبع الموبقات ؟

يعد الزنا كبيرة من الكبائر التي حذرنا الله تعالى منها في قرآنه الكريم، إلا أنه لم يرد ذكره في حديث السبع الموبقات.

هل يغفر الله السبع الموبقات للإنسان؟

إذا تاب الإنسان وندم على ما فعله فإن الله يغفر كل ذنوبه ما لم يشرك بالله.

هل يخلد في النار من فعل السبع الموبقات؟

المسلم إذا فعل الموبقات ولم يتب قبل موته فإنه يعذب مقدار فعلته، أما الإشراك بالله فلن يغفره الله حيث يقول تعالى ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ)).

 

مواضيع ذات صلة

ماهي اركان الصلاة وواجباتهاما هي اركان الصلاة وواجباتها وشروطها وسننها؟

حمراء الأسدغزوة حمراء الأسد | حقائق وأهمية هذا الحدث التاريخي