غزوة بني المصطلق | عداوة وغارة تنتهي بمصاهرة

قومٌ انضموا إلى صفوف الأعداء في غزوة أحد وساهموا في إلحاق الهزيمة بالمسلمين، ثم أرادوا التخلص من هذه القوة التي باتت تهدد سيادتهم على الطريق التجاري المؤدي إلى قريش فبدءوا يحيكون المؤامرة لقتال النبي ومَن معه، وبينما هم يستعدون لجعل المسلمين وليمةً على العشاء فوجئوا بأن المسلمين قد شمروا عن سواعدهم ليلتهموهم على الغداء، وبعد هذا كله يصاهرهم النبي ويعفو عنهم فيدخلوا في دين الله أفواجاً، إنهم بنو المصطلق الذين غزاهم المسلمون في غزوة بني المصطلق الشهيرة، والتي سنسرد تفاصيلها في السطور التالية.

متى وقعت غزوة بني المصطلق ؟

يتساءل الكثير من القراء متى وقعت غزوة بني المصطلق والإجابة هي أن أقوال المؤرخين تباينت في هذا الصدد فمنهم مَن ذكر أنها وقعت في العام الهجري السادس – مثل ابن اسحاق وابن جرير الطبري – ومنهم مَن ذهب إلى أنها وقعت في العام الهجري الرابع – مثل المسعودي -، فيما ذهبت طائفة أخرى – على رأسها الإمام الغزالي والذهبي وابن القيم – إلى أن هذه الغزوة وقعت أحداثها في العام الهجري الخامس، لكنهم اتفقوا جميعاً على أنها حدثت في شهر شعبان.

ما هي أسباب غزوة بني المصطلق ؟

تعزى أهم أسباب غزوة بني المصطلق إلى ما يلي:-

1) تأييد قبيلة بني المصطلق للقرشيين ومساندتهم في غزوة احد ضد المسلمين.

2) سيطرة قبيلة بني المصطلق على الطريق الرئيسي الذي يؤدي إلى مكة المكرمة وهو ما يشكل عائقاً يحول دون امتداد نفوذ المسلمين إلى أم القرى.

3) شعور النبي عليه الصلاة والسلام بحركاتهم المريبة التي تشي باستعدادهم للقائه، ثم تأكده من عزمهم على ذلك.

أحداث غزوة بني المصطلق :

كان النبي عليه الصلاة والسلام يملك من الحنكة والفطنة ما جعله يشعر بتحركات بني المصطلق الباعثة على الريبة، ولقطع الشك باليقين أرسل الصحابي بريدة بن الحصيب الأسلمي لكشف الستار عن نواياهم من خلال إيهامهم بأنه معهم ويرغب في مد العون لهم، وعندما توثق من الأمر عاد إلى النبي وأكد له ظنونه وأخبره بأن القوم يجمعون الجموع لحرب المسلمين، فخرج النبي برفقة سبعمائة رجل وثلاثين فارساً لمقاتلة بني المصطلق على غفلةٍ منهم إذ كانت أنعامهم تُسقى وهو ما جعلهم يسقطون في أيدي المسلمين دون مقاومة ودون حدوث التحامٍ يذكر.

أسباب غزوة بني المصطلق

وكان من نتائج غزوة بني المصطلق أن المسلمين قتلوا نحو عشرة رجال من القبيلة وقاموا بسبي ما بقي من الرجال والنساء وغنموا غنائم كثيرة، وكان ضمن السبايا ابنة زعيم القبيلة وهي برة بنت الحارث بن ضرار التي صارت بعدها ثامن زوجات الرسول وبات اسمها جويرية، وبعدما صاهرهم النبي أطلق سراح أسراهم فأعلن بنو المصطلق إسلامهم، كما شملت نتائج الغزوة ما يلي:-

1) تحسن الأوضاع الأمنية للمسلمين إذ صارت لهم هيبة عظيمة.

2) تحسن المسلمين من الناحية القتالية والعسكرية.

3) تحسن أوضاع المسلمين الاقتصادية.

4) إقامة المسلمين للعديد من العلاقات الدبلوماسية مع الجهات القوية في الجزيرة العربية.

5) فقدان قريش لسيادتها وخسارتها للكثير من الحلفاء وهو ما جعل القلق يتسرب إليها.

6) ارتفاع معنويات المسلمين بشكل ملحوظ وزيادة ثقتهم بأنفسهم.

7) ضعف شوكة اليهود والمنافقين.

8) اصطباغ الدعوة المحمدية بالصبغة العالمية ووصول أمر الدين الجديد إلى شتى البقاع.

ما هو دور المنافقين في غزوة بني المصطلق ؟

لم يكن دأب المنافقين الخروج مع المسلمين في الغزوات، لكنهم لما رأوا النصر حليف المسلمين في الغزوات السابقة مثل غزوة بدر الكبرى وغيرها طمعوا في الظفر بالغنائم معهم فخرجوا بصحبتهم في غزوة بني المصطلق رغم أنهم يتوقون لهزيمتهم ويحترقون شوقاً لليوم الذي يشفى غليلهم منهم.

وعندما حقق المسلمون نصراً جديداً زاد المنافقون غيظاً على غيظهم وحنقاً على حنقهم ولم ينجحوا في إخفاء حقدهم فلم يجدوا بداً من إثارة الفتن هنا وهناك إذ حاولوا الإيقاع بين المهاجرين والأنصار من خلال اللعب على وتر العصبية، ولولا حكمة الرسول عليه الصلاة والسلام في التعامل مع الأمر لصارت أزمة كبيرة يصعب السيطرة عليها.

وفي هذا السياق يروي جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما حدث وقتذاك قائلاً ((كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال دعوى الجاهلية!))، وعندما بلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول قال ((فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)).

لكن دور المنافقين في غزوة بني المصطلق لم ينتهِ عند هذا الحد بل راحوا يؤذون النبي عليه الصلاة والسلام في أهل بيته باختلاقهم حادثة الإفك في أعقاب الغزوة، ولا يخفى على أحد ما لهذه الحادثة من وقعٍ على المسلمين بشكل عام والرسول وأهل بيته بشكل خاص.