سورة الإسراء وما تحويه من معجزات وأسرار

سورة الإسراء

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب الكريم ففرق بين الشك واليقين، وأعجز فصحاء الأرض مجتمعين، وأخرس بكلماته بلغاء الأراضين، فلا يأتون بمثله ولو أوتوا جوامع كلمات لغات العالمين، ولا سيما سورة الإسراء التي بدأت آياتها بمعجزة خرقت نواميس الكون، وتوقف العقل أمامها عن التفكير، فلا يصدقها سوى من اطمأن قلبه بالإيمان وعرف أن للكون رب لا تعجزه الأشياء.

لمحة ساطعة حول سورة الإسراء

تعد سورة الإسراء من السور المميزة والمعروفة في القرآن الكريم، نظرًا لما تضمنته آياتها الأولى من ذكر حادثة “الإسراء والمعراج” تلك المعجزة التي أعجزت عقول البشر، واختلت أمامها موازين الكون.

و سورة الإسراء من السور المكية التي نزلت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة في العام الحادي عشر من البعثة النبوية، وكانت تسلية للنبي عما أصابه من حزن من جراء موت زوجه خديجة وعمه أبي طالب، عدا بعض الآيات فقد نزلت في المدينة النبوية.

تبلغ عدد آيات سورة الإسراء 111 آية، وتقع في الجزء الخامس عشر من القرآن، وتأتي في الترتيب 17 في المصحف الشريف، وقد أنزلها الله تعالى على نبيه بعد سورة “القصص”.

سميت هذه السورة بـ سورة الإسراء وذلك لأنها بدأت بالآيات التي ذكرت معجزة الإسراء والمعراج، كما أنها تسمى بسورة “بني إسرائيل” لأنها تحدثت عنهم باستفاضة، وقد ذكر ذلك الإمام البخاري في كتابه الخاص بتفسيرها.

أما عن فضلها، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود أنه قال عن (الإسراء، الكهف، مريم): “إنَّهنَّ من العتاق الأُوَل، وهنَّ من تلادي”، وهذا يبين فضل هذه السور نظرًا لما فيهن من قصص وأخبار عن الأمم السابقة.

سبب نزول سورة الإسراء

لم تذكر كتب التفسير سببًا عامًا لنزول سورة الاسراء والمعراج إلا أنه في إطار حديث العلماء عن معلومات عن سورة الاسراء تطرقوا إلى سبب نزول بعض الآيات بها، وهي كالتالي:

أولًا: “قل ادعوا الذين زعمتم من دونه……”

نزلت هذه الآية عندما أصاب الكفار القحط، حتى وصل بهم الحال إلى تناول الجيف، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو ربه لكي يخلصهم مما هم فيه، فنزلت هذه الآية الكريمة لتؤكد أن الله هو النافع والضار، وأن آلهتهم لا تملك لنفسها شيئًا فكيف تملك لهم نفعًا؟!

ثانيًا: “وما منعنا أن نرسل بالآيات إلّا أن كذّب بها الأولون”

أراد كفار قريش أن يعجزوا النبي فطلبوا منه معجزات حتى يؤكد لهم صدق رسالته، وأخبروه بأن الأنبياء السابقين منهم من سخر الله له الرياح، ومنهم من أحيي الموتى، لهذا إن أراد النبي أن يثبت رسالته عليه أن يجعل جبل الصفا ذهبًا.

فأخبر الرسول ربه بما قاله المشركون _ وهو أعلم _ فأخبره الله تعالى لو شاء ذلك فله ما أراد إلا أن الهلاك سيكون من نصيبهم إن هم كذبوا بعد ذلك، وإلا عليه أن يصبر عليهم فتُفتح لهم أبواب التوبة، فاختار النبي أن يستأنى بهم.

جولة إيمانية في رحاب سورة الإسراء

ما أجمل الحياة حين تكون في كنف الرحمن، ومعايشة كلمات القرآن! وما أفضل أن تُقضى الأوقات والأيام في معرفة أسرار وحكايات آيات الذكر الحكيم! لكي نستلهم منها العبر والمواعظ، ولعل سورة الإسراء من السور التي امتلأت بالأحداث والأسرار التي يجب أن نغوص فيها لكي نستخرج منها ما يفيدنا، وفيما يلي تفسير سورة الاسراء بشكل موضوعي:

تبدأ آيات سورة الإسراء بـ “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”، وكلمة “سبحان” ترمز إلى تنزيه الله عن كل نقص.

ثم تتحدث الآيات عن حادثة الإسراء والمعراج، وكيف أن الله تعالى قد أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم من مكة حتى وصل به إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى، وتُختم الآية الأولى بقوله “إنه هو السميع البصير” لكي يؤكد لنبيه أنه يعلم تكذيب الكفار له بشأن هذه الحادثة.

شرح سورة الإسراء

شرح سورة الإسراء

استكمال تفسير سورة الإسراء:

وفي قوله تعالى: ((وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً)) تتطرق الآيات إلى الحديث عن نبي الله موسى ونعم الله عليه المتمثلة في التوراة التي فيها الهدى والنور لقومه، وقد أخبرهم الله عز وجل بأن عليهم أن يشكروا ربهم كما كان يفعل نوح عليه السلام وذلك لأنهم ينتسبون له.

ثم تأتي الآيات لتخبرنا عن قضاء الله تعالى المحكم، حيث قَدر في علمه الأبدي أن بني إسرائيل ستعث في الأرض فسادًا ليس مرة واحدة وإنما مرتان، ولهذا سلط الله عز وجل عليهم من ينتقم منهم، ويسلب ملكهم، ويظهر ذلك في قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولً)

تابع تفسير سورة الإسراء :

وفي آية (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) تشير إلى رحمة الله تعالى ببني إسرائيل وأنه عز وجل قد لطف بهم، وأنعم عليهم بكثرة المال والولد.

ثم تأخذنا آية (﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)) إلى ما حل ببني إسرائيل من جراء ما فعلوه من عصيان الله تعالى، وإفسادهم للمرة الثانية في الأرض، وفيها تحذير لبني إسرائيل أن الإحسان يُقابل بالإحسان والإساءة ستعود عليهم.

ثم ينتقل الله تعالى إلى تهديد ووعيد لبني إسرائيل خاصة ولكل من حاد عن طريق الله عامة، حيث توعدهم بنار جهنم، وبعد ذلك تأخذنا آيات سورة الإسراء إلى التعرف على أساس الهداية وهو حبل الله المتين (القرآن الكريم)، فمن استعان به نجا ومن تركه هلك.

وتنتهي السورة بقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)،وفي هذه الآية يوجه الله الأمر لنبيه أن يحمده عز وجل على وحدانيته، ويؤكد رب البرية على أنه إله واحد ليس له ولد، وليس له شريك.

مقاصد سورة الإسراء

عند قراءة سورة الاسراء مكتوبة كاملة بالتشكيل سنتمكن من معرفة أهداف ومقاصد هذه السورة المباركة، وهي كما يلي:

1) إثبات قصة الإسراء والمعراج التي تعد من معجزات سورة الإسراء التي بينتها آياتها، والتأكيد على أن ما حدث كان حقيقًيا ولم يكن منامًا للنبي، بالإضافة إلى الحديث عن فضل المسجد الأقصى ومنزلته.

2) الحديث عن عدد من المواعظ، والاختبارات التي يتعرض لها الناس والتي تفرقهم إلى مؤمنين وكافرين.

3) توحيد الله عز وجل، وتنزيهه وتقديسه عن كل عيب، كما تحدثت السورة عن أحقية الله تعالى في العبادة، وأنه سبحانه هو رب الكون ليس له شريك.

4) التأكيد على قاعدة (الثواب والعقاب)، فالإنسان الذي يعمل خيرًا سيجازيه الله بالخير، والإنسان الذي يحيد عن الحق سيعاقبه الله، وأن الشخص يتحمل كل أفعاله وأقواله، وأن كل إنسان مجازٍ عن نفسه فقط.

5) تبيان أن الله تعالى لا يعذب عباده إلا بعد أن يقيم عليهم الحجة، حيث يرسل لهم الرسل والآيات التي تؤكد على ربوبيته، ثم يترك الاختيار للإنسان.

6) الإشارة إلى أن القرآن الكريم معجزة خالدة، وهي خاصة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء.

7) عند الاستماع إلى سورة الإسراء يوسف العيدروس الذي أمتعنا بصوته العذب الذي يعيننا على التدبر سنجد أن الله تعالى قد أشار إلى الهدف من نزول القرآن على دفعات وليس مرة واحدة، وهو أن الله تعالى لم يرد أن يشق على أمة الإسلام.

أسماء سورة الإسراء

قد ورد في الكتب الدينية أن سورة الإسراء لها عدد من الأسماء وهي:

ــ سورة الإسراء: هو الاسم الرئيسي لها، وتعرف في القرآن الكريم بهذا الاسم، وسميت به لأنها تبدأ بالحديث عن إسراء النبي.

ــ سورة بني إسرائيل: يذكر عدد كثير من العلماء أن سورة الإسراء تسمى بسورة “بني إسرائيل” وذلك لأن عدد كثير من آياتها تحدثت عنهم، وقد دلل هؤلاء العلماء على قولهم بحديث ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها حيث قالت: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَالزُّمَر).

ــ سورة سبحان: ذكر هذا الاسم في بصائر ذوي التمييز.

أبرز متشابهات سورة الاسراء

عند قراءة سورة الاسراء ورش عن نافع وكذلك سور القرآن الكريم، سيتبين لنا أن هناك متشابهات كثيرة بين سورة الإسراء وبعض سور القرآن الكريم، ونذكر بعض المتشابهات في طيات السطور التالية:

1) آية (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) وردت في سورة الإسراء وقد وردت في سورة الكهف بهذا الشكل (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا).

2) الآية التي تقول: (مَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) جاءت في سورة يونس بهذا الترتيب وهو (فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أنَا عَلَيْكُم بِوَكِيل).

3) آية (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) جاءت بنفس الكلمات في كل من سورة (الزمر، فاطر، الأنعام) وجاءت في سورة النجم “ألا تزر”.

متى نزلت سورة الإسراء على النبي صلى الله عليه وسلم؟

نزلت عليه في السنة الحادية عشرة من البعثة النبوية.

كم عدد آيات سورة الإسراء؟ وما هو ترتيبها في القرآن؟

عدد آيات سورة الإسراء هو 111 آية، وترتيبها هو 17 في القرآن الكريم.

لماذا سميت سورة الإسراء بهذا الاسم؟

سُميت بهذا الاسم لأنها بدأت بالحديث عن (معجزة الإسراء).

لماذا يطلق على سورة الإسراء سورة ((بني إسرائيل))؟

لأن العديد من آياتها تحدث عن بني إسرائيل وما فعلوه.

مواضيع ذات صلة

تمائمتمائم الجاهلية أوهام وخرافات شركية

دعاء للنومتعرف على دعاء للنوم لتحصيل 7 فوائد