حلف الفضول | أثنى عليه الرسول

ربما يكون هناك بصيص أمل وسط غياهب اليأس، وشعاع نور منبثق من شقوق الجهل، وأكبر دليل على ذلك ما حدث في الجاهلية منذ قرون عديدة، قبل أن يغرس الإسلام جذوره في أراضي العالم ويطرح الخير والعدل والسلام الدائم، والبرهان الذي نتحدث عنه اليوم هو حلف الفضول الذي شهد عليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث للعالمين نبيًا ورسولًا.

وكل ما يدور حول حلـف الفـضول من أسباب ونتائج وعبر ودروس سوف تجده بين سطور مقالنا الرائع.

ما هو حلف الفضول؟

هو أحد الأحلاف التي حدثت في الجاهلية قبل بعثة خاتم المرسلين عليه أفضل الصلوات والتسليم بـ 20 عامًا، وتم هذا الحلف بين عدد من عشائر قريش بعد حرب الفجار بأشهر معدودة، والهدف الأساسي منه هو نصرة المظلوم والدفاع عن الحق ومساندة الضعيف.

ويُعرف حلف الفضول بأنه أشرف أحلاف العرب وأكرمها، لذا فهو من أهم المواقف وأسعد الذكريات التي لم ينساها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن أكرمه الله سبحانه وتعالى  بالنبوة والرسالة، حيث قال: (لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به من حمر النعم، ولو دُعيت به في الإسلام لأجبت).

وذلك لما يتضمنه حلف الفضول من معاني سامية وقيم رفيعة تُداعب النفس البشرية الطاهرة باختلاف أجناسها وأديانها.

اين عقد حلف الفضول ؟

تم عقد حلف الفضول العظيم في بيت واحدًا من سادات قريش وصاحب مكانة عظيمة بينهم وهو عبد الله بن جدعان، وقد حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعمامه، وعلى رأسهم عمه الزبير بن عبد المطلب وهو من أوائل من طالبوا بعقد هذا الحلف للوقوف في وجه الظلم ونصرة الحق.

وتم إنشاء هذا الحلف في شهر من الأشهر الحُرم وهو ذو القعدة عام 591 ميلاديًا، وكان بعد انتهاء الحرب بين قيس عيلان وكنانة بفترة وجيزة لا تتجاوز الأربع أشهر والتي  تُسمى بحرب الفجار.

وقد شهدت جدران بيت عبد الله بن جدعان على حلـف الفضـول العظيم كما شهدت أركان مسجد الخيف على خطبة الوداع التي ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم.

سبب حلف الفضول

يرجع السبب الرئيسي وراء إنشاء حلف الفضول إلى أن رجلًا من آل زبيد جاء من اليمن إلى مكة بغرض التجارة، وقام ببيع بضاعته إلى العاص بن وائل ولكن الأخير لم يعطه حقه في ثمن البضاعة، فاستاء الرجل  من هذا الفعل  وطلب من أهل مكة أن يساندوه ويساعدوه على استرداد حقه.

ولكن ما حدث كان عكس المتوقع، فلم يقم أحد بالوقوف بجانبه، نظرًا لمكانة العاص بن وائل في مكة، فلم يجد المسكين حلًا سوى التوجه نحو الكعبة الشريفة والاستغاثة بمن هناك من أهل المروءة لمساندته في رد حقه.

فسمع عم الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير بن عبد المطلب استغاثة الرجل واستنكر ما حدث، وقال إنه لن يسمح بوجود الظلم في مكة حتى لو كان الظالم من أصحاب المكانة العالية كالعاص.

فاجتمع الزبير مع بعض عشائر قبيلة قريش ومنهم: بنو هاشم، بنو تيم، بنو زهرة في دار عبد الله بن جدعان الذي أحسن استقبالهم وقدم لهم الطعام حتى يأكلوا، وحينذاك اتفقوا جميعهم على أن يتكاتفوا ويتعاهدوا بالله على الوقوف في صفوف المظلومين ورد إليهم حقوقهم مهما كانت مكانة الظالم بينهم، وذلك للقضاء على الظلم في مكة، وبعدها اتجهوا نحو وائل بن العاص وأخذوا منه بضاعة الزبيدي وردوها إليه، ويمكنك أن تزيد حصيلة معلوماتك وتطلع على أحداث غزوة الخندق من خلال موقعنا المتميز.

سبب حلف الفضول

لماذا سمي حلف الفضول بهذا الاسم؟

هناك اختلافات حول تسمية حلف الفضول ، فهناك من يقول إن سبب التسمية يرجع إلى أنه مشابه لحلف تم عقده في قبيلة جرهم بعد أن نادى إليه 3 أشخاص يحملون اسم الفضل وهم: الفضل بن فضالة، الفضل بن الحارث، بالإضافة إلى الفضل بن وداعة، ويقال أيضا إن عشائر قريش اتحدوا وعقدوا العزم على أن يردوا الفضول على أهله.

القبائل التي شاركت في حلف الفضول

يعد حلف الفضول من أفضل الأحلاف التي حدثت في الجاهلية إن لم يكن أفضلهم، وذلك لما ترتب عليه من نصرة للمظلوم وعدالة في المجتمع، وتم التعاون بين مجموعة من أفخاذ قريش لعقد هذا الحلف وهم:

1 – بنو تيم بن مرة.

2 – بنو المطلب بن عبد مناف.

3 – بنو زهرة بن كلاب.

4 – بنو هاشم بن عبد مناف.

5 – بنو أسد بن عبد العزى.

ويُشار في بعض الروايات إلى أن هناك عشيرة من كنانة شاركت في حلـف الفـضول بجانب عشائر قريش المذكورة في السطور السابقة.

حلف الفضول وحرب الفجار

اقترن حرب الفجار بحلف الفضول لأن الحادثة الثانية تلت الحادثة الأولى بأربعة أشهر تقريبًا، وكان حرب الفجار بين كل من قريش وكنانة وبين قيس عيلان، والسبب الأساسي وراءها هو قيام فرد من كنانة يُسمى البراض بقتل 3 أشخاص من قبيلة قيس عيلان، وعندما وصل الخبر إلى عكاظ، ثار الطرفان واشتعل لهيب الحرب، وفي ذلك الوقت كان حرب بن أمية هو قائد قريش وكنانة.

وفي البداية كانت قيس عيلان هي المسيطرة على الحرب، ولكن سرعان ما تغير الوضع واسترجعت كنانة قوتها على قيس، ويذكرني هذا المشهد بغزوة احد التي انتهت بهزيمة المسلمين بعد أن تذوقوا حلاوة الانتصار، ثم اقترح بعض من قريش أن يتم الصلح من خلال حصد قتلى الفريقين، والقبيلة التي يزيد عدد قتلاها لها نصيب من دية الزائد.

وبالفعل اقتنعوا بالأمر وتم الصلح وهدأت نار الحرب الناشبة بين الطرفين، وتخلصوا من العداوة والشر، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حاضر في تلك الحرب ويُقال إنه قام بمساندة أعمامه من خلال تجهيز النبال لهم.

وسُميت الحرب بهذا الاسم لأنها وقعت في الأشهر الحُرم مما أدى إلى انتهاك حُرمتها.

العبر والفوائد النابعة من حلف الفضول

تضمن حلف الفضول دروس وعبر كثيرة تصُب في مصلحة المجتمع، ومنها:

1 – أن الظلم مرفوض بكل أحواله وأشكاله، ولا يوجد تفريق في ذلك بين الأغنياء وأصحاب المكانة الرفيعة وبين عامة الشعب.

2 – رد الحقوق إلى أصحابها والتعاون على نصرة المظلوم أمر مطلوب في جميع العقائد والأعراف.

3 – أن نور الخير موجود وسط عتمة الفساد فبرغم  شيوع الجهل والظلم في الجاهلية إلا أن الحق كان موجود أيضا.

4 – أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أعلن عن اعتزازه بالمشاركة في حلف الفضول لتطبيقه مبدأ العدل حتى قبل البعثة وبزوغ نور الإسلام، حيث إن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يدعم الحق ويساهم في نشر الخير ويحب الكلم الطيب ، فهو الصادق الأمين عليه أفضل الصلوات والتسليم.