سعد بن أبي وقاص | أول رامٍ في سبيل الله

سعد بن أبي وقاص

(ارم سعد فداك أبي وأمي) هذه كانت مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص ، تلك الكلمات التي لم تخرج من فيه النبي إلا إليه، ويا له من شرف عظيم! فهيا بنا في رحلة عطرة يملؤها الفخر والعزة لنتعرف على هذا البطل المغوار، والفارس الذي لا يُشق له غبار، على من قال في حق نفسه “أنا ثلث الإسلام”.

من هو سعد بن أبي وقاص ؟

يعد سعد بن أبي وقاص من الأبطال الذين ارتبط اسمهم بدين الإسلام، فهو الفارس الشجاع والرامي الذي لم تخطئ سهامه يومًا، اسمه هو سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أما أمه فهي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس.

وقد وُلد سعد في مكة المكرمة في عام 23 قبل الهجرة، وترعرع وسط قريش، وعمل في صناعة السهام والقسي، وهذا ما جعله ضليعًا في الرماية بعد ذلك.

كما حرص على مخالطة سادة قريش وشبابها لينمو عقله، ولتتسع مداركه، كما كان شديد الحرص على التعامل مع حجاج بيت الله ليعرف منهم عادات وتقاليد البلاد الأخرى، وليأخذ الخبرة منهم، وكان لهذا الأمر أثرُ عظيم في شخصيته.

قرابة سعد بن أبي وقاص من نبي الإسلام

يعود نسب سعد بن ابي وقاص إلى قبيلة بني زهرة، وهي ذاتها التي نُسبت إليها “آمنة بنت وهب” أم النبي العدنان، لذا يعد سيدنا سعد خال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ولقد اعتز النبي به أيما اعتزاز.

وكان النبي يفتخر بقرابته لسعد، حتى أنه ورد عنه أنه كان في أحد الأيام جالسًا مع جماعة من أصحابه، فأقبل عليهم سعد بن أبي وقاص فإذ به يقول: “هذا خالي فليرني امرؤ خاله”.

 سعد بن أبي وقاص | الإسلام يراود فؤاده

عندما علم سعد بن أبي وقاص بخبر بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- راود الإسلام قلبه، وتغلغل إلى عقله، فلم يكد يمر وقت طويل حتى أسلم وجاهر بإسلامه، فكان من أوائل الذين أسلموا مع أبي بكر الصديق وزيد بن حارثة و عثمان بن عفان ، ولقد دخل في دين الله وهو في عمر 17، وقد ورد عن ابنته عائشة رواية مفادها أن رؤيا رآها في منامه هي من جعلته يسلم لله -عز وجل- حيث أشارت إلى أنه قال لها:

((رأيت في المنام قبل أن أسلم كأني في ظلمة لا أبصر شيئا إذ أضاء لي قمر فاتبعته، فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب وإلى أبي بكر وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى هاهنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أن  رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى الإسلام مستخفيًا، فلقيته في شعب أجياد وقد صلى العصر فأسلمت، فما تقدمني أحد إلا هم)).

ويُذكر أنه قال “أنا ثلث الإسلام”، وقد علل ذلك أنه كان من الثلاثة الذين أسلموا في بداية البعثة النبوية.

موقف أمه من إسلامه:

كانت أمه ممن أثرت الجاهلية فيها، فبمجرد أن علمت بإسلامه جن جنونها، وأقسمت عليه أن يترك دينه، ولكنه أبى، وأخبرها أنه لن يحيد عن دين الإسلام أبدًا، ولكنها أرادت أن توهن عزيمته فأخبرته أنها لن تأكل أو تشرب حتى تموت أو يترك دينه، ولكنه الدين حين يخالج القلب فلن يُمكن لإنسان أن يتركه، ولذا أبى سعد أن يرتد عن دينه وقال لها: (والله يا أمّاه لو كانت لك مائةُ نفسٍ، فخرجت نفساً نفساً، ما تركتُ ديني هذا لشيءٍ، فكُلي إن شئتِ أو لا تأكُلي).

ومن أجل قصة سعد بن ابي وقاص مع أمه، نزل القرآن الكريم يؤيد موقفه، ويثبت صحة فعله، حيث قال الله -عز وجل- في سورة العنكبوت: ((وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون)).

 

هجرة سعد بن أبي وقاص

هجرة سعد بن أبي وقاص

هجرة سعد إلى المدينة المنورة

عندما علم سعد بن أبي وقاص بأمر الهجرة، هم على الفور بالرحيل إلى يثرب -المدينة المنورة فيما بعد- فكان بذلك من أوائل المهاجرين، فوصل إليها قبل أن يهل محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنوره عليها، وقد نزل سعد مع أخيه “عتبة بن أبي وقاص” في منزل أخيهما.

سعد بن أبي وقاص | الشجاع الذي لا يخشى أحدًا

لقد كان سعد بن أبي وقاص فارسًا لا يهاب أحدًا حتى الموت ذاته، فكان من أبطال المسلمين الذين جاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا، كما كان بمثابة الدرع الذي يحمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الغزوات، وفيما يلي لمحات مضيئة من سيرة سعد بن ابي وقاص التي تبين شجاعته وقدرته على القتال في إطار بعض الغزوات والسرايا التي شارك فيها:

1) سرية لاستكشاف عير قريش:

عندما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستكشف عير قريش أمر سعد بن أبي وقاص أن يذهب في 20 رجلًا إلى منطقة “الخرار”، فامتثل سعد لأمر الرسول وذهب، وعندما رأى أبا سفيان والقافلة -وكانوا أكثر منهم عددًا- أبى إلا أن يصيبهم بسهامه، وبالفعل أطلق عدة أسهم فأصابت عددًا منهم، ومن أجل ذلك قيل عنه اول من رمي بسهم في سبيل الله .

2) غزوة بدر:

شهد ابن أبي وقاص غزوة بدر الكبرى وأبلى فيها بلاءً حسنًا، حيث أرسله الرسول-صلى الله عليه وسلم- مع علي بن أبي طالب والزبير بن العوام إلى بئر بدر -وذلك قبل أن يحدث قتال مع المشركين- لكي ينقلوا له أخبار قريش وعدد فرسانهم وجنودهم.

وفي أثناء المعركة أظهر قدرة على القتال منقطعة النظير حتى قال فيه ابن مسعود: (لقد رأيتُ سعدًا يقاتل يوم بدرٍ قتال الفارس في الرجال)، ويُذكر أنه أثخن في العدو وقتل منهم الكثير وقد أسرى بمفرده رجلين.

3) غزوة أحد:

تعد غزوة أحد من الغزوات التي لم يكتب الله فيها النصر للمسلمين، فكان هذا الأمر بمثابة مصيبة عظيمة ألمت بالصحابة -رضوان الله عليهم- ومع ذلك فقد أثبتت صدقهم، ومدى إيمانهم بربهم، وحبهم لنبيهم، وكان سعد بن أبي وقاص ممن ثَبُت يوم احد حيث وقف أمام النبي لحمايته وليستقبل الضربات بدلًا عنه.

وعلى الرغم من أن غزوة أحد انهزم فيها المسلمون، وشُجت رباعية النبي الكريم إلا أن ما حدث فيها كان فخرًا لسعد، وذلك لأنه في أثناء رميه للسهام -رمى 1000 سهم- سمع أعظم قول من النبي وهو: ” ارم سعد فداك ابي وامي ”  فيا له من شرف عظيم أن يكون النبي فداءً لأحد، فكانت بذلك من أجّل غزوات سعد بن أبي وقاص التي شارك فيها.

ويُذكر أنه هو الشخص الوحيد الذي تٌوج بوسام الفداء من حبيب الرحمن، حيث يقول علي بن أبي طالب: ((ما سمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُفَدِّي أحدًا بأبويْه”، أي: يقولُ له: فِداكَ أبي وأُمِّي، إلَّا لسعدٍ)).

4) معركة القادسية ومواجهة الفرس:

بعد أن تُوفي أبو بكر الصديق أمّر عمر بن الخطاب “أبا عبيد الثقفي” على جند العراق، إلا أنه استشهد في معركة الجسر، وبعد موته اتحد الفرس وجعلوا “يزدجر الثالث” قائدًا عليهم، وأدى هذا الأمر إلى نقض أهل الذمة لعهدهم مع المسلمين علاوة على أنهم طردوهم.

وهذا ما جعل ابن الخطاب يصمم على الهجوم على العراق بنفسه، حيث استخلف علي بن أبي طالب على مدينة رسول الله، وأعد العدة، إلا أن عبد الرحمن بن عوف رفض هذا الأمر، ونصح أمير المؤمنين بأن يتراجع عن قرار الحرب بذاته حتى لا تنكسر شوكة المسلمين إن هو تعرض للهزيمة.

ثم أشار عليه بالأسد في براثنه وهو سـعد، فوافق الفاروق، وأرسله إلى العراق، وبعث إليه رسالة يحرضه فيها على القتال في سبيل الله، ويحذره من الاغترار بكونه خال رسول الله.

فواجه سعد بجيشه -وكان قوامه فيما يقارب الـ 35 ألفًا- جيش الفرس، فهزمهم شر هزيمة، وشتت شملهم، وفر قائدهم هربًا، وعُرفت هذه المعركة باسم “القادسية”، وعلى الرغم من أن سعدًا كان على رأس الجيش إلا أنه لم يحارب بنفسه وذلك بسبب الجروح العظيمة _دمامل في جسده- التي منعته من القتال، وبهذا كان مرض سعد بن ابي وقاص هو من أجبره على تحريك جيشه دون أن يتحرك هو أو يركب فرسه.

صفات سعد بن أبي وقاص

صفات سعد بن أبي وقاص

ما هي صفات سعد بن أبي وقاص؟

اتصف ابن أبي وقـاص بصفات خٌلقية وخَلقية ميزته عن غيره، وهي كالتالي:

أولًا: الصفات الجسدية

اتسم سعد بقصر القامة، وعرف عنه كبر بطنه وخشونة أصابعه، أما شعره فكان طويلًا مجعدًا، وكان يمتلك أنفًا مخضبة، وكان من يعرفه يصفه بهذه الصفات.

ثانيًا: الصفات الخلقية

أخلاق سعد بن أبي وقاص جعلت منه رجلًا بحق، فكان من أحسن الناس خُلقًا، وتعلم من النبي العديد من الأخلاق الحميدة التي ظل محافظًا عليها إلى أن لقي ربه، ومن هذه الصفات:

1) البر بالأم: كان سعد بارًا بأمه، رءوفًا بها، وكان في خدمتها دائمًا، ومن شدة حبه لأمه وحسن تعامله معها ظنت أنه سيتراجع عن دينه إكرامًا لها إلا أن دينه كان أغلى.

2) التواضع والعطف: كان شديد التواضع، فلم يكن يتعامل بكبرياء سواء قبل الإسلام أو بعده مع أنه كان من أشراف قريش، وكان يعطف على المحتاجين وينفق في سبيل الله، وقد اتصف بشدة تواضعه مع جنوده.

3) الشجاعة والفروسية: كان شجاعًا لدرجة أنه لقب بالأسد، يقحم نفسه في المهالك ولا يبالي، لم يخشى في الله أحدًا، فهو الفارس الذي يدافع عن دين الله بنفسه، ثم إن سعدًا كان من أبطال الفتوحات الإسلامية.

4) العدل: كان يحكم بما أنزل الله تعالى في كتابه، ويخشى الظلم وانتهاك حرمات الله، لذا فهو أول من ابتعد عن الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية.

مناقب سعد بن أبي وقاص

كان لسعد العديد من المناقب التي تبين قيمته ومقداره، وفيما يلي فضائل سعد بن أبي وقاص بالتفصيل:

أحد العشرة المبشرين بالجنة ومن أهل الصلاح:

بُشر بالجنة من قِبل من لا ينطق عن الهوى (رسول الله)، فلقد أخبره النبي وهو حي يرزق أنه من أهل الجنان، كما شهد له النبي بالصلاح حيث أراد رسول الله أن يأتي رجل صالح ليحرسه فإذ بسعد هو ذاك الشخص، وكان ورعًا تقيًا، يذب عن دين الله.

مستجاب الدعوة:

يعد سعد من الصحابة الذين دعا لهم النبي بإجابة الدعاء حيث قال: “اللهم سدد سهمه وأجب دعوته” وبالفعل كانت دعوة سعد بن ابي وقاص تتحقق عيانًا بيانًا .

ممن نزل فيه آيات من الذكر الحكيم:

إذا وافق القرآن فعل شخص أو قوله فهذا شرف عظيم، ولقد نال ابن أبي وقاص هذا الشرف فلقد أنزل الله آيات من القرآن الحكيم توافق فعله مع أمه إذ إنه رفض الشرك ومع ذلك ظل محتفظًا بالبر بها.

روى عن النبي العديد من الأحاديث:

يعد سعـد أحد رواة الأحاديث النبوية، وله العديد من الأحاديث الصحيحة التي وردت في صحيح مسلم والبخاري وكذلك مسند أحمد، ومن أشهر الأحاديث التي رواها أنه قال: قال رسول الله: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

أسرة سعد بن أبي وقاص

تزوج  من 11 امرأة منهم ماوية بنت قيس، سلمى من بني تغلب، أم هلال بنت ربيع، سلمى بنت خصفة وغيرهن، وأنعم الله عليه بإنجاب البنين والبنات، فـ أبناء سعد بن أبي وقاص من الذكور عددهم 17 ولدًا، أما عدد الإناث فهو 18 بنتًا.

وفاة خال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

يقول الله تعالى في كتابه العزيز “وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد” فالموت حق على بني الإنسان؛ ولقد أدرك سعدًا في منطقة العقيق، فنُقل إلى مدينة النبي العدنان ليدفن بجوار أصحابه في البقيع، وكان ذلك في العام 55 للهجرة.

وقبل أن ينتقل سعد إلى الرفيق الأعلى أوصى بأن يُكفن في ثوب كان قد ارتداه يوم بدر، ولما ظهرت عليه علامات الموت ورأى ولده يبكي قال له: (لا تبكِ، فإنّ الله لا يُعذبني أبداً، وإنّي من أهل الجنة)، وإلى هنا تُنهي وفاة سعد بن أبي وقاص قصة بطلنا، -خال رسول الله ورفيقه- لتبدأ حكاية أخرى له في جنة عرضها السموات والأرض.

متى وُلد سعد ومتى مات؟

وُلد قبل الهجرة المحمدية بـ 23 عامًا، ومات في عام 55 هجريًا، وكان عمره 78 عامًا.

ما صلة القرابة بين سعد ورسول الله؟

كان سعد من قبيلة بني زهرة وهي ذاتها قبيلة أم النبي لذا يُعد من أخواله -صلى الله عليه وسلم-.

لماذا اعتزل سعد الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية؟

لأنه أراد أن ينأى بنفسه عن قتل إنسان مسلم، حتى لا يأتي يوم القيام بدم حرام.

لماذا كان سعد مستجاب الدعوة؟

لأن النبي دعاء الله تعالى بأن يجعل دعوات سعد مستجابة، ودعاء النبي لا يُخطئ أبدًا.

مواضيع ذات صلة

بابلو بيكاسو | مَن جسّد الأشياء في صورتها الواقعية

يزيد بن معاويةيزيد بن معاوية | الخليفة الأموي المتهم بقتل سبط الرسول