تأبط شرا | لقب الشاعر الصعلوك الذي أخذ بثأره

تأبط شرا

ماذا عن عصرٍ جميلٍ أشرقت فيه المعلقات والقصائد ذات الألفاظ المتينة والمعاني البديعة كالشمس الساطعة في أعالي السماء؟! زمن الشعراء الأجلاء الذين نطقوا الشعر بألسنةٍ فصيحةٍ مثل مَن تأبط شرا ؛ ثابت بن جابر الفهمي.

شعراء انتصرت ألقابهم على أسمائهم

لقد نُسيت أسماء الكثير من الشعراء وراجت ألقابهم وكأن الكنيات قد انتصرت في ملحمة اختيار الاسم الأفضل، ولم تقتصر تلك الألقاب على أدباء عصر بعينه؛ بل انبلجت في كافة العصور، فماذا عن شعراء العصر الجاهلي الأجلاء الذين نبغوا في الشعر أمثال زياد بن معاوية الذي اشتُهر بـ النابغة الذبياني وأيضًا تأبط شرا الذي لا زال الكثيرون يتساءلون عن هويته واسمه الحقيقي؟!

تأبط شرا | شاعر غلب عليه لقبه

لُقب بـ تأبط شرا ولكن اسمه الحقيقي ثابت بن جابر بن سفيان بن عدي … بن عدنان، شاعر فريد من نوعه من أبرز شعراء الجاهلية الصعاليك؛ الذين أثروا الشعر العربي بقصائدهم التي سارت على نهجٍ معينٍ ومتنٍ خاصٍ عند كتابتها، ولد تأبط شرا في مدينة الطائف السعودية بالقرن السادس، وكان مشهورًا بسرعته الفائقة التي تغلبت على سرعة الظباء والغزلان.

نسبه:

يعود نسب تأبط شرا إلى قبيلة عربية تُدعى فهم الفهمي؛ أبرز القبائل القيسية الشهيرة في جزيرة العرب، والتي انبلج منها فرسان ومناضلون وشعراء عظماء أمثال ثابت بن جابر شاعر الجاهلية الفصيح، الذي استهل حياته بالعيش في بادية الحجاز.

وكان ثابت أحد أشهر شعراء الصعاليك الذين عاشوا منعزلين عن قبائلهم في البادية، والذين أبدعوا في كتابة قصائدهم الشعرية، وتعد قصيدة “يا عيد ما لك من هم وإيراق” أجملهم؛ حيث أوردها عميد الأدب العربي طه حسين ضمن أفضل مائة قصيدة شعرية عربية.

لماذا سمي تأبط شرا بهذا الاسم؟

وراء كل اسم مستعار أو لقب ما حكاية تسببت في إعطائه الأولوية على الاسم الحقيقي، وهذا ما حدث بالفعل مع الشاعر الجليل ثابت بن جابر الاسم الحقيقي لتأبط شرا، فلقد تبعثرت الآراء بشأن تسميته بهذا اللقب إلى ثلاثة أقوال، سأستفيض بالحديث عن كل منهم في سطوري التالية:-

القول الأول

ظلّ تأبط شرا متنقلًا في الصحراء طيلة حياته وفي يوم ما وهو سائر فيها؛ وقعت عيناه على كبش كبير فهرول نحوه وحمله تحت إبطيه، وقام الكبش بالتبول عليه أثناء سيره وحينما اقترب ثابت من دياره فإذا بثقل ما قد شعر به تجاه هذا الكبش! فأسقطه أرضًا ولكنه تفاجأ بكونه غولًا وليس بكبشٍ!

وعندما سأله أهل قبيلته ما تأبطت شرًا يا ثابت؛ رد عليهم قائلًا: الغول، فقالوا له: لقد تأبطت شرًا، ومن هنا أُطلق عليه لقب تأبط شرا وعُرف به.

القول الثاني

قيل أن والدته أميمة قد أخبرته بأن إخوته دومًا ما يحضرون إليها شيئًا معهم كلما أتوها، فرد ثابت عليها: سآتي بشيء لك الليلة، وبالفعل قام ثابت بإحضار حقيبة ما إلى والدته وبداخلها عدد هائل من الأفاعي! وحينما أتى إليها قامت بفتح هذا الجراب فانبثقت منه الأفاعي التي ملأت الديار، فهرولت أمه مسرعةً خارج البيت، فسألتها النساء عما أحضره ثابت إليها؟ فأجابتهم: أفاعي، فأعادوا إليها السؤال: وكيف حملها؟ فأجابتهم: تأبطها؛ فقالت النساء: لقد تأبط شرا ولذلك لُقب بهذا الاسم.

القول الثالث

أما عن الرأي الثالث فقيل بأنه كان كلما خرج للغزو حمل سيفه تحت إبطه؛ فقالت والدته في إحدى المرات عن خروجه بهذا الشكل إنه تأبط شرًا، فاشتهر وقتئذ بهذا اللقب.

ثابت بن جابر

ثابت بن جابر

ملخص قصة تأبط شرا مع أبي كبير الهذلي

ربما سيكرر الزمن الأحداث مجددًا مع اختلاف الأدوار؛ فلقد حُكى أن والدة تأبط شرا قد تزوجت برجل ما يُدعى أبو كبير الهذلي، وكان حينئذ ثابت صغيرًا لم يبلغ الحلم وكان رافضًا لهذا العقد، وعندما علم أبو كبير بذلك قرر إنهاء زواجه هذا ولكن ما حدث أن والدة ثابت قد أرادت التخلص منه بدلًا من فقدان زواجها، وعزم أبو كبير على التخلص منه باصطحابه معه إلى الغزو علّه يُقتل فيه.

ولكن ما حدث في مسك الختام أن كليهما عادا ديارهما، وترك أبو كبير والدة تأبط خشيةً من ابنها الذي أظهر شجاعته أثناء القتال.

قصة تأبط شرا مع امرأة من فهم

لقد ذُكر في إحدى الحكايات أن تأبط شرا أحب امرأة من قبيلة فهم تُدعى الزرقاء، وكان يتردد على ديارها بعد وفاة زوجها الذي تركها مع ابنها الصغير الذي قارب سن الحلم، فلما رأى هذا الصغير أن رجلًا ما يتردد كثيرًا على أمه سألها مَن يكون هذا؟ فأجابته: صاحب أبيك، فقال لها: إذا رأيته عندك مجددًا سأقوم بقتله، فخشيت الزرقاء على تأبط شرا حتى أنها حذرته من شر ابنها.

غريبة هي الزرقاء التي تحب شخصًا أكثر من ولدها؛ بل وتتربص له سوءًا في سبيل العيش مع مَن أحبته! ربما لم يطرق الحب الحقيقي بابها يومًا ما؛ فإنه لو طرق الحب هذا الباب من قبل لما أحبت أحد أكثر من وليد أحشائها، فلقد قالت لثابت اقتله فإنني أحبك أكثر منه، وفكّر تأبط فيما سيفعله به وكيف سيتخلص منه، فجال في خاطره لو أن يأخذه معه إلى غزوة ما فيُقتل فيها ويموت!

اصطحب تأبط هذا الغلام معه إلى غزو الأزد؛ وبينما هم واقفون في مكان المعركة احتال عليه ثابت لكي يدخله القتال وحده، ولكن ما حدث أنه أبلى بلاءً حسنًا وقتل الذين أرادوه قتيلًا، وأراد تأبط الغدر بهذا الغلام النائم عندما كانا في درب العودة؛ إلا أن هذا الفتى كان يستيقظ على أقل صوت يصدر، وأُعجب تأبط بشجاعته وفطانته.

وأثناء سيرهما في طريق العودة إلى الديار ذهب الغلام إلى الغائط ولكن تأخر رجوعه، فذهب إليه تأبط شرا ليرى ما شأنه؛ فوجده مقتولًا وممسكًا برأس أفعى قد قتلها! فحزن عليه كثيرًا وقال الرثاء فيه بقصيدة عنوانها “ولقد سريتُ على الظَّلام بمغشم” والتي من أبياتها ما يلي:-

ولقد سريت على الظلام بمغشم   …  جلد من الفتيان غير مهبل

فإذا نظرت إلى أسرة وجهه  …  برقت كبرق العارض المتهلل

وإذا قذفت له الحصاة رأيته  …  ينزو لوقعتها طمور الأخيل

ديوان تأبط شرا

يعد تأبط شرا أحد أفضل الشعراء العرب الذين امتلكوا لغة عربية فصيحة؛ ولحن مميز؛ أسلوب رائع؛ حيث أدخل ألفاظًا قويةً في قصائده جعلت علماء اللغة ورواة الشعر شغوفين للغاية بقراءة أشعاره، وانصب اهتمام ثابت في دائرة الفخر والاعتزاز بنفسه؛ إذ عكست أشعاره طبيعة حياته، ولعل من أبرز أبيات شعر الصعاليك تأبط شرا ما يلي:-

أَلا هَل أَتى الحَسناءَ أَن حَليلَها     تأبط شَرّاً وَاِكتَنَيتُ أَبا وَهبِ

فَهَبهُ تَسَمّى اِسمي وَسَمّانِيَ اِسمَهُ   فَأَينَ لَهُ صَبري عَلى مُعظَمِ الخَطبِ

وَأَينَ لَهُ بَأسٌ كَبَأسي وَسَورَتي    وأَينَ لَهُ في كُلِّ فادِحَةٍ قَلبي

كيف مات تأبط شراً؟

قيل إنه خرج مع بعض رفقائه في نهاية أحد الاشهر الحرم قاصدين غزو بني صاهلة من هذيل، وعندما أتوا ديار رجل شيخ استشعر القلق منهم فحمل سيفه ووقف حارسًا لأهل بيته، فلما انقضى الليل وهم عاجزين عن الهجوم عليه خطوا إليه وأغروه ببقية الشهر الحرام وشكوا إليه الشغب؛ فاطمأن لهم ولكنهم قد ألحقوا الغدر به فقاموا بقتله هو وأصغر أبنائه.

لم يكتفِ ثابت بن جابر وأصحابه بإراقة دماء الشيخ وصغيره؛ بل مضوا إلى بيت آخر يستوطنه غلامٌ يُسمى “سفيان بن ساعدة” الذي لا يملك سوى سهم واحد، فانقض عليه تأبط شرا بدرعه؛ ولكن سرعان ما حضرت فطانة الفتى بأن رمى حجرًا على الدرع، فظن ثابت أن الغلام قد ألقى بسهمه أرضًا فرمى ثابت بدرعه، فقتله الصغير بسهمه! واندفع تأبط نحوه فقتله؛ ثم رجع إلى قومه وهو ينازع الموت فتركوه وانصرفوا.

ما هي أجمل أبيات شعر ثابت بن جابر؟

يمشي على الأين والحيات محتفيا ... نفسي فداؤك من سار على ساق.

مَن هي والدة تأبط شرا؟

هي أميمة الفهمية من بني القين بن فهم بن عمرو بن مضر.

ما أجمل قصائد شاعر الجاهلية ثابت بن جابر؟

قصيدة أبعد قتيل العوص؛ قصيدة أغرك مني؛ قصيدة ساري الغمام.

متى توفي تأبط شرا؟

توفي ثابت بن جابر الملقب بتأبط شرا في عام 530 م.

مواضيع ذات صلة

بديع-الزمان-الهمذانيصاحب المقامات بديع الزمان الهمذاني

النبي دانيالالنبي دانيال | نبوءاته ومعجزاته