من اول من ادخل عبادة الاصنام إلى أرض العرب؟

دوارة هي الدنيا! فالأيام فيها تتواتر والساعات تمضي والثواني تسير بسرعة البرق، وهذا هو حال عقولنا إذ تدور فيها الأسئلة كتساؤل من اول من ادخل عبادة الاصنام إلى شبه الجزيرة العربية؟! وذلك بحثًا عن الأجوبة.

من اول من ادخل عبادة الاصنام ؟ .. لغز حيّر الكثيرين

ماذا لو كانت حياتنا حلمًا بحاجة إلى تفسير ويكأنه لغز ليس بمقدور الجميع فك شفراته؟! لربما انشغلت عقولنا كثيرًا بالتفكير في حل الألغاز التي تجعلها مثقفةً ومكدسةً بالمعلومات، وهذا الشيء في حد ذاته رائع للغاية، فما أجمل انشغال المرء بملء ذاكرته بالثروات العلمية بدلًا من تمعن النظر في أمور لا جدوى منها!

لا زال سؤال من اول من ادخل عبادة الاصنام إلى الجزيرة العربية محل اهتمام الكثيرين، فلم يعثر البعض على إجابته بعد، ولهذا جئنا إليكم لكي نُفتح أعينكم عليها وسنذكرها لكم بين طيات السطور التالية.

مَن رآه النبي يجر قُصْبَه -أمعاءه- في جهنم

كُني بـ (أبي الأصنام) وكان مصيره جهنم مثلما أخبرنا سيدنا محمد رسول الله ، عُرف عنه فعل المعروف والخيرات وبذل الصدقات فكان مثالًا يحتذى به الناس، نال حب الكثيرين وإجلالهم وتقديرهم فمنحوه المُلك فكان بمثابة الولي وهم له الأتباع، كان من زعماء مكة الذين اتسموا بالحكمة والصواب، ولكنه رغم ذلك انحط مستواه الفكري حينما انحدر عن الإيمان بالله، إنه الاسم الكامن في الإجابة عن تساؤل من اول من ادخل عبادة الاصنام إلى شبه جزيرة العرب؟ ألا وهو عمرو بن لجي الخزاعي.

إن أول مَن أدخل عبادة الأوثان على وجه الأرض (قوم نوح) أكثر الأناس برًا بوالديهم، الذين كانوا يتخذون من آبائهم مجسمًا منقوشًا بصورهم حينما تتوفاهم المنية، فيعكفون على هذه الحجارة وينظرون إليها نظرة الشغف والاشتياق، ولمّا تسلسلت الأجيال تلو بعضها الأخرى ظن الأحفاد أن تلك الأصنام ما هي إلا آلهة آبائهم التي كانوا يعبدونها فتبعوا ملة ذويهم فعبدوها أيضًا، أما بالنسبة لسؤال من اول من ادخل عبادة الاصنام إلى بلاد العرب؟ فهو حديثنا اليوم الذي سنسهب فيه لاحقًا.

عمرو بن لُحي .. مَن سيّب السوائب وغيّر دين الله

مثلما ينشغل الناس بقراءة سير الصحابة والصالحين أيضًا يغوصون في بحر معرفة الطالحين لا سيما الألغاز الذي تجعلهم يخمنون مَن يكون شأنه هذا؟! فعندما يجول بخاطر أحد تساؤل من اول من ادخل عبادة الاصنام إلى الجزيرة العربية؟ تجده ينطق بإجابات كثيرة في آن واحد، فيقول أقوم نوح أم عمرو بن لحي؟! أم كلاهما، ولكن بعد تفتيشه عن الإجابة الصحيحة يتوصل إلى أنه ابن لحي.

ينحدر نسب عمرو بن لحي من قبيلة خزاعة، فهو أحد سادات العرب الذين حظوا بمكانة مرموقة بين أقوامهم، كما أنه الرجل الذي غيّر دين التوحيد ليحل مكانه شيء آخر غير صالح لأن تُطلق عليه كلمة دين، فكيف لعبادة الأصنام أن تكون دينًا والمعبود جماد من المستحيل أن يتحرك من تلقاء نفسه؟!

ذكر الإمام الحافظ ابن كثير فى كتابه حياة عمرو بن لحي البداية والنهاية ، وكأنه أراد أن يسلط الضوء على سؤال من اول من ادخل عبادة الاصنام إلى جزيرة العرب؟ في أحد سطور كتابه الرائع هذا.

تأثر ابن لحي بأهل الشام .. فدعا إلى عبادة الأصنام

استوطن دين التوحيد مكة المكرمة حينما بُعث خليل الله (سيدنا إبراهيم) إلى أهلها وشيّد الكعبة المشرفة، وكان أغلب العرب حينئذ يدينون بهذا الدين الإسلامي ويسيرون على ملته الحنيفة، وظلّوا سائرين على ذلك المنوال لقرون وكأنه عهد في رقابهم حتى تخلفوا عنه، فانحرفوا عن مسارهم السليم نحو الله -عز وجل- بعدما اقتنعت أذهانهم بأحاديث عمرو بن لحي الذي دعاهم إلى عبادة الأوثان من جراء تأثره الشديد بأهل الشام.

حينما دخل ابن لحي أرض الشام وجدهم يعبدون الأصنام ويقدسونها ويكأن لها أعين تبصر وآذان تنصت! فظن أنهم على صواب فاتخذ من تلك الحجارة إلهًا يُعبد، ورغم أن الشام وقتئذ كانت محلًا للرسل والرسالات السماوية لكنهم صاروا جاهلين إلى أقصى الحدود، فكيف لعقول بشرية أن تصل إلى هذا المستوى الرديء من التفكير مثلما بلغ هؤلاء؟!

نسب عمرو بن لحي

رواج عبادة الأصنام بين القبائل العربية

كان أهل الشام يظنون أن الحجارة ما تتكفل بإنزال المطر عليهم وتسهم في نصرهم على أعدائهم حينما يطلبون منها فعل ذلك، -عجبًا- أيها الآدميون من تفكيركم الدنيء هذا! فما النصر إلا من عند الله وليس من هذه الأوثان، وكان ابن لحي يستمع إلى تلك الخرافات بعقل متفتح إلا أنه اقتنع بأكاذيبهم، فطلب منهم أن يمنحوه وثنًا ليصحبه إلى بلاد الحجاز لكي يعبدوه أهلها، فأعطوه واحدًا يُسمى (هُبَل).

عاد عمرو إلى الحجاز برفقة هذا الصنم الذي دعا الناس إلى عبادته وتعظيمه، فاستجابوا له واتخذوا هذه الحجارة إلهًا لهم، وعندما رأى أهل مكة أناسًا يعبدون صنمًا يُدعى هُبل انغرسوا معهم في ديانتهم، فصدّقوهم وآمنوا به! ولم يقف هذا الدين الوضيع عند ذلك الحد بل انتشر بين القبائل العربية حتى اتخذت كل عشيرة صنمًا ما لتعبده.

تطهير البيت الحرام من الحجارة التي لا تسمع

ظلّ العرب على وضعهم المهين هذا يقدسون الأوثان ويسجدون لها من دون الله! حتى أشرقت شمس الإسلام وانبلج الحق والباطل وظهر القوي والعاجز، وذلك ببعثة خير الأنام وأشرف الأناس -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء إلي العالم أجمع سراجًا وهاجًا يضيء الظلمات، فطهّر البيت الحرام من تلك الأوثان التي نُصبت داخله، وهدم البيوت التي أُقيمت فيها عبادة الأصنام.

تكفل سيف الله المسلول خالد بن الوليد بتقويض صنم قريش الأعظم (العُزى) بينما هدم عمرو بن العاص صنم (سواع) كما أمرهما رسول الله وكانا على قدر المسؤولية وأكثر، وأمر كثيرين من أصحابه بهدّ سائر الأصنام، تلك التي تعجز عن التفوه ولو بكلمة، وهذا ملخص الإجابة عن سؤال كيف بدأت عبادة الأصنام في الأرض حتى انتهت؟

مصير ابن لحي كما بيّن القرآن والسنة النبوية

لقد ورد في الصحيح عن ابو هريرة -رضى الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار ، فكان أول من سيّب السوائب) وفي رواية أخرى: (فكان أول من غيّر دين إبراهيم)، فهو إلى جهنم وبئس المصير من جراء تنحيه عن عبادة الواحد الذي لا شريك له.

تخبرنا سورة الأنعام في الآية رقم 144 (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) عن أظلم الناس وأجهلهم الذين كان عمرو بن لحي واحدًا منهم، فنال ما يستحقه من العذاب الأليم مثلما أنبأنا سيد الأنبياء والمرسلين، وفي نهاية المطاف نكون قد أوفينا بالعهد وأجبنا لكم عن سؤال من اول من ادخل عبادة الاصنام إلى أرض العرب؟