للفلسفة الطبيعية رائدٌ يُعرف بـ جان جاك روسو

لقد انطفأت شمعة من شموع التنوير معلنةً الحداد على وفاة جان جاك روسو ؛ الفيلسوف العظيم الذي أنار للبشرية طريقها نحو الحرية والمساواة من خلال مؤلفاته العظيمة التي تُحاكي الاستقلالية والانعتاق.

جان جاك روسو | نبذة مختصرة عنه

لقد كان القرن الثامن عشر شاهدًا على ميلاد أحد أهم الأدباء والأسفار الفكرية التي تركت بصماتها الأدبية تحلق في سماء عصر التنوير والنهضة؛ جان جاك روسو الذي ولد في الثامن والعشرين من شهر يونيو عام 1712 م في إحدى المدن السويسرية جنيف، ولكنه فرنسي الأصل وقد نزحت أسرته إلى سويسرا من أجل الاستقرار في أكنافها.

باتت أفكار ونظريات جان جاك روسو في الدين والتعليم مثيرةً للجدال؛ حيث كان رافضًا وبشدة وجود العبودية والظلم والاستعباد، وظلّ ساعيًا راكضًا خلف تحقيق الحرية لكل الناس، فكيف سيكون غافلًا غير منادي بالتحري وهو مَن ذاق مرارة الأسر والعبودية عندما عمل نقاشًا؟! فهي مهنة شاقة ولكن هذا هو طريق الناجحين والأساطير لا بد من تخطيهم الأشواك لكي ينتصروا في مسك الختام!

وتحدث عن الحب فقال فيه: “صوت الحب عند المرأة .. أقوى من صوت الضمير” لقد نطق بها روسو ذات يومٍ وهو يرتشف فنجان قهوة المساء الذي اعتاد على تناوله، والذي بات له دورٌ مؤثرٌ في تلفظه بأجمل كلمات الغزل والهيام.

حياة جان جاك روسو | ونشأته

لم تكن حياة غالبية الأدباء في مطلعها ورديةً بل باتت تعيسةً للغاية؛ قاسيةً ومريرةً إلى درجةٍ لم يكن بالحسبان أنهم سيصبحون أساطيرًا محفورين في ذاكرة البشرية مهما مرّ عليهم الزمان، جان جاك روسو من جهة و باولو كويلو من صوبٍ آخرِ، واللذان كانت نشأتهما مرافقةً وسائرةً بمحاذاة صعوبات الحياة؛ إلا أنهما قد تغلبا عليها وكُللت بقية حياتهما بالنجاح.

رحلةٌ أدبيةٌ خاضها جان جاك روسو بين باريس مدينة السحر والجمال وجنيف عاصمة السلام والجواهر الثمينة في سبيل التفقه في الأدب والفلسفة، هذا الأديب الذي استهلت حياته بلحظات الشجن جراء فقد أمه بعد ولادته بتسعةِ أيامٍ فقط؛ وكأنه لو خُيّر بين العيش في البيئة الرحمية وخارجها لاختار السكن في رحم أمه طيلة عمره ليصبح مرافقًا لها دون أن تتركه وترحل لأي مكان!

لقد غُرست القراءة وحب المعرفة في جان جاك روسو منذ صغره؛ حيث كان أبوه مولعًا بهما، هذا الأب الذي تخلى عن ابنه عندما بلغ عشر سنوات ولم يجد مَن يتكفل به سوى عمه، وظلّ روسو يعاني من الحاجة وشظف العيش لذا عمل بالكثير من المهن؛ والتي أبرزها نقاشًا ومن ثم موسيقيًا ومعلمًا.

فأما عن عمله بالنقاشة فلقد كان يرى الذل والإهانة فيها مِن قبل النقاش (دي كوفان) الذي علّمه أصول الصنعة، وأما عن عمله بالموسيقى والتدريس فلقد أصبح ملمًا بالفنون الدرامية بعدما تلقى تعليمه في المدرسة الكاثوليكية، وذلك جراء التقائه بمَن مدت له يد العون وقامت بتوجيهه إلى الدراسة في تلك المدرسة؛ ألا وهي البارونة الكاثوليكية الفرنسية فرانسواز.

هل استمر عمل زعيم النزعة الطبيعية في الموسيقى؟

لقد شغلت الموسيقى في حياة جان جاك روسو مكانةً ساميةً حيث ألّف فيها كثيرًا إلا أن النجاح لم يكن في صفه، فلقد طمح في أن يصير ملحنًا وموسيقيًا وبالفعل قد تقدم بطلبٍ إلى الأكاديمية الفرنسية للعلوم للعمل بداخلها ولكن قوبل طلبه بالرفض، ولم ييأس روسو مطلقًا بل استمر في هيامه للموسيقى طيلة حياته.

ربما أن فرصةً ذهبيةً في انتظار روسو من أجل التألق والشهرة؛ فلقد أُعجب الملك لويس الخامس عشر بأعمال روسو الموسيقية وأبدى إعجابه بها، ومن هنا كانت نقطة انطلاق وشهرة روسو الذي تمكن من أن يصبح سكرتيرًا للسفير الفرنسي في البندقية.

العقد الاجتماعي جان جاك روسو

لقد انبثقت الكتب والأفكار الأدبية في عصر التنوير على نطاقٍ واسعٍ؛ حيث كان لهذه المؤلفات دورٌ حيٌّ في إيجاد شرعية جديدة تُحدد على أساسها تعهدات وحقوق الحاكم والمحكوم في أوروبا، فلقد سقطت الشرعية الدينية وسادت الفوضى نواحي أوروبا التي باتت وكأنها بلا هويةٍ حاكمةٍ؛ مما تكاتف المفكرون معًا لإيجاد ميثاق يمكن تطبيقه على بلدانهم.

تواترت الآراء والأقوال النابعة من أفواه أعظم الفلاسفة في الجلسة النقاشية التي جمعتهم؛ ولقد طُرحت العديد من الأفكار التي تنصب في النهوض بالشرعية بعد انهمارها، ولعل من أبرز هذه الأفكار هي (فكرة العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي) التي اقترحها جان جاك روسو وأيده بالرأي مفكرون تنويريون أمثال جون لوك وتوماس هوبز.

أراءٌ جريئةٌ وحقوقٌ إنسانيةٌ وعباراتٌ متينةٌ قد احتضنتها صفحات هذا الكتاب، الذي دعا إلى التحرر من الرق وعدم المساواة، كما طالب روسو فيه بحفظ حقوق كل إنسان وأن الشعب وحده هو صاحب السيادة وليس مستعبدًا كما كان، كما نادى بتحقيق النظام الجمهوري وليس الشرعية الملكية لإفساح المجال أمام الأكفاء للترشح الرئاسي، ولقد تحقق هذا النظام بالفعل بعد ثلاثين عامًا ويكأنه صار مصدر إلهام لحدوث الثورة الفرنسية وما خلفها من أحزاب سياسية.

ويمكن الاطلاع على ملخص كتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو pdfالشهير أو الفلسفة الطبيعية جان جاك روسو pdfمن خلال البحث عنهما في أي متصفح إلكتروني.

فلسفة جان جاك روسو

لن يكن التحدث عن الفلسفة والأدب ذا قيمةٍ ما لم تُذكر أجمل الـ اقوال لابن سينا ؛ أبو الطب الحديث؛ أرسطو الإسلام والفيلسوف البارع الذي تحدث عن التربية بشكل مستفيض، وأكد على ضرورة استغلال ميول الأطفال الجوفية وتطويرها من أجل النهوض بالتعليم، ولقد تبعه الكثير من الفلاسفة والمفكرين الذين تحدثوا عن التربية أبرزهم جان جاك روسو العظيم.

لم يكن روسو فيلسوفًا كغيره من الفلاسفة البارزين بل كان نجمًا مضيئًا وشخصيةً ساميةً في عصره، فلقد ظلّ مناديًا وداعمًا التحرر من العبودية طوال مسيرته، وكانت له أقوال مؤثرة مبنية على فلسفته الطبيعية في تربية الطفل، التي ظلّ ينظر إليها نظرةً عميقةً لكشف الستار عن خباياها، وكأنه أراد بذلك بناء أجيال واعية بدءًا من المهد وحتى الوصول إلى الرشد.

 آراء جان جاك روسو في تربية الطفل

– “أنه من الضروري تعليم الطفل كيفية العيش بطريقة صحيحة، وأن أحد الأمور الهامة في التعليم هو التعلم من خلال التجربة”.

– ولقد كان له رأي في تثقيف النساء في هذا السياق حيث قال: “إن تربيتهن وتعليمهن ليَحكمن بدلًا من أن يُحكمن”.

– “تربية الطفل على مبدأ الحرية، وهو مبدأ مستمد من الحالة الطبيعية الأولى”.

– “اشتمال التربية على فيض من الحب والعاطفة، وهذا يتناسب مع حالة الإنسان الطبيعية” وهذا أهم ما ذُكر في أسس التربية عند جان جاك روسو pdf الذي يمكن تحميله من أي متصفح.

اعترافات جان جاك روسو

لقد بات روسو حريصًا على تدوين لحظاته الجميلة التي عاشها وهو حامل راية الفلسفة في فضاء أوروبا بأفكاره الجليلة، ولقد وقع اختياره على مسمى الاعترافات ليحمل اسم كتابه الذي احتضن أجمل الكلمات بين أكنافه، والذي استمر ما يقارب الأربعة أعوام في تسطير لحظاته بداخل هذا المجلد الرائع.

وتحدث الكثير من مفكري الغرب عن ساقي الكوثر ورابع الخلفاء الراشدين علي بن ابي طالب ذي البلاغة والفصاحة؛ ولعل أبرز مَن تحدث فيه جان جاك روسو حيث قال: (ما وجدت في التاريخ من يستحق كلمة استاذ بمفهومها سوى رجل واحد هو علي بن ابي طالب).

“يولد الإنسان حراً ولكننا محاطون بالقيود في كل مكان” فكيف طالَب روسو بالحرية والاستقلال للجميع رغم ما كتبه عن المرأة في كتاب الاعترافات؟! فلقد نسب إليها أسوأ الأوصاف ونعتها بالغبية وأنها خُلقت لتأدية مهام الأمومة فقط لا غير! حقًا فالأحمق مَن يخطر على باله مثل هذه الكلمات أما مَن يتلفظ بها فهو من صفة الجهلاء، الذين ينتمون إلى السلالات التي تأكل دون أن تدري ماهية ما تتناوله!

فهذه هي سيمون دي بوفوار سيدة الأدب العالمي؛ التي وهبت حياتها في سبيل الأدب بل وفضّلته على سائر الحاجات، والتي وصلت إلى مكانةٍ مرموقةٍ في الأدب لم يصل إليها غالبية الرجال الأدباء، فالمرأة لم تُخلق للعبودية مطلقًا كما زعم الجهلاء؛ بل لها استقلالية وحقوق مثلها مثل الرجال.

وفاة جان جاك روسو | رائد عصر التنوير

لقد تقدّم العمر برائد عصر التنوير روسو؛ المفكر والفيلسوف والأديب؛ واشتدت به الآلام فتراجعت صحته جراء ما وصل إليه من الشيب، وتوجه إلى الريف طالبًا الراحة جراء سقمه الشديد، ولقد قُدمت له دعوة من أشد المعجبين الميركيز جيرارد لاستضافته في قصره وبالفعل وافق عليها، وكان يصطحبه دومًا في نزهات إلى الريف.

ولم يكن مرضه حاجزًا أمام إخراج علمه الغزير بل كان معلمًا لابن ميركيز يلقنه دروسًا في علم النباتات، وفي يوم ما قصد روسو حشد الأعشاب فإذا بضيقٍ في التنفس قد راوده فجأة! وعلى إثره سقط متوفيًا على الأرض الخصباء بعد دقائق من ارتشافه القهوة والحليب في عام 1778 م؛ لتُشاع الأخبار بأنه توفي منتحرًا أو مقتولًا ولكن بدون إثبات لصحة هذه الأحاديث.