أبي الدرداء | العالم النابغة والقاضي القدوة

أبي الدرداء

أبي الدرداء العلامة المُتفكر والجهبذ المُتذكر، صاحب العقل الرزين والفكر المستنير، فَقِهَ المُنعم والنعماء، قَنِعَ بالسراء والضراء، عشق الزهد وتُيم بالعبادة وفارق التجارة، كتب الوحي وحفظ القرآن، فتمتع بسيرة عطرة ومسيرة خالدة فكان خير مثال يحتذي به الأجيال.

أبو الدرداء | حكيم الأمة

نحن الآن في أشد الحاجة إلى النظر في سِيَر الصحابة والتابعين هؤلاء الماضين على الطريق الصحيح والنهج السليم الذين لم ينحرفوا أو يحيدوا عنه مقدار أُنملة، حتى بُشروا ببلاغ المنزلة ونيل الكرامة، هؤلاء الرجال الحقيقيين الذين نشروا الإسلام وأعلوا رايته في كل مكان وصدقوا العهود وأوفوا بالوعود ومن بين أبرز رجال الصفوف الأُول من الأمة الإسلامية العابد العارف أبو الدرداء.

اسم أبو الدرداء بالكامل هو عويمرُ بن زيدِ بن قيسِ بن عيشةَ بنِ أميةَ بن مالكِ بنِ عامرةَ بن عديّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري، وكان يُكنى بـ أبي الدرداء ،عُرف برجاحة العقل واشتُهر بالزهد والعبادة وباتت أقواله مصباحا مُنيرا للباحثين ومنهجا عظيما للسالكين ولما لا وهو قد أخذ علمه عن خير مُعملي الدنيا النبي الأُمي سيدنا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

قد قيل إن أبي الدرداء كان غنيا ومن سادات المدينة وعمل بالتجارة قبل أن يعتنق الدين الحنيف، ولكن عندما من الله -سبحانه وتعالى- عليه بدخول الإسلام مالت نفسه إلى ترك التجارة من أجل أن يتفرغ للعبادة بكل جوارحه، فكان كثير الصيام لا يفوت قيام الليل، يتصدق بأغلى ما يملك وأكثر ما يحب، ويتسائل العديد من الناس عن سؤال لماذا سمي أبو الدرداء بهذا الاسم ؟، وفي سطور مقالنا سنُجيب عليه.

قصة دخول أبي الدرداء في الإسلام

لقد كان أبو الدرداء من آخر صحابة سيدنا محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنصار التحاقا بالإسلام، وقالت بعض الروايات والمصادر التاريخية إن قصة أبو الدرداء مع زوجته هى السبب وراء اعتناق حكيم الأمة الدين الحنيف، حيث كان أبو الدرداء يعبد أحد الأصنام وفي يوم من الأيام تعرض هذا الصنم للخرق والصدع على يد أخيه من أمه عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة اللذان سابقانه للإسلام.

عندما رجع أبو الدرداء إلى داره وجد الذي كان يقول عنه إلها مُحطما على الأرض وأخذ يجمع حطامه وارتفع صوته قائلا: (ويحك! هلاَّ امتنعت! ألا دافعت عن نفسك)، فجاءته الإجابة من زوجته الأولى أم الدرداء الكبرى قائلة له: (و كان ينفع أو يدفع عن أحد، دَفَع عن نفسه ونفعها).

اهتز قلب أبي الدرداء وانخلع فؤاده لتلك الكلمات، وأمر زوجته بأن تُعد له الماء حتى يغتسل، وما إن انتهى من استحمامه وارتدى ثيابه حتى أخذ في طريقه إلى المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وكان عبد الله ابن رواحة جالسا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لمح أخاه أبي الدرداء قادما فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا. فقال عليه الصلاة والسلام: «إنما جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم»، فأسلم أبو الدرداء وحسن إسلامه.

أثر تربية الحبيب في تنشئة حكيم الأمة

كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- المعلم الأول وصاحب التأثير الأكبر على أصحابه رضي الله عنهم جميعا، فكانوا النبتة الصالحة والتي تفرع منها أبو الدرداء بكل تأكيد، فأخذ يحفظ عن ظهر قلب ما يقوله النبي العدنان -عليه الصلاة والسلام- ويوصيه به، ويُطبق أوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحذافيرها.

كانت وصايا الرسول الأمين لـ أبي الدرداء تُجلب عليه حسن ثواب الدنيا والأخيرة، فكان همه مشغولا بالآخرة ولا يريد أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فجاء في صحيح الامام مسلم عن أبي الدرداء أنه قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر).

مناقب أبي الدرداء وفضائله

بعد أن اعتنق أبو الدرداء الإسلام نال منزلة عالية ومكانة مرموقة بين الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم أجميعن، قد زاد بناء الإسلام لبنة قوية بدخول حكيم الأمة الدين الإسلامي، فكان شجاعا مقدما وشارك في صفوف المسلمين في الكثير من الغزوات بداية من غزوة احد التي دافع فيها بكل بسالة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حتى قال عنه الحبيب -عليه الصلاة والسلام-: (نعم الفارس عويمر)، ولم يتخلف عن أي غزوة شارك فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

كان أبو الدرداء من الناس الذين حباهم الله -عز وجل- بحفظ القرآن الكريم، فامتلأ به قلبه قبل عقله، وقد نال شرف تجميع كتاب الله كله في عهد المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، فقد جاء عن البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ)، واستحق أبو الدرداء أن يكون من أعلم الأنام بالقرآن.

من ضمن مناقب أبي الدرداء العديدة اشتغاله بالعبادة والجهاد والتضحية بروحه في سبيل الله -عز وجل- وتعليم الناس القرآن الكريم وتفقيههم في أمور الدين ومنحهم خلاصة مسيرة حياته من المواعظ والإرشادات والتجارب التي تساعدهم في العبادة بشكل خاص وأمور الحياة بصورة عامة، وقال سيدنا محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أبي الدرداء : (هو حكيم أمتي)، وقد قيل إن أبي الدرداء هو أول من ابتكر حلقات تحفيظ القرآن.

مناقب أبي الدرداء

مناقب أبي الدرداء

تقلد منصب القضاء في بلاد الشام

في عهد الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بدأ الإسلام ينتشر في سائر البلدان ولم تكن بلاد الشام استثناء، فعندما تم فتح بلاد الشام بعث خليفة المسلمين عمر بن الخطاب حكيم الأمة أبا الدرداء إليها وذلك لكي يُعلم الناس أمور الدين الحنيف وأصول الفقه العفيف وسنة النبي الشريف، وكان خير ما يُعتمد عليه في ذلك الأمر.

ظل أبي الدرداء في بلاد الشام حتى أنه في عهد عثمان بن عفان خليفة المسلمين آنذاك تمت توليته قاضيا على دمشق وكان أول من يتقلد هذا المنصب فيها، ولم يغادر بلاد الشام طوال حياته حتى بعد مماته احتضنت أراضيها جثمانه، فكان نعم الحكيم ونعم القاضي ونعم الرجل.

حكيم الأمة في السنة النبوية

تطول القائمة التي تضم عدد الصحابة الذين رووا الحديث عن الحبيب المصطفى سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-، وقد قيل إن أبي الدرداء واحد من هؤلاء الرواة الذين رووا الأحاديث الشريفة عن النبي بشكل مباشر، كما روى أيضا عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-.

قد وقيل في المصادر التاريخية إن عدد الأحاديث النبوية التي رواها أبو الدرداء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصلت إلى ما يقارب مائة وتسعة وسبعين حديثا ومنهم ما جاء في الصحيحين؛ ثمانية في صحيح الإمام مسلم وثلاثة في صحيح الإمام البخاري ، وروى العديد من صفوة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين عن أبي الدرداء ومن أمثالهم؛ أنس بن مالك، عبد الله بن عمرو بن العاص، عبد الله بن عباس رضوان الله عليهم أجمعين وغيرهم الكثير والكثير.

رواية الحديث على لسان أبي الدرداء

قد أتى ذكر أبي الدرداء فيما صح من أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في مواضع عديدة ومن هذه الأحاديث؛ حديث أبي الدرداء عن قيمة العلم والعلماء ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء……).

يمكنك عزيزي القارئ بواسطة كتاب شرح حديث أبي الدرداء ابن رجب pdf معرفة المزيد من التفاصيل الدقيقة والمعلومات القيمة عن هذا الحديث.

صحة حديث دعاء ابي الدرداء

يتساءل العديد من الأشخاص عن مدى صحة وسلامة دعاء ابي الدرداء ، فكان أبو الدرداء دائما لسانه عامرا بذكر -الله عز وجل- ومُتضرعا إلى الله ويدعوه بأن يحفظه ويبعد عنه الأذى فكان يقول إنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهمَّ أنت ربي لا إلَهَ إلا أنت عليك توكلتُ وأنت ربُّ العرشِ العظيمِ، ما شاء اللهُ كان، وما لم يشأ لم يكنْ، لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ، أعلمُ أنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّ اللهَ قد أحاطَ بكلِّ شيءٍ علمًا، اللهمَّ إني أعوذُ بك من شرِّ نفسي، ومن شرِّ كلِّ دابةٍ أنت آخذٌ بناصيَتِها، إنَّ ربي على صراطٍ مستقيمٍ).

ويجب التنويه إلى أن حديث دعاء ابي الدرداء يعد واحدا من الأحاديث الغريبة أو الضعيفة التي لا يوجد لها مرجع أو إسناد، ولكن الأخذ بهذا الحديث مع ضعفه والإكثار من ترديده لا مانع فيه من الناحية الشرعية، فالمغذى والمضمون من الحديث سليم ومتوافق مع الشريعة، كما يوجد أحاديث نبوية أخرى قوية الإسناد تتشارك معه في المضمون ولكن بصيغ ثانية.

لا يُناقض دعاء ابي الدرداء أي نصوص شرعية أخرى، فهو ينبثق من عبادة الدعاء التي هي من فضائل الأعمال، ويعد من أحد الأذكار ولا ينطوي عليه أحكام شرعية مثل الحرام والحلال، لذلك من الجائز التضرع إلى المولى -عز وجل- به.

وفاة أبو الدرداء

لم تذكر المصادر التاريخية في أي عام قد حدثت وفاة أبو الدرداء ولكن توجد بعض الروايات التي تقول إن روح حكيم الأمة أبي الدرداء انتقلت إلى الرفيق الأعلى في عام 32 هجريا، وفي روايات أخرى قيل إنه توفي وفارق الحياة في سنة 31 هجريا في عهد ثالث الخلفاء الراشدين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه-.

رحل أبو الدرداء عن الدنيا وظل إرثه باقيا وسيرته عطرة وبقيت أقواله وأفعاله علامة ناصعة في جبين التاريخ، فكانت حياة أبي الدرداء إحدى أجمل الذكريات التي دونتها سجلات الإسلام، وبالرغم من أن أبي الدرداء لم يكن من أوائل الداخلين في الإسلام ولكن وقاره وثقل تكفيره وحكمته البالغة أشياء جعلته يستحق ما آل إليه.

في أي مكان دُفن أبو الدرداء؟

عندما فاضت روح أبي الدرداء إلى بارئها كان موجودا آنذاك في بلاد الشام، ولذلك تم دفنه في إحدى مدنها ألا وهي مدينة دمشق.

من هو الصحابي الذي آخى الرسول بينه وبين أبي الدرداء؟

عند هجرة المسلمين من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة آخى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، وكان سلمان الفارسي أخا لأبي الدرداء في الإسلام وعاشا معا في بيت واحد.

لماذا سمي أبو الدرداء بهذا الاسم ؟

أُطلق على أبي الدرداء هذا اللقب نسبة لعلمه الواسع وفقه الكبير والمُتشعب، فاشتُهر بالفطنة وسداد الرأي ورجاحة العقل حتى من قبل أن يعتنق الدين الحنيف، وما إن دخل الإسلام سرعان ما تفقه فيه وصار أحد فقهائه العظماء وعمل بوظيفة القضاء في بلاد الشام.

ما أشهر أقوال أبي الدرداء؟

(إذا تغيّر أخوك، وحال عمّا كان عليـه، فلا تدعه لأجلِ ذلك؛ فإنّ أخاك يعوجُّ مرةً وَيستقِيم مرّة)، (من شاور ذوي العقول، استضاء بأنوار العقول).

مواضيع ذات صلة

شجرة الدرشجرة الدر | جارية شاء القدر أن تصبح سلطانة مصر

مالك بن نويرةمالك بن نويرة | سيرته ومقتله في الإسلام