معركة حطين | بداية تحرير الأقصى من براثن الصليبيين

أيظن المسلمون بأنه لو عاد صلاح الدين من جديد سيحرر الأقصى كما حرره في معركة حطين ؟! أتراه ينادي أن حي على الجهاد فيخرج له الشباب من كل حدب وصوب طائعين؟! أما علمتم يا أمة الإسلام بأن صلاح الدين لم يكن يومًا بطلًا وسط قوم من النيام، أو أسدًا ثائرًا يقود جيشًا من الفئران، بل كان قويًا يقود أمة من الرجال.

معركة حطين | حرب فاصلة بين المسلمين والصليبيين

في التاريخ الإسلامي معارك جليلة لم تٌمحَ من الذاكرة ولم تُنس مع الزمن، بل ظلت ذكرى عطرة تفوح رائحة عبيرها في كل زمان، معارك شهدت وما زالت شاهدة على عبقرية المسلمين وشجاعتهم، وعزتهم التي لم يتمكن أحد من كسرها على مر التاريخ.

وتعد معركة حطين واحدة من هذه المعارك العظيمة، تلك المعركة التي وقعت بين المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي وبين الصليبيين تحت قيادة (ريمون الثالث أمير طرابلس، وجي دي لوزينيان ملك القدس) من أجل تحرير أراضي المسلمين وعلى رأسهم المسجد الاقصى وكان ذلك في عام 583 هـ، وفيما يلي أهم تفاصيل معركة حطين :

الوحدة الإسلامية على يد صلاح الدين:

يصير الإنسان قويًا حين تكون قوته نابعة من داخل نفسه، حينما يثق في قدراته، عندما يكون قادرًا على تغيير الأوضاع من حوله، هكذا كان صلاح الدين الأيوبي ذلك البطل الذي أراد أن يحرر الأقصى فبدأ بتحرير العقول من الظلام، وبنى جيلًا قادرًا على فعل المحال، وبهذا استطاع أن يضع يده على الداء والدواء في آن واحد.

هُيأت الظروف ليتولى صلاح الدين أمر المسلمين، وكان ذلك بعد وفاة “نور الدين محمود”، فبدأ في بناء الوحدة بين المسلمين لأنه كان يعرف أن الوحدة دون غيرها هي القادرة على إنهاء وجود الصليبيين.

تسلم صلاح الدين دمشق بعد دعوة من أهلها، ثم استولى على حمص،ثم استسلمت له مدينة حلب، وبعد حصار تكرر أكثر من مرة خضعت له مدينة الموصل، وبذلك يكون قد تمكن من فرض سيطرته على المجتمع العربي، وبدأ في بناء جبهة إسلامية قوية، وانتظر الفرصة للانقضاض على الصليبيين.

عقد هدنة بين المسلمين والصليبيين:

من أجل أن يتفرغ صلاح الدين لإحياء الدولة الإسلامية، وتقوية جيشها، ورسم خطة محكمة لطرد الصليبيين من بلاد الإسلام عقد هدنة مع الصليبيين لمدة 4 أعوام، إلا أنها نُقضت بعد فترة وجيزة من قبل الصليبيين، وكأن أعداء الدين مصرون على أن يُظهروا دائمًا خستهم، ووضاعتهم، ودوام غدرهم ونقضهم للعهود.

فلم يكن حاكم الكرك “أرناط” قادرًا على أن يخفي حماقته، فقد أقدم على عمل أهوج نقض به الهدنة فاشتعلت نار الحرب، حيث استولى على قافلة تخص المسلمين، وكانت في طريقها إلى دمشق قادمة من مصر، كما أسر رجالها وحبسهم في حصن الكرك.

تمالك صلاح الدين نفسه وأرسل إليه يقبحه على فعلته، ويتوعده إن لم يرد عليه القافلة ويطلق صراح الأسرى، وبدلًا من أن يعترف هذا الحاكم المتعجرف بخطئه أساء الرد، فأرسل رسالة طائشة قال فيها (قولوا لمحمد يخلصكم)، هكذا قالها حاكم الكرك متحديًا بها المسلمين ظنًا منه أنه بذلك يكسر هيبتهم، فكانت الشرارة التي رُدت إلى قلبه فأحرقته، واستقبلها صلاح الدين بعزة المسلم فلم يهدأ حتى أعلن الحرب عليه وعلى من معه.

وحاول ملك بيت المقدس أن يصلح الموقف بينهما، إلا أن “أرناط” أصر على موقفه، ولم يقبل أن يعيد للمسلمين أسراهم وقافلتهم، وبهذا أغلق كل الطرق أمام صلاح الدين الذي لم يجد مفرًا من إعلان الحرب، ويعد هذا الحدث أحد أسباب معركة حطين الظاهرية، فصلاح الدين كان يستعد لطرد الصليبيين على أي حال.

أحداث معركة حطين

استعداد صلاح الدين للحرب:

عبأ صلاح الدين جيشه، وجمع قوته، واستعد لقتال الصليبيين، هذا القتال الذي ظل يفكر فيه طيلة 10 أعوام حتى جاءت اللحظة الحاسمة.

بدأ صلاح الدين بتجميع قواته من مصر وحلب ودمشق والجزيرة، ثم توجه بها إلى “حصن الكرك” فحاصره ودمر زروعه، ثم توجه إلى “الشوبك” وفعل بها نفس الأمر، وبعد ذلك قصد “بانياس” وبقي هناك لمراقبة الموقف.

وفي أثناء ما كان يقوم به صلاح الدين كان على الجانب الآخر تتجمع قوات الصليبيين تحت إمرة “ملك بيت المقدس” وانضم إليه “ريموند الثالث” أمير طرابلس بجيوشه وذلك على الرغم من الخصومة الشديدة بينهما، إلا أن “ريموند” قرر مساندة ملك بيت المقدس ضد المسلمين.

لم يكن صلاح الدين راغبًا في السير إلى الصليبيين لقتالهم وإنما أراد أن يأتوا هم إليه حتى يستغل تعبهم وإرهاقهم من السير إليه، ففكر في الأمر مليًا واهتدى إلى مهاجمة “طبرية” فبها كانت زوجة “ريموند الثالث” تحتمي.

عندما وصل هذا الخبر إلى الصليبيين ثارت ثائرتهم، وعقدوا اجتماعًا لبحث هذا الأمر، فتفرق الحشد إلى فريقين، الفريق الأول يرى أنه يجب الذهاب إلى “طبرية” لقتال صلاح الدين، أما الفريق الآخر فيرى خطورة هذه الخطوة والعجيب أن هذا الرأي كان يتبناه “ريموند الثالث” الذي كانت زوجته تحت حصار المسلمين، إلا أن “أرناط” اتهمه بالجبن وحمله على السير إلى طبرية.

مجريات أحداث معركة حطين

بدأت أحداث معركة حطين بزحف الصليبيين إلى صلاح الدين في ظروف غاية الصعوبة، حيث قلة المياه وحرارة الشمس الحارقة، ووعورة الطريق الذي يبلغ طوله 27 كيلو مترًا وذلك على عكس جنود صلاح الدين الذين كانوا يتمتعون بوفرة المياه، والظل، والراحة.

وعندما وصلت الأخبار إلى صلاح الدين باقتراب جيش الصليبيين، توجه بجيشه لمقابلتهم على بعد 9 كيلومترات، حيث استقر عند قرية حطين وهذا هو موقع معركة حطين ولهذا سميت المعركة بهذا الاسم.

وحرص المسلمون على أن يحولوا بين الصليبيين والوصول إلى الماء، بالإضافة إلى أنهم أشعلوا النيران في الأعشاب مما أدى إلى أن الحر والدخان وصلا إليهم بسبب فعل الرياح، وبهذا قضى الصليبيون ليلة حالكة السواد حيث العطش والتعب والحر، وفي نفس الوقت كانت التكبيرات تخرج من أفواه المسلمين فتثير الذعر داخل قلوبهم.

وفي صباح يوم الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر لعام 583 هـ بدأ صلاح الدين هجومًا كاسحًا عليهم، وأحاط بهم، فاختل توازنهم، وحاولت جيوش الصليبيين الاحتماء بجبل حطين ولكنهم لم ينجحوا، حيث أحاط بهم المسلمون مما أدى إلى تراجعهم.

شدد المسلمون الخناق على الصليبيين فترتب عليه أسر “ملك بيت المقدس”، و”أرناط” حاكم الكرك وغيرهما من أكابر الجيش، واستقبلهم صلاح الدين بشكل يليق بالقائد المنتصر، وأمر لهم بالماء ولكنه لم يأمر لأرناط، وعندما أعطاه ملك بيت المقدس الماء غضب صلاح الدين بشدة وقال: (إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني)، وذكره بما فعله وبمقولته الشهيرة ثم ضرب عنقه وقال:

(كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرًا)، ونتيجة لعظم هذه المعركة فقد عٌرضت في أكثر من عمل فني، ويعد فيلم صلاح الدين الايوبي هو أبرز هذه الأعمال.

أبرز نتائج معركة حطين

كان لـ معركة حطين pdf نتائج عظيمة، أبرزها ما يلي:

1) كانت معركة حطين هي الشرارة التي أربكت الصليبيين، ففيها فقدوا خيرة فرسانهم، وقُتل منهم أعداد مهولة، ووقع الكثير منهم في الأسر.

2) زيادة ثقة المسلمين في أنفسهم، وإصرارهم على استكمال معاركهم حتى يتم تطهير كل بلاد المسلمين من دنس الصليبيين، ولقد عجز كل الـ كلام عن الرجولة والشجاعة عن وصف حال المسلمين في هذا الوقت.

3) معركة حطين هي الخطوة الأولى في تحرير بيت المقدس، فبعدها بدأ صلاح الدين في فتح البلاد والمدن حتى تمكن من تحرير الأقصى وأعاده إلى أحضان المسلمين.