دار الأرقم | المنارة الأولية للدعوة الإسلامية

دار الأرقم

مما لا ريب فيه أن دار الأرقم كانت لها أهمية جليلة في مستهل عصر الإسلام وحظيت بشهرة عظيمة في التاريخ الإسلامي، ومازالت مشاعر المسلمين جياشة تجاهها، فذاك الاسم كفيل أن يحيي فيهم ذكرى سرمدية لأفضل العصور في التاريخ ألا وهو عهد البعثة المحمدية، حيث كانت هذه الدار مأوى لرسول الله وأصحابه من أذى الكفار، ومنها بدأت الدعوة الإسلامية تنتشر رويدا رويدا.

لمحة بسيطة عن مالك أول مدرسة للدعوة الإسلامية

تعود الدار التي احتضنت الدعوة الإسلامية في فترتها السرية إلى أحد الصحابة الكرام وهو الارقم بن الارقم ، واسمه أبو عبد الله الأرقم بن أبي الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، وأمه هي أميمة بنت عبد الحارث، وفي بعض الروايات قيل إن اسمها هو تماضر بنت حذيم من بني سهم.

انتقل الارقم بن الارقم إلى الرفيق الأعلى في سنة 55 هجريا، وقد بلغ من العمر ثمانين عاما، وكان ذلك في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ومن ضمن وصايا الأرقم بن أبي الأرقم أن يُصلى عليه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما-، وتم دفنه في منطقة البقيع بمدينة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-.

شجاعة الأرقم بن أبي الأرقم

مَنَّ المولى -سبحانه وتعالى- على الأرقم بن أبي الأرقم بأن شرح صدره للإسلام وجعله من السابقين إليه، واستقبلت دار الأرقـم بكل حفاوة وترحاب النبي العدنان محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه الأجلاء في بداية عهد الإسلام، كان الأرقم بن الأرقم من بين الرجال الشداد الذي شاركوا مع سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في جُل غزواته مثل؛ غزوة بدر الكبرى، وأحد وخيبر، كما أتي في طليعة هؤلاء الصحابة الذين هاجروا إلى المدينة المنورة.

يا له من رجل ذاك الأرقم بن أبي الأرقم! الذي حمل على عاتقه مهمة ضخمة للغاية وهي استضافة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في داره، مع أنه من سلالة قبيلة بني مخزوم التي كان يترأسها أبو جهل ، ويُعرف عن أبي جهل أنه فرعون هذه الأمة وأشد أهل قريش على المسلمين وأكثرهم ظلما وطغيانا، فلو انجلى أمر الارقم بن الارقم فحتما كان سيكون مصيره القتل، رضي الله عن ذلك الصحابي الجليل ورضي عن جميع صحابة النبي الأمين.

الارقم بن الارقم

الارقم بن الارقم

جغرافية دار الأرقم بن أبي الأرقم

يتبادر إلى أذهان العديد من الناس الكثير من التساؤلات بشأن دار الأرقـم ومن أبرزها اين تقع دار الارقم ؟، بين سطور مقالنا سنتطرق للحديث عن موقع دار الأرقم بشيء من التفصيل، شُيدت هذه الدار المُباركة قبل صدر الإسلام، وكان يسكنها بنو الأرقم.

كانت تتواجد دار الأرقـم على قمة جبل الصفا بمكة المكرمة، يبعدها عن مسجد الله الحرام مسافة قدرها 130 مترا، ومع التوسعات والتجديدات التي حدثت للمسجد الحرام تم إدخالها ضمن النطاق الجغرافي الخاص به وباتت دار الأرقـم جزءا من الحرم.

الحكمة من انتقاء الرسول لدار الأرقـم

يعد اجتماع سيد الأنام محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه الذين مَنَّ الله عليهم بدخول الإسلام في دار الأرقـم لمدة طويلة من الزمان دون أن يُدرك أي أحد من الكفار مكانهم شيئا في مُنتهى الدهشة والعجب، ومن المظاهر السرية الخارقة في تلك الآونة، فمكة بلد صغير وجميع من فيها يعرفون بعضهم جيدا، فكيف تمكن المسلمون من أخذ الحيطة والحذر حتى لا يلمح أثرهم أحد من المُشركين طوال هذه المدة الزمنية الكبيرة؟، و متى كان الرسول يلتقي باصحابه في دار الأرقم ؟

كان سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- يجتمع بصورة منتظمة مع عدد ليس بالقليل من الرجال في دار الأرقم حيث وصل عددهم آنذاك إلى ستين رجلا، ولم يتعرضوا يوما لأي كَرَّة أو غارة واحدة من سادة قريش وزعمائها الأشرار وهم جالسي دار الأرقـم، كل ذلك يجعل التساؤلات تكثر وتُصيب الناس بالحيرة لماذا اختار الرسول دار الأرقم بن الأرقم ؟

السبب وراء اختيار دار الأرقم لعقد الاجتماعات بين المسلمين

يوجد العديد من الأسباب التي جعلت من دار الأرقـم بن أبي الأرقم اختيارا مثاليا من أجل أن يلتقي فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في بداية الدعوة الإسلامية، ولعل من أهمها ما يلي:

1- لم يكن الأرقم من هؤلاء الأشخاص الذين أعلنوا إسلامهم أمام أهل قريش بعد، لذلك لم يخضع للرقابة التي فرضها زعماء قريش على نبي آخر الزمان وأصحابه المعروفين بإسلامهم، فما كان يأتي في بال أحد أن تكون دار الأرقـم مُلتقى الرفاق الأخيار.

2- القبيلة التي يتبع لها الأرقم بن أبي الأرقم هي بنو مخزوم، وكان يُعرف عنها عداؤها الشديد مع قبيلة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي بنو هاشم، وجميع أهل مكة يعرفون أن آل مخزوم أكثر من يكرهون آل هاشم، فالمصطفى -عليه الصلاة والسلام- كان يعقد اجتماعاته في عُقر دار خَصْمه، وذلك ما استبعده زعماء مكة الأشرار.

3- الموقع الجغرافي المتميز لـ دار الأرقم ، حيث كانت هذه الدار في منأى عن أعين الكفار ولم تكن في قلب مكة، ولا يوجد أي شخص يسير بجوار الدار، كما كانت دار وحيدة غير مُحاطة بمنازل أخرى يمكن بواسطتها مراقبة دار الأرقـم.

4- الأرقم بن أبي الأرقم في ذلك الوقت كان لم يتخطى عمره الـ 16 عاما، وكان في نظر أهل مكة شابا صغيرا فلن تساورهم الشكوك بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجتمع بأصحابه في دار فتى في مُقتبل العمر، وكانوا يعتقدون أن ذلك الاجتماع يحدث في بيوت أحد الصحابة الكبار أمثال؛  ابو بكر الصديق أو عثمان بن عفان أو عبد الرحمن بن عوف.

وظائف دار الأرقم | في الدعوة والتربية

كان سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- في بادئ الأمر ينشر في الخفاء الرسالة التي وُكل بتبليغها ويدعو إلى عبادة الله الواحد القهار سرا، وذلك تفاديا لأذى وضربات الأعداء، وخوفا من تعطيل طريق الدعوة، حتى جاء أمين الوحي جبريل -عليه السلام- بقول الله تعالى (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، وكانت الخطوة الأولى في نشر الدعوة الإسلامية تكمن في اختيار مكان ملائم ليجتمع فيه النبي الأمين بمن اتبعه ليزرع في قلوبهم وعقولهم النبتة الصالحة لتعاليم الدين الإسلامي.

لقد وقع الاختيار على دار الأرقـم بن أبي الأرقم، وأقل ما يُقال عن تعريف دار الأرقم إنها المركز الأساسي والشرارة الأولى لانطلاق سير الدعوة، كما أنها أول مؤسسة تربوية عرفها الإسلام، حيث ربى فيها خير مُعلمي الأمة وأنجبها على الإطلاق سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أصحابه على التقوى والصلاح والهداية والفلاح، فكانوا أفضل من حمل مع النبي الأمين رسالة الإسلام إلى العالمين.

كانت دار الأرقـم شاهدة على إلقاء الحبيب سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لدروس دعوية وتربوية في آن واحد، فكانت وظائف دار الأرقم تتمثل في تعليم النبي الأمي لأصحابه أساسيات الدين الإسلامي وإرشاداته الكريمة، فكان يتلو عليهم ما يأتي به الوحي عليه من آيات الذكر الحكيم، ويفقههم في الدين، ويحيطهم بأدق التفاصيل التي تدور حول الدعوة، ليأخذوا حذرهم ويعدوا لها العدة.

تكملة وظائف دار الأرقم

كان يدور في دار الأرقم التعارف والتشاور بين النبي العدنان محمد رسول الله وأصحابه الكرام الذي كانوا تربة خصبة لغرس المعاني الإيمانية الحقيقية التي يستقون بها على الشدائد، وكانت دار الأرقـم شاهدة على تنشئة الرهط الأول من عظماء الصحابة والسابقين الأولين إلى اعتناق الإسلام على تعليمات القرآن الكريم، فكانوا بمثابة صور عملية لتلك التوجيهات الربانية.

جاد صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأسمى وأغلى ما يملكون من أجل إعلاء كلمة الدين، وكانوا أفضل مثال يُحتذي به في الصبر والجهاد والثبات أمام أصعب النكبات وأقوى الإغراءات وعدم التأثر بالشبهات، كل ذلك كان بفضل التربية التي أنشأهم عليها خير الأنام النبي العدنان سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-.

لم تكن دار الأرقم مجرد مكان يتم فيه تجميع المسلمين لكي يتلقوا العلم فحسب، بل كانت بؤرة القيادة ومدرسة للتجهيز والتأهيل لحمل لواء الدعوة الإسلامية وإعلائها في شتى الأماكن والبلدان، وقد قام المصطفى -عليه الصلاة والسلام- بتحديد مهام كل فرد من أصحابه بمنتهى الدقة والتنظيم الرشيد، فأدى كل منهم دوره على أكمل وجه.

اجتمع في دار الأرقـم كثيرين فمن أشهرهم ؟

أعظم من وطأت قدماه دار الأرقم هو سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، بجانب حفنة من الصحابة الأجلاء منهم على سبيل الذكر لا الحصر؛ أبي بكر الصديق، عثمان بن عفان، على بن أبي طالب، عمر بن الخطاب، حمزة بن عبد المطلب، سعد بن أبي وقاص، الزبير بن العوام، أبو عبيدة بن الجراح رضوان الله عليهم أجمعين.

كم بلغ عدد المسلمين الأوائل في دار الأرقم ؟

كانت هذه الدار المُباركة شاهدة على إسلام كبار الصحابة وأوائل من آمن بالنبي الكريم حتى وصل عددهم إلى 40 شخصا، من أبرزهم؛ عمار بن ياسر، صهيب الرومي، مصعب بن عمير رضي الله عنه جميعا.

من كان آخر المُلتحقين بالإسلام في دار الأرقـم؟

كان الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- آخر من اعتنق الدين الحنيف في دار الأرقم بن أبي الأرقم وآمن بالدعوة الإسلامية أثناء الآونة السرية لها، وحين ذلك أخذ المسلمون يجهرون بالدعوة إلى الله.

كم ظل النبي يدعو في دار الأرقـم ؟

أجمعت مصادر تاريخية عدة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ظل يدعو إلى عبادة الله سرا في دار الأرقم بن أبي الأرقم لمدة ثلاث سنوات، إلى أن نزل عليه الوحي الإلهي بالدعوة جهرا.

مواضيع ذات صلة

فتح مكةفتح مكة | اكتشف تاريخ وأهمية الحدث العظيم

دعاء الارقدعاء الارق لعلاج الخوف والقلق وعدم النوم