شجرة الدر | جارية شاء القدر أن تصبح سلطانة مصر

شجرة الدر

لا يكف التاريخ عن إخبارنا أن الملك بيد الله يؤتيه مَن يشاء وينزعه ممن يشاء، فها هي شجرة الدر التي لم تكن أكثر من جارية في بلاط السلطان تصل إلى كرسي العرش دون سعي منها وتتسلم مقاليد الحكم وتصبح الآمرة الناهية في حقبة تاريخية لم تتعرف قط على المرأة في ثوب السلطنة ناهيك عن أن تكون هذه المرأة جارية في الأصل، وبعد الوصول إلى أعلى درجات المجد والترفل في النعيم والتلذذ بسماع هتافات الخطباء على المنابر ((واحفظ اللهم الجهة الصالحة ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين..)) تفاجأ بالمصير الأليم!

ما هي قصه شجره الدر هذه ولماذا سميت بهذا الاسم وكيف عرجت إلى سماء السلطة وما الحال الذي آلت إليه؟ هذا وأكثر ما سنعرفه في طيات السطور القادمة.

من هي شجرة الدر ؟

اسم شجرة الدر هو عصمة الدين ذات الأصول التركية أو الخوارزمية أو الأرمينية أو الشركسية إذ اختلفت الأقوال في أصلها ولم تذكر المصادر تاريخاً لمولدها، نشأت في كنف أسرة نصرانية فاعتنقت المسيحية بالوراثة لكنها لم تلبث أن اختطفت وبيعت مع الجواري والغلمان في سوق النخاسة بمصر، ولحسن حظها وقع اختيار السلطان الصالح نجم الدين أيوب عليها واشتراها فعاشت في بلاطه ودانت بالدين الإسلامي الذي يدينه ولم تعد هناك أي صلة تربطها بالعقيدة السابقة.

لم تكن عصمة الدين جارية كمثيلاتها من الجواري بل كانت تفوقهن جمالاً وفطنة، إلى جانب أنها كانت تجيد القراءة والكتابة وتتقن فن الخط وتملك موهبة الطرب والغناء وهو ما جعل السلطان نجم الدين الرجل الحربي المتحفظ في كلامه الجدي في تعاملاته العابس في معظم أوقاته يقع في غرام تلك الجارية الرشيقة الذكية الجميلة ويفتتن بها، حباها اسم شجر الدر كناية عن شدة جمالها إذ يشير هذا الاسم إلى الأشجار الجميلة المحملة باللآلئ والدرر الثمينة عوضاً عن الثمار، وهذا هو سبب تسمية شجرة الدر بهذا الاسم اللافت.

قصة شجرة الدر ونجم الدين :

حظيت شجرة الدر بمكانة رفيعة لدى السلطان الصالح نجم الدين الذي لامس حبها شغاف قلبه فلم يتردد في إعتاقها والزواج منها وترك زوجته الأولى أم ابنه توران شاه، سرعان ما حملت عصمة الدين في أحشائها طفلاً من السلطان فتوجت قصة شجرة الدر ونجم الدين بإنجاب غلام اسمه خليل، لكن خليل لم تكتب له الحياة في كنفهما طويلاً إذ مات طفلاً صغيراً.

وهكذا عاش الزوجين المتيمين معاً في سعادة وهناء وصارت قصتهما كـ قصة روميو وجوليت خاصةً بعدما ماتت زوجة السلطان الأولى أم توران شاه، حيث أفسح ذلك المجال لشجرة الدر لتستحوذ وحدها على قلب زوجها نجم الدين دون وجود أي منافسة تعكر صفو حياتها، لكن الحياة لا تسير على وتيرةٍ واحدة ولم يكن الاستقرار يوماً دأبها فما الذي حدث؟

تابع ملخص قصة شجرة الدر ونجم الدين :

لكل نجم موعد أفول، لكن الموعد الذي أفل فيه نجم الدين أيوب كان صعباً للغاية، فالحرب مشمرة عن سايقها والعدو الصليبي يتربص بالدولة المصرية ويتحين الفرصة المناسبة للنيل منها، قوات الجيش على أهبة الاستعداد ولا تقوى على تحمل أي صدمة قد تزعزع معنوياتها، فما عساها فاعلة تلك المسكينة التي لم تكد تفيق من صدمة فقدان صغيرها لتفقد الآن زوجها في هذه الظروف العصية؟

الوقت شديد الحساسية والخطأ هنا يعني سقوط الدولة المصرية في أيدي القوات الصليبية، أخرست شجرة الدر فطرتها وأدركت بفطنتها أنه لا مجال للحزن والنواح، ننتصر على العدو أولاً ثم نبكي الجراح، هكذا تعلمنا أم خليل بكل ما أوتيت من حكمة وحنكة أن المحارب مجبر على استكمال المعركة والحفاظ على الراية حتى النهاية مهما ساءت الأوضاع تغليباً للمصلحة العليا، تعلمنا أيضاً أن القوة من أهم صفات الزوجة الصالحة فربما يأتي يوم وتكون هي الجيش الوحيد، لقد ثبتت شجرة الدر في موقفٍ يهز الرجال، فكان النصر لها مآل.

قصه شجره الدر

قصه شجره الدر

وصول شجرة الدر إلى كرسي العرش :

استدعت شجرة الدر توران شاه ابن السلطان الراحل سراً نجم الدين أيوب، وعندما وصل توران أعلنت شجر الدر نبأ وفاة السلطان ليستلم ابنه مقاليد الحكم، لكن توران كان سفيهاً متعالياً لا يصلح للحكم وهو ما أثار حنق المحيطين به وتسبب في حياكة المؤامرات للخلاص منه، وبالفعل دبر له الظاهر بيبرس البندقداري مخططاً فقطع يده وفتك به ومن ثم نُبذ بجثته في العراء بعد مرور خمسة أسابيع فقط على مبايعته بالحكم.

أصبح كرس العرش شاغراً فبايع المماليك شجرة الدر بالحكم إذ رأوها أحق بالسلطة من غيرها وأكثر قدرة على الإمساك بزمام الأمور في الدولة في تلك الفترة العصيبة، اعتلت عصمة الدين كرسي العرش وحازت لقب السلطانة الذي لم يسبق لامرأة أن حظيت به في تاريخ الدولة الإسلامية وهو ما أثار غضب واستهزاء الأيوبيين في بلاد الشام ومؤسسة الخلافة العباسية أيضاً، فلم يعترف بها الخليفة المستعصم بالله وأرسل إلى مصر خطاباً فحواه ((إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلاً)).

زواج شجر الدر مرة أخرى وتنحيها عن السلطة :

أمام هذه الاعتراضات رأت شجرة الدر أن الحل الأمثل هو الزواج من رجل يساندها ويصبح كستار تدير الحكم من ورائه، فتزوجت من الأمير المملوكي عز الدين أيبك وتنازلت له عن السلطة، لكن عز الدين أساء استغلال ثقتها ومضى يخطط للمستقبل ويفكر في الصبي الذي سيتولى مقاليد الحكم من بعده والذي لن تستطيع عصمة الدين أن تنجبه له نظراً لتقدمها في السن وتجاوزها الخمسين من عمرها، فعبث عز الدين في عداد عمره وقرر الزواج من أخرى وهو ما أوغر صدر شجرة الدر عليه ودفعها لاغتياله.

ما إن علم أنصار عز الدين بنبأ اغتياله على يد شجر الدر حتى هبوا ثائرين عليها وقرروا النيل منها عن طريق تجريدها من نفوذها واقتيادها إلى أحد أبراج القلعة وسجنها هناك، وكان لعز الدين طفل من جاريته يدعى نور الدين فبايعوه بالملك، غير أن أعوان السلطانة السجينة اغتالوا هذا الطفل أيضاً بأمرٍ منها، فواجهت مصيرها المؤلم عام 1257 م في الشهر الخامس من الاشهر الميلادية وهو شهر أيار.

ما هي إنجازات شجرة الدر ؟

كان لشجرة الدر العديد من الإنجازات في تاريخ الدولة المصرية، وقد تجلت أهم هذه المنجزات فيما يلي:-

1) صد الحملة الصليبية السابعة التي شنها الحاكم الفرنسي لويس التاسع ضد مصر عام 1249 م، حيث توفي زوجها السلطان نجم الدين في هذه الظروف وعمدت إلى إخفاء الخبر حفاظاً على ثبات الجيش وأصدرت الأوامر نيابةً عنه باستخدام أوراق فارغة قام بتذييلها بختمه في وقت سابق، وبذلك استطاعت تحقيق النصر للدولة وحماية بيت المقدس من الغزو الصليبي.

2) من إنجازات شجرة الدر أيضاً أنها استطاعت إدارة الشئون في الدولة المصرية بوصفها حاكم رسمي لمدة ثمانين يوماً بعد وفاة السلطان نجم الدين أيوب ونجله توران شاه، إذ رأى المماليك أن أرملة السلطان هي أنسب مَن يتقلد الحكم في هذه الظروف فقاموا بمبايعتها رسمياً عام 1250 م لتكون أول سيدة مسلمة تحكم مصر، وقد تم سك عملات معدنية نقش عليها ((المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين)).

3) علاوةً على ما سبق يعد تأسيس دولة المماليك أحد المنجزات التي تنسب لشجرة الدر، فبعد توليها الحكم وتعرضها للضغوطات من الجهات المتعددة عمدت إلى الزواج من عز الدين أيبك وتنازلت له عن الحكم طواعية، وبما أنها كانت السبب الرئيسي في جلوسه على كرسي العرش فإن فضل تأسيس الدولة المملوكية التي ظلت قائمة قرابة ثلاثمائة عام يعود لها في المقام الأول.

ما أبرز صفات شجرة الدر الشخصية والخَلقية ؟

عند قراءة ملخص قصة شجرة الدر نجد أن من أبرز صفاتها الشخصية القوة والحزم والجرأة والشجاعة والحكمة والدهاء، كما أن أي عبارات عن الثقة بالنفس لم تكن كافية للتعبير عن مدى ثقتها في نفسها وإمكانياتها، إلى جانب امتلاكها لمهارات القيادة والإدارة وقدرتها على تدبير الأمور ببراعة، وبالنسبة لصفاتها الخَلقية فقد تمثلت في امتلاك بشرة بيضاء وشعر أسود غزير منسدل وملامح وجه جذابة، وقد وصفها الإمام الذهبي قائلاً ((كانت شجر الدر بارعة الجمال، ذات رأي ودهاء وعقل)).

كيف ماتت شجره الدر ؟

من الأسئلة المتداولة كيف ماتت شجره الدر والإجابة التي أشارت إليها معظم المصادر هي أن الزوجة الأولى لعز الدين أيبك أمرت جواريها بضرب شجرة الدر بالقباقيب حتى الموت.

أين دفنت شجر الدر ؟

رميت جثة شجرة الدر من أعلى سور القلعة ولم تدفن إلا بعد مضي عدة أيام على سقوطها إذ وجدت عارية في أحد الخنادق حسبما يذكر البعض، ويوجد الضريح الخاص بها في أحد المساجد التي شيدت بالقاهرة في العصر الأيوبي.

من هما زوجا شجرة الدر ؟

زوجا شجرة الدر هما الصالح نجم الدين أيوب والمعز عز الدين أيبك.

هل يجوز أن تكون المرأة حاكمة في الشريعة الإسلامية ؟

لا يجوز أن تكون المرأة حاكمة في الشريعة الإسلامية وفق ما أقره الفقهاء استناداً إلى الحديث الشريف ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))، فالملك والنبوة والولايات العامة كلها أمور مختصة بالرجال فقط.

مواضيع ذات صلة

ابن حزمابن حزم | أحد أعلام الفكر العربي وإرثه الثقافي الأبدي

دحية-الكلبيدحية الكلبي | جميل الهيئة وقوي الحجة