أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص

بعض البلاد كالأميرات اللواتي لا يليق بهن سوى الفرسان، وأميرةٌ كمصر لم يكن يليق بها سوى فارس كـ عمرو بن العاص رضي الله عنه، كانت داهية الأمصار في سحرها وجمالها وحضارتها وعراقتها، وكان هو داهية العرب في رأيه وفكره وحيَله وذكائه وفصاحته، فاستحق كل منهما شرف أن يبقى اسمه لصيقاً باسم الآخر طوال الدهر، فإذا ما ذُكرت مصر ذُكر الفاتح الذي صيرها بقعةً إسلامية، وإذا ما ذُكر ابن العاص ذُكر أنه فاتح الأراضي المصرية.

ما هو نسب عمرو بن العاص ؟

كان نسب عمرو بن العاص نسباً شريفاً إذ كان وأبوه من سادة قريش، كما أن نسبه يلتقي مع نسب رسول الله وصاحبه ابو بكر الصديق في الجد السابع لهم جميعاً وهو كعب بن لؤي سيد قبيلة كنانة، فاسمه هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ويكنى عمرو بأبي عبد الله وقيل بأبي محمد نسبةً إلى ابنيه.

والد عمرو هو العـاص بن وائل السهمي وكان من صناديد قريش، ووالدته هي النابغة سلمى بنت حرملة العنزية وقيل اسمها النابغة بنت خزيمة بن الحارث بن كلثوم العنزية، وكانت سبية في إحدى حروب الجاهلية وبيعت في سوق عكاظ فاشتراها الفاكه بن المغيرة ثم عبد الله بن جدعان ثم العـاص بن وائل، ولعمرو من أبيه شقيق واحد هو هشام بن العـاص، ومن أمه ثلاثة أشقاء هم عروة بن أثاية وزينب بنت عفيف وعقبة بن نافع.

مولد ونشأة عمرو بن العاص :

لم يستطع المؤرخون تحديد العام الذي ولد فيه عمرو بن العاص بشكل دقيق، فذهب ابن حجر العسقلاني إلى أن عمراً كان يكبر عمر بن الخطاب بسبعة أعوام، ووفق رواية ابن حجر يكون العام الذي ولد فيه عمرو هو العام الميلادي الـ 575 أي قبل الهجرة النبوية بنحو سبعة وأربعين عاماً، فيما ذهب شمس الدين الذهبي إلى أن عمراً أسن من الفاروق بخمسة أعوام، ووفق روايته يكون العام الذي ولد به عمرو هو العام الميلادي الـ 577 الذي يسبق الهجرة النبوية بنحو خمسة وأربعين عاماً.

على أية حال ولد عمـرو بين جنبات مكة المكرمة، وترعرع في كنف أبيه العـاص، تحت سقف منزلٍ عُد من منازل الأشراف، فنشأ نشأةً كريمة وتعلم القراءة والكتابة والبلاغة والفصاحة ونظم الشعر فشب فصيح اللسان حسن البيان، ويذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى مَن يتلجلج في كلامه ولا يحسن القول قال ((سبحان الله، خالق هذا وخالق عمرو بن العـاص واحد)).

معاداة عمرو بن العاص للإسلام والمسلمين :

لم يكن عمرو بن العـاص من السابقين إلى الإسلام بل كان كأبيه من أشد المعادين لهذا الدين الجديد وللرجل الذي جاء به، وعندما علمت قريش بفرار المسلمين إلى بلاد الحبشة اجتمع زعماؤها في دار الندوة واتفقوا على إرسال الأموال والهدايا لملك الحبشة حتى يسلم لهم قومهم الفارين، ووقع اختيارهم على عمرو بن العـاص وعمارة بن الوليد – وقيل عبد الله بن أبي ربيعة -.

وبالفعل حمل عمرو وصاحبه الأموال والهدايا وتوجها نحو الحبشة لإقناع النجاشي بتسليم المسلمين ورفع الحماية عنهم، لكنه أبى إلا أن يصغي إليهم، فلما أصغى رفض أن يجور عليهم، وصدق الذي قال فيه ((لا يظلم عنده أحد))، ليس هذا فحسب بل إن عمراً حارب ضد المسلمين في غزوة بدر وأحد والأحزاب، وفي هذا السياق قال ((كنت للإسلام مجانباً معانداً، حضرت بدراً مع المشركين فنجوت، ثم حضرت أحداً فنجوت، ثم حضرت الخندق فنجوت))، فَـ متى أسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه؟

نسب عمرو بن العاص

متى أسلم عمرو بن العاص ؟

لما عاد القرشيون إلى مكة المكرمة بعد برم صلح الحديبية عزم عمرو على الذهاب إلى النجاشي في بلاد الحبشة ففوجئ بإسلامه وأسلم على يديه في العام الثامن من الهجرة، ثم قصد المدينة المنورة وتعثر في طريقه بخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وقد قصدا المدينة للسبب ذاته، وعندما وصل ثلاثتهم أعلنوا إسلامهم، فما كان من رسول الله إلا أن قال ((إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها)).

ورغم تأخر عمرو بعض الشيء في إعلان إسلامه إلا إن إسلامه لم يكن كإسلام غيره إذ جاء بعد تدبر وتفكر وتروٍّ، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أسلم الناس وآمن عمرو بن العـاص))، ولا شك أن الإيمان مرتبة أكثر تقدماً وتعمقاً من الإسلام.

قصص دهاء عمرو بن العاص :

من قصص دهاء عمرو بن العاص ما يلي:-

1) عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل :

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يثق بعمرو بن العـاص لدهائه، وقد أمَّره على غزوة ذات السلاسل فمنع عمرو الجند من إشعال النيران ليلاً رغم برودة الجو، وعندما عادوا من الغزوة شكاه المسلمون للرسول فسأله عن سبب نهيه لهم عن إيقاد النار فأخبره أنه فعل ذلك لإرباك العدو حتى لا يعرف عدد المسلمين ولا يشعر بقلتهم ولا يستدل على مكانهم فينصب لهم الكمائن، حينها أبدى النبي إعجابه برأي عمرو وفطنته.

2) قصة داء قطاع الطرق :

يحكى أن عمراً كان يسير وحيداً قاصداً المدينة فتلقفته عصابة من قطاع الطرق وأرادوا سرقته وسفك دمه، لكنه استوقفهم وأخبرهم أنه مصاب بداء، فإن راق دمه مات مَن حوله، وأكد لهم أن هذا هو السبب الذي دفعه للسير وحده، ثم سألهم عن الرجل الذي أمسكه بيده فأخبروه بأنه زعيمهم، فرد قائلاً ((لا أبرح مكاني حتى يذهب معي، فقد مسه الداء))، هنا اقتنعوا بإصابة زعيمهم وتوجسوا منه خيفة ففروا هاربين، وانفرد عمرو بصاحبهم وانقض عليه فأرداه قتيلاً.

3) قصة حصن بابليون وفتح مصر :

يذكر أن قائد حصن بابليون الروماني استدعى عمراً للمفاوضة، وأعطى رجاله أمراً بإلقاء الصخرة عليه لدى خروجه من الحصن للتخلص منه، وعندما انتهى اللقاء بينهما وهم عمرو بالانصراف خارج الحصن لمح بفطنته ودهائه حركة مريبة بالأعلى فعاد أدراجه إلى الداخل دون أن يظهر عليه شيء وتصنع أنه تذكر شيء وأراد أن يعرضه على القائد، فأخبره أنه يقيم برفقة جماعة من أصحاب الرسول ممن يستشيرهم الخليفة في كل صغيرةٍ وكبيرة، وعرض عليه أن يأتيه بهم حتى يسمعوا منه كما سمع.

فسايره القائد الأحمق وانطلت عليه الحيلة وأشار على رجاله بتأجيل الخطة عندما يعودوا حتى يقضي على هذه النخبة كلها، لكن عمراً باغته صبيحة اليوم التالي بجيشه الذي دخل الحصن وفتح مصر.

4) قصة عمرو بن العاص ومعاوية وعلي والأشعري :

هناك قصة أخرى جرت بين عمرو بن العاص ومعاوية وعلي وأبي موسى الأشعري في حادثة التحكيم الشهيرة بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، إذ رأى أبو موسى الأشعري أن الخلاف بين علي ومعاوية بلغ نقطة حرجة فاقترح تنحية أطراف النزاع والبدء من جديد على أن يكون الأمر شورى بين المسلمين، وبالفعل اتفق الأشعري مع ابن العاص على أن يعلن كل منهما خبر تنحية صاحبه، وكان أبو موسى ممثلاً لعلي وعمرو بن العاص ممثلاً لمعاوية.

وفي اليوم التالي دعا أبو موسى عمراً لصعود المنبر والتحدث فأبى عمرو وأصر على ألا يتقدمه في الخطاب إذ إنه أكبر سناً وأكثر فضلاً وأقدم هجرة، فصعد الأشعري المنبر وأدلى بدلوه، وعندما حان دور عمرو صعد المنبر وقال ((أيها الناس، إن أبا موسى قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، ألا وإني قد خلعت صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية)).

قصص دهاء عمرو بن العاص

فضائل عمرو بن العاص في التاريخ الإسلامي :

لعمرو بن العاص فضائل كثيرة في التاريخ الإسلامي، فقد اعتمد عليه النبي عليه الصلاة والسلام في عدد من الغزوات وشهد معه فتح مكة وغزوة حنين وحصار الطائف ومشاهد أخرى، وبعد وفاته شارك في معركة اليرموك وأجنادين وغيرها من المعارك وكان ضمن القادة في حروب الردة في خلافة أبي بكر الصديق.

كما أرسله الفاروق إلى مصر فاتحاً ففتحها وفتح ما جاورها من دول الشمال الأفريقي مثل ليبيا والمغرب، بالإضافة إلى دوره في فتوح الشام وفتح بيت المقدس، وكان عمرو قائداً محنكاً شجاعاً شديد المحبة للإسلام مجتهداً في مسائل الشريعة، ومن فضائله أيضاً أنه كان جواداً كريماً حليماً حكيماً حيياً ورعاً.

ما هي أعمال عمرو بن العاص في مصر ؟

كان من أبرز أعمال عمرو بن العاص في مصر تخطيط مدينة الفسطاط وهي أول عاصمة مصرية إسلامية، بالإضافة إلى تدشين أول جامع في مصر والقارة الأفريقية وهو الجامع الذي عرف باسم مسجد عمرو بن العاص أو مسجد الفتح أو مسجد العتيق، كما أجرى عمرو العديد من الإصلاحات النيلية المتعلقة بالزراعة فاهتم بهندسة الري وأصلح الجسور وسد الترع وحفر الخلجان وأنشأ الطرق، ومن أعماله في مصر أيضاً إبطال عادة عروس النيل وتخفيف الكثير من الضرائب المفروضة على المصريين من قِبل الرومان.

حياة عمرو بن العاص الشخصية :

على مستوى الحياة الشخصية تزوج عمرو بن العـاص من ريطة بنت منبه وهي امرأته الأولى التي أنجب منها ابنه عبد الله، كما تزوج من خولة بنت حمزة التي أنجب منها ابنه الآخر محمد، أما زوجته الثالثة فهي أم كلثوم بنت عقبة وقد توفيت بعد شهر واحد من زواجه منها، وذكر البعض أنه تزوج أيضاً من عاتكة بنت زيد فيما نفى ذلك آخرون.