قيس بن ذريح | متيم لبنـى الذي قتله الفراق مرتين

قيس بن ذريح

كأن الهيام دون الألم يفقد هويته، وكأن العاشقين يفقدون دليل وجودهم إذا ساروا على دروب الأمل، فالنهايات السعيدة يبدو أنها لم ترافق سوى الحكايات الخيالية، والواقع لا يصادقه سوى المآسي التي تشبه حكاية قيس بن ذريح الذي وصل قمة الهوى وهوى بهواه من فوقها، فمصير هذا الشاعر يعد علامة على خواتيم العشاق الذين غرهم هدوء ما قبل عاصفة الأقدار، وظنوا أن لقاء الحبيب يستمر في الحياة كما يستقر بين أبيات الأشعار.

من هو المتيم قيس بن ذريح ؟

يُنسب الشاعر قيس إلى قبيلة بني كنانة، فهو (الليثي الكناني) قيس بن ذريح بن سنة بن حذافة بن طريف بن عـتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مـناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نـزار بن معد بن عـدنان، وأمه تكون ابنة سُنة بن الذاهل بن عامر الخزرجي وأخيها هو الشاعر العربي (عمرو بن سُنة).

لم تذكر المراجع الكثير من المعلومات عن الحياة التي عاشها ابن ذريح قبل أن يهوى فؤاده ابنة الحباب، وينال لقب مجنون لبنى بسبب عشقه الأسطوري لها، ولكن من أشهر الأقاويل التي تناثرت عنه في الأوساط العربية أنه أخو الحسين بن علي بن ابي طالب -رضي الله عنهما- في الرضاعة، فيُروى أن أم قيس بن ذريـح قامت بإرضاع حفيد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وخامس أصحاب الكساء حينما كان طفلاً صغيراً، كما عاصر قيس الخلفاء الخمسة وتوفي في عهد معاوية بن أبي سفيان.

بداية قصة الحب العذري بين قيس ولبنى

مر قيس على (بني كعب) ذات يوم وأراد استسقاء الماء حتى يتمكن من إكمال طريقه في أجواء البادية الحارقة، ولم يدر بأن الفتاة التي روت عطشه بالماء أعطته الهوى الذي أنعش شرايين قلبه أيضًا، فرؤية ابن ذريح الأولى للكعبية الخزامية (لبنى بنت الحباب) ثبتت في مخيلته صورة المحبوبة التي يود رفقتها إلى نهاية العمر، حيث جمعت ليلى بين جمال الهيئة وطيب الكلم، ولم ينقصها حقاً إلا مجنون يظل يكتب في وصفها أرق الأشعار حتى الرمق الأخير.

قيس ولبنـى ما بين لقاء حبيب وفراق مجبور

يقول الشاعر طرفة بن العبد (وأمر ما لقيت من ألم الـهوى .. قرب الحبيب وما إليه وصـول)، ولعل ذلك البيت الرصين يصف شعور قيس ابن ذريـح حينما قوبل قرار زواجه من (لبنى) بالرفض من والديه بسبب رغبتهما في تزويجه بإحدى بنات عمه، ولكن استطاع الحسين بن عـلي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- إقناع والدي قيس بزواجه من حبيبته لبنى، لينطبق قول الشاعر مرة ثانية على ابن ذريح عندما أجبره والديه على طلاق (لبنى بنت الحباب) بسبب عدم قدرتها على الإنجاب.

أنشد قيس بن ذريح ” وما أحببت أرضكم ولكن .. أقبل أثر من وطئ الترابا” وهو يقبل أثر بعير لبنـى حين رحيلها عن ديار عشيرته، وظلت لوعة الفقد تعذبه لأعوام حتى أرغمه القدر على الزواج مرة ثانية بامرأة تحمل نفس اسم محبوبته وهي (لبنـى الفزارية)، وعلى إثر زواجه أحست حبيبته بالخيانة فتزوجت هي الأخرى من الكـندي حليف قريـش (خالد بن خلدة الغطفاني).

تناقلت إلينا الكثير من الشواهد التي تُثبِت طلاق لبنى من ابن خلدة بعد أن التقت بقيس ودار بينهما عتاب الأحبة، وعلى الرغم من اختلاف الروايات التي ذُكِرت عن هذا الأمر إلا أن الشيء الثابت بها هو موت (لبنى بنت الحباب) قبل أن تنتهي عدتها وتعود أدراجها إلى منزل الحبيب المفارق.

شرح قصيدة قيس بن ذريح واني لَأَهوى النَومَ

إِنّي لَأَهـوى النَومَ في غَيرِ حينِهِ.. لَعَلَّ لِقاءً في المَـنامِ يَكون

تُحَدِّثُني الأَحلامُ إِنّي أَراكُمُ.. فَيا لَيتَ أَحـلامَ المَنامِ يَقـينُ.

تعتبر تلك الأبيات التي قالها الشاعر قيس بن ذريح أفضل ما قيل في الغـزل العفيـف من حيث قوة اللغة والعاطفة، فالمعاني اللغوية والتراكيب الإبداعية الموجودة في كلمات القصيدة لا يمكن أن تنبع إلا من داخل شاعر مخضرم، أما إحساس الوحشة الناتج عن فقدان المحبوبة فيعبر عن عاشق ولهان وجد في النوم السبيل الوحيد للقاء تلك الغائبة التي فرقت بينها وبينه قسوة الواقع.

أهم خصائص الشعر العذري التي جمعت بين المتيمين

أُطلِق على قيس بن ذريح أحد القيسين المتيمين كونه شارك قيس بن الملوح (مجنون ليلى العامـرية) موهبة إلقاء الشعر العذري الذي يتسم بالوفاء والعاطفة الجياشة للحبيبة الواحدة، بالإضافة إلى رصانة الأبيات التي كتبها كلاً من القيسين للبوح بآلام الشوق التي تختلج الفؤاد وتعذب الروح، ولعل أبرز خصائص شعر قيس بن ذريح العذري في حب لبنى بنت الحباب تتمثل في الآتي:

1) تعفف الشاعر في انتقاء الألفاظ والكلمات التي وصف بها محبوبته في أبياته.

2) لم يذكر ابن ذريح في أشعاره مخلوقة أخرى سوى لبنى بنت الحباب، ولذلك نرى أن قيس ولبنى شعر ستدوم لذته في أفواه مردديه إلى الأبد، كونه نبع عن مشاعر صادقة عاشها الاثنين في أغوار الحجاز يوماً ما.

قيس ولبنى شعر

قيس ولبنى شعر

أروع الأشعار التي كتبها قيس بن ذريـح لحبيبته

كتب مجنـون لبنى العديد من الكلمات في وصف معشوقته كالقصائد العظيمة التي ذُكِرت في ديوان قيس بن ذريح مثل (قصيدة ألاَ حَـيِّ لُبْنَى اليَوْمَ إنْ كُـنْتَ غادِيا، قصيدة إذا عِبْتُها شَبَّهْتُها البَدْرَ طالِعاً)، حتى أنه ختم حياته بأبيات رثى فيها (بنـت الحباب) التي نال منها الوداع الأبدي قبل أن تحل ثانية بدار مجنونها بعد غياب دام لسنوات طوال، حيث وقف القيس ابن ذريح على قبر لبـنى وقال (ماتت لبينى فموتها موتي.. هل ينفعن حسرة على الفوت)، وظل يواجه قسوة فراقها حتى وافته المنية بعد موتها بثلاث سنوات تقريباً كما قالت أغلب الروايات عن موت قيس.

ما هي تواريخ ولادة ووفاة ابن ذريح؟

وُلِد قيـس بن ذريح في عام 625 هجرياً، وتوفي في عام 680 هجرياً أي في عمر ناهز قرابة 55 عاماً.

هل كان قيس بن ذريـح مجنوناً؟

لم يلقب قيس بن ذريـح بالمجنون لأنه يعاني من أمراض عقلية، ولكن أطلق العرب عليه ذلك اللقب بسبب حبه الجنوني لـ لبنى.

هل وافقت لبنى على طلاقها من قيس؟

لا، ولكن قيس بن ذريح كان باراً بوالديه ويخشى عصيانهما، لذا قام بتطليق حبيبته لبنى من أجل إرضائهما رغم رفضها لهذا القرار.

كيف تم اللقاء بين لبنى ومجنونها بعد الفراق؟

هناك رواية تفيد بأن قيس رأى لبنى بالصدفة عندما ذهب ليبتاع زوجها منه غرضاً، وعندما وجده الزوج مبهوتاً بعد فراقها قرر تخيير لبنى فإذا بها تختار مجنونها ويطلقها خـالد الغطفاني.

مواضيع ذات صلة

قيس بن الملوحقيس بن الملوح | إمام العاشقين

سلمان-الفارسيسلمان الفارسي | الباحث عن الدين الحق