من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟

 لا تزال قصص أبطال الإسلام ورجاله الأجلاء أصدق تعبير عن قيمته ومكانته، فتبحر قلوبنا داخلها بحب كبير وفخر أكبر ونجد إجابات واضحة عن الأسئلة التي تدور في عقولنا، فعندما نتساءل من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟ نكتشف شجاعة عبد الله بن الزبير ومروءته في الحفاظ على حرمة الكعبة وقدسية الحجر الأسود.

من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟

قبل التطرق إلى الحديث عن من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟ نذكر أن جميع المسلمين يقدسون الحجر الأسود ويعتبرونه من أثمن الأشياء الخاصة بالأمة الإسلامية وأعظمها قيمة، فهو الحجر الذي يبلغ ارتفاعه حوالي متر واحد ويتصف بالسواد إلا جزء صغير منه لونه أبيض، ويوضع داخل أحد جدران الكعبة المشرفة التي تعد من أهم المعالم التي يتجمع حولها المسلمين في مواسم معينة وأوقات محددة ليقيموا الشعائر الدينية.

أوحى الله إلى جبريل -عليه السلام- بإنزال حجر من أحجار الجنة إلى موطن سيدنا محمد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فأصبح من أهم الأشياء التي نسعى إليها ونرغب في لمسها وتقبيلها، ولأن هذا الحجر الشريف كان وما زال من أشرف ما يوجد على هذه الأرض كان لا بد من الحفاظ على قدسيته وقيمته العظيمة، فتحرك إيمان عبد الله بن الزبير ودفعته غيرته على معالم الإسلام إلى ترميم الحجر الأسود بعد الحرائق التي تعرض لها.

تابع قصة استلام عبد الله بن الزبير للحجر الأسود :

في ضوء الإجابة عن سؤال من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟ تعود قصة استلام عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- للحجر الأسود وإدخاله في بناء الكعبة المشرفة إلى الخلاف الحاصل بين عبد الله ويزيد بن معاوية في عام 64 هـ على الخلافة واختلافهم على طرق الحكم، حيث تسبب معاوية وأعوانه في ظلم كبير للمسلمين وارتكاب الكثير من المخاطر والطغيان في حقهم مما أدى إلى غضب عبد الله بن الزبير وثورته على طريقة حكمه.

تسبب رفض عبد الله لما يفعله معاوية ومعاونيه في اشتعال حرب بينهما أدت إلى إلحاق الأذى بالكعبة وتصدع جدرانها، وحدث ذلك بسبب تحصن عبد الله داخلها ورميه من قبل (الحصين بن النمير) بالمنجنيق الذي تسبب في إمالة جدران الكعبة وتمزق الحجر الأسود، لذا قرر عبد الله إعادة ترميم الجدران التي احترقت وإدخال الحجر في البناء بالهيئة التي ذكرها المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا أصبح عبد الله بن الزبير اول صحابي استلم الحجر الاسود .

الاختلاف على بناء الكعبة وترميم الحجر :

من النقاط الداخلة تحت الإجابة عن سؤال من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟ أن عبد الله قرر استشارة بعض الصحابة الأجلاء في أمر بناء الكعبة المشرفة وتجديد الحجر الأسود بعد تصدعهما عملًا بهذه الآية الكريمة “وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ”.

فاستقبل جابر بن عبد الله وعبيد بن عمير هذا القرار بالقبول والرضا بينما قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- : (أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها، فلا تزال تهدم حتى يتهاون الناس بحرمتها، ولكن أرى أن تصلح ما وهن منها، وتدع بيتًا أسلم الناس عليه، وأحجارًا بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليها).

كان رد عبد الله بن الزبير حازمًا فقال: (لو احترق بيت أحدكم ما رضي حتى يجدده، فكيف ببيت ربكم) وبعدها بدء في الترميم والبناء، فقام بربط الحجر الأسود بالفضة ووضعه في الركن الشرقي بينما جدد بناء الكعبة وجعل لها بابين على قواعد إبراهيم -عليه السلام-.

فجاء في حديث عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يا عائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، فألْزَقْتُها بالأرْضِ، وجَعَلْتُ لها بابَيْنِ: بابًا شَرْقِيًّا، وبابًا غَرْبِيًّا، وزِدْتُ فيها سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فإنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْها حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ”، وبهذا اتضح لنا من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه وقصة استلامه؟.

عبد الله بن الزبير | أول مولود في المدينة

أولًا: اسمه ونسبه

يعود نسب عبدالله بن الزبير إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من جهة أبيه الزبير بن العوام ابن عمة نبي الله -صلى الله عليه وسلم- صفية بنت عبد المطلب، فهو عبد الله بن الزبير بن العوام الممتد نسبه إلى عبد العزى القرشي الأسدي -رضي الله عنهما- وأمه هي أسماء بنت أبي بكر الصديق رفيق رسول الله، فنشأ هذا المولود في بيئة إيمانية وتربة طاهرة وصالحة مهدت له طريق العلم والجهاد.

ثانيًا: نشأته ومولده

في السنة الأولى من الهجرة المحمدية وتحديدًا في شهر شوال حيث مدينة قباء في المدينة المنورة استقبل المسلمون مولودًا جديدًا وبطلًا من أبطال هذه الأمة “عبد الله بن الزبير”أول مولود في المدينة بعد هجرة المسلمين إليها، الذي أسعد القلوب وأقر العيون وانتهى بميلاده الاعتقاد السائد بأن اليهود قد سحروا المسلمين.

أخذته أمه أسماء بنت أبي بكر في قطعة من القماش إلى نبي الله -عليه الصلاة والسلام- فحمله وحنكه بتمرة في فمه وبارك عليه وأطلق عليه عبد الله تيمنًا بجده الصديق أبو بكر الذي كبر في أذنيه بأمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنشأ على الحق وتعلم الدفاع عن الدين بكل ما أوتي من قوة وتحلى بالشجاعة والبسالة وكان أول من استلم الحجر الأسود من الأئمة، فتلك إجابة واضحة على سؤال من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟ ألا وهو الفارس عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-.

ثالثًا: خصاله الرفيعة

لقد كان عبد الله شديد الشبه بجده ابو بكر الصديق -رضي الله عنه- يحمل من صفاته وورعه وجوده وشجاعته، فذكر في صفات عبد الله بن الزبير أنه كان شهمًا وشرسًا لا يخشى قول الحق أو الدفاع عنه، وقال علي بن زيد:‏ “كان عبد الله بن الزِّبير كثير الصّلاة، كثير الصِّيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات”.

اتسم بن الزبير بالشجاعة والثبات على الحق فلم يخشَ من طغيان الحجاج على حكمه إنما خرج مقاتلًا يحمل سيفه حتى استشهد، ووكل إليه عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مهمة نسخ القرآن وجمعه في مصحف واحد وتوزيعه على كافة أمصار المسلمين، وعرف عنه الخشوع في الصلاة كأنه عمود لا يتحرك من شدة ثباته، أما بشأن ماذا قال الرسول عن عبدالله بن الزبير ؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لكل نبي حواري، وأنا حواريي الزبير» رواه أحمد.

وصف ابن كثير في كتابه الذي يحمل اسم (البداية والنهاية) جملة من خصال بن الزبير فقال: “كان آدم نحيفًا ليس بالطويل، وكان بين عينيه أثر السجود، كثير العبادة، مجتهدًا شهمًا فصيحًا، صوّامًا قوّامًا، شديد البأس، ذا أنفة، له نفس شريفة وهمّة عالية، وكان خفيف اللحية ليس في وجهه من الشعر إلا قليل، وكانت له جُمة، وكانت له لحية صفراء … وكان عالمًا عابدًا مهيبًا وقورًا، كثير الصيام والصّلاة شديد الخشوع قويَّ السياسة”.

رابعًا: حياته وعائلته

تربى هذا الشبل الصغير في بيئة إيمانية وتحت رعاية عائلة شريف من جهة أبيه وأمه -رضوان الله عليهم-، فخرج منها يحمل في داخله الهدى والتقى والصلاح وراغبًا في تربية ذريته على ما نشأ عليه، فعلم عبد الله بن الزبير الابناء الذكور والإناث الجهاد بالنفس والمال والاجتهاد في العبادة، حيث كان له من زوجاته الخمسة عدد كبير من الأبناء ومنهم (خُبيب- حمزة- ثابت- هاشم- قيس- رقية).

من-اول-من-استلم-الحجر-الاسود-من-الائمه

شجاعة عبد الله بن الزبير ودهاء معاوية بن سفيان :

تشهد شعرة معاوية وقصته مع عبدالله بن الزبير على شجاعة بن الزبير القرشي الذي كتب إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة يحذره فيها من تسلط عبيده على أرضه يقول فيها: “أما بعد، فإنه يا معاوية، إن لم تمنع عبيدك من الدخول في أرضي، وإلا كان لي ولَك شأن”بسبب تسلط عبيده على أرض عبد الله القريبة من أرضه، دفع معاوية هذا الكتاب إلى ابنه يزيد بن معاوية قال له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أن تأمر جيشك ليأتونك برأسه؛ قال: لا عندي خير من هذا.

بعث معاوية بن أبي سفيان كتابًا إلى عبد الله يقول فيه:”وقفت على كتابك يا ابن حواري رسول الله صل الله عليه وسلم، وساءني واللهِ ما ساءك، والدنيا هينة عندي في جنب رضاك، وقد كتبت على نفسي رقماً بالأرض والعبيد، وأشهدت علي فيه – أي تنازلت عن أرضي وعبيدي لك – ولتضف الأرض إلى أرضك، والعبيد إلى عبيدك والسلام”، ونتيجة لهذا التصرف الحكيم وتلك الحكمة البالغة تنازل بن الزبير عن غضبه وتوعده.

وكتب إلى معاوية قائلًا: “وقفت على كتابِ أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، فلا عدم الرأي الذي أحله من قريشٍ هذا المحل والسلام” تبين لنا تلك الحادثة الصغيرة شجاعة فتى تربى في بيت شريف ودهاء حاكم استطاع كبح الغضب وتجنب الفرقة، فلما سُئل معاوية بن أبي سفيان كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة؟ أجاب قائلًا: (إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها).

مقتل عبدالله بن الزبير البداية والنهاية :

يتفرع من سؤال من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟ الكثير من الأمور والأسرار الخاصة بحياة عبد الله بن الزبير المحارب الشجاع والصوام القوام حفيد الصديق -رضي الله عنهما-، حيث يأخذنا الحديث إلى مقتل عبدالله بن الزبير البداية والنهاية -رضي الله عنه- وبسالته في وجه الحجاج بن يوسف الثقفي الذي جاء إلى مكة المكرمة بأمر من عبد الملك بن مروان بن الحكم الذي طمع في الإمارة فعهد إلى القتل والحرب حتى حصل عليها.

استعد الحجاج إلى دخول مكة ومحاصرة أهلها وأميرهم بن الزبير سنة 72 هـ في شهر ذي الحجة حتى يخرجوا إلى طاعة عبد الملك وتحت إمارته، فنصب المنجنيق على (جبل أبي قبيس) وزاد في طغيانه وحصاره على أهلها حتى وصل الأمر إلى إحداث مجاعة شديدة فيها، فاضطر عبد الله إلى ذبح فرسه من أجل أن يطعم أصحابه.

انصرف الناس عن تأييد عبد الله وتخاذلوا عنه ولحق بهم ولداه حمزة وخبيب، فدخل على أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق يشكو إليها تخاذل القوم عنه ويرغب في رضاها وتأييدها، فما كان من هذه الأم الصالحة والمربية الفاضلة إلا أن قالت: “أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك، وإن قلت: كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسن”.

شجاعة بن الزبير وغشم عبد الملك:

بعد أن سمع عبد الله من أمه تلك الكلمات الحنونة وهذا الدرس العظيم، خرج حاملًا سيفه لا يخشى في الحق لومة لائم ومضى يضرب ويقاتل بشرف وشجاعة حتى استشهد هو ومن معه عام 73 هـ، ولكن لم تتركه الأيادي الفاسدة يموت بسلام بل قاموا بحز رأسه وإرسالها إلى عبد الملك بن مروان مع رأس عبد الله بن صفوان وعمارة بن حزم.

أمر عبد الملك أعوانه أن يأخذوا هذه الرءوس وينصبونها بالمدينة وبعدها يتجهون إلى بلاد الشام، وجاء أمره إلى الحجاج أن يصلب جثة الصحابي عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- على ثنية كداء عند الحجون في مكة، وظل -رضوان الله عليه- مصلوبًا حتى مر عليه عبد الله بن عمر ذات يوم وقال: ” رحمة الله عليك يا أبا خبيب، أما والله لقد كنت صوّامًا قوّامًا” واتجه إلى الحجاج يطلب منه أن ينزله قائلًا: ” أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟”.

فأمر الحجاج بإنزله وقام أخوه عروة وأمه أسماء بالصلاة عليه ودفنه في أراضي مكة بعد أن قضى حياته في طاعة الله ورسوله عن عمر 73 سنة، ونأمل أن تكون هذه إجابة وافية عن سؤال من اول من استلم الحجر الاسود من الائمه ؟.