غزوة السويق | تاريخ مشرق من البطولة والشهامة

إن السيرة النبوية كانت حافلة بالكثير من الأحداث والمواقف والمعارك التي وردت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويعد الجزء الحربي أحد أبرز أجزاء تلك السيرة النبوية العطرة، وكانت غزوة السويق من أوائل الغزوات التي شرع فيها المسلمون في العمل الحربي منذ هجرة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة سالكين طرقا عدة بُناء على المرحلة ومتطلباها.

وظهر ذلك جليا في صفحات التاريخ الإسلامي، وكان الغرض سواء من هذه الغزوة أو غيرها من الغزوات الأخرى  رد الظلم أو الثأر لشهداء المسلمين أو إرسال رسائل مضمونها ازدياد قوة المسلمين الحربية، وتعد غزوة السويق واحدة من أسهل الغزوات التي أتت أُكلها ولم يتكبد المسلمون فيها أي خسائر جسيمة.

غزوات الرسول

بعد أن هاجر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب، ومع بداية العهد الجديد، استهل النبي العدنان عليه السلام بناء الدولة الإسلامية وتأسيسها على أعمدة الإسلام وتحديد نقطة للانطلاق ونشر رسالته لشتى بقاع الأرض، وللقيام بذلك كان يستوجب على المسلمين خوض مجموعة من المعارك والغزوات للقضاء على القوة العظمي للمشركين وهم كفار قريش وغيرهم، خاصة أن كفار قريش استحوذوا على أموال المسلمين الذين هاجروا إلى مكة.

ولذلك كان الغرض من الكثير من الغزوات اقتصاديا، حيث يقول المولى -عز وجل- في كتابه العزيز (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، ومن بين الغزوات التي شارك فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم غزوة السويق.

مكان حدوث غزوة السويق

وقعت غزوة السويق في طليعة قناة بين جبل يطلق عليه لبيب يتواجد في منطقة العريض بالقرب من المدينة المنورة، ويعود التاريخ الذي كان شاهدا على حدوث هذه الغزوة إلى العام الثاني من الهجرة النبوية الشريفة، ومن الأحداث الطريفة في تلك الغزوة أن المشركين بما فيهم قائدهم أبو سفيان كانوا يحملون العديد من المتاع والسويق ومواد المؤونة، فما وجدوا حلا سوى ترك الكثير من هذا المتاع والسويق حتى يسهل عليهم الهروب من جيش المسلمين.

والسويق هو نوع من أنواع القمح والشعير التي يتم طحنها، وتؤكل مع الماء أو العسل أو السمن، و غزوة السويق سميت بهذا الاسم لأن المشركين قد ألقوا زادهم من السويق إسراعا للهروب، وعندما شد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الرحال مع جيش المسلمين لهذا المكان، لم يجدوا إلا السويق فأخذوه، والجدير بالذكر أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة المنورة في غزوة السويق أبا لبابة بن عامر، كما استخلفه أيضا في غزوة بدر وغزوة بني قينقاع.

غزوة السويق

ما هي أسباب غزوة السويق ؟

يقول المولى سبحانه وتعالى في كتابه العظيم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وذلك من أبرز الأسباب التي دفعت المسلمين إلى غزو المشركين الذين استحوذوا على أموال المهاجرين حين غادروا مكة.

و سبب غزوة السويق يرجع إلى محاولة أبي سفيان الهجوم على المدينة للانتقام من المسلمين الذين ألحقوا بكفار قريش هزيمة مريرة في غزوة بدر الكبرى ،وكان أبو سفيان قد نذر على نفسه ألا يضع على رأسه قطرة ماء من جنابة إلا بعد أن يغزو المسلمين أي لا يقترب من النساء وقيل ألا يتعطر.

أحداث غزوة السويق

خرج أبو سفيان مع مجموعة من كفار قريش وصل عددهم إلى 200 رجل، وذلك لأجل أن يفي بقسمه ويحقق النذر الذي أخذه على نفسه، فوصل إلى المدينة تحت ستائر الظلام، ونزل ضيفا عند يهود بني النضير الذين كانوا يستوطنون بالمدينة المنورة، وذهب إلى أحد رؤسائهم وهو (حيي بن أخطب) لكنه أبى أن يستقبله وخشي من أن يفتح له داره لأنه يدرك أن هذا الرجل لم يأت إلا بشر.

انصرف أبو سفيان وتوجه إلى (سلام بن مشكم) زعيم النضير وسيدهم ومالك خزينة أموالهم التي يقتصدونها وحليهم التي يعيرونها لقبائل مكة، فتحدثا الرجلان في شأن المسلمين فاستكشف أبو سفيان منه عن أخبار المسلمين وأحوالهم، وسرد له ما يحدث في المدنية المنورة وأنبأه بوضع المهاجرين والأنصار، خاصة أنه يهودي والمعروف أن اليهود لا عهد ولا أمان لهم.

ثم بعد ليلة خرج أبو سفيان في الليل وأرسل رهط من رجال قريش إلى شرق المدينة وقدموا إلى العريض وأشعلوا النيران في عدد من نخيلها، ورأوا رجلا من الأنصار وهو معبد بن عمرو وشخص آخر، فقتلوهما، ثم ولوا أدبارهم عائدين إلى مكة.

تكملة أحداث غزوة السويق

بعد دوي هذا الخبر ووصوله إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أبرم النية على الخروج إلى جماعة أبي سفيان ومواجتهم، فأخذ جيشا من المهاجرين والأنصار مكون من 200 مقاتل، فتوجه المصطفى صلى الله عليه وسلم في يوم الخامس من شهر ذي الحجة للقاء قريش، وعندما وصل خبر خروج الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أبي سفيان استولى الخوف والرعب على قلبه هو ومن معه، فاستعجلوا الهروب.

فقد اعتقد أبو سفيان أنه أوفى بقسمه وانتقم لهزيمة الكفار الساحقة يوم بدر بحرق النخيل وقتل الرجلين، وأنه بعملته هذه قد أبرم النذر الذي أخذه على نفسه، مما جعلهم يرمون مؤنهم من السويق تخفيفا للأحمال حتى لا يدركهم رجال المسلمين ويحاربونهم.

فلم يجد جيش المسلمين من يقاتلهم، فعاد المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد مرور خمسة أيام إلى المدنية، وسأله المسلمون هل تعد هذه غزوة؟ فأجابهم عليه الصلاة والسلام نعم هي كذلك.

لقد كثرت المعارك والمناوشات التي حدثت بين المسلمين والمشركين بعد غزوة بدر وقبل غزوة احد ،وغزوة السويق على صغرها وعدم وقوع حرب فيها أشعرت المشركين واليهود في كل مكان أن دولة المسلمين الحديثة لديها قوة لا يستهان بها، وأنها قادرة بإرادة المولى -عز وجل- وعزم رجالها وشجاعتهم على مواجهة أي عدوان مهما كان ونشر تعاليم الدين الحنيف في شتى بقاع الأرض.

نتائج غزوة السويق

حققت معركة السويق الكبرى عدد لا بأس به من الأهداف والنتائج سواء المادية أو المعنوية، ومن أبرز نتائج تلك الغزوة ما يلي:

1- هروب أبو سفيان وجماعته من المشركين خوفا من جيش المسلمين، ولم يتمكن المسلمون من الالتحاق بهم لأنهم قد ابتعدوا كثيرا، وبذلك ازدادت ثقة المسلمين بأنفسهم وبدأت تتعاظم قوتهم في المنطقة.

2- إلقاء المشركين لمؤنهم ومتاعهم ورائهم، حتي يصعب على المسلمين الالتحاق بهم، واستولى المسلمون على السويق والمؤنة التي وجدوها في الطريق.

3- مقتل رجلين من الأنصار، وحرق عدد ليس بالقليل من نخيل العريض، واستعداد المسلمين لغزوة تالية اقتصاصا من فعلة أبي سفيان ورجاله.