الزنا | إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً

الزنا

يقول الله عز وجل في الآية الثانية والثلاثين من سورة الإسراء ((وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً))، لم ينهنا عن الزنا فحسب، ولم يكتفِ بإخبارنا أنه من المحرمات، بل حذرنا من مقاربته أي مخالطة أسبابه ودواعيه فقال ((وَلَا تَقْرَبُوا))، لماذا؟ لأنه فعل بالغ القبح، وبئس الطريق طريق مَن تجرأ على هذا الفعل المقيت المستقبح والذنب العظيم الجالب للعار، ((إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)).

ما هو مفهوم الزنا ؟

يشير مصطلح الزنا في اللغة العربية إلى عدة معانٍ أبرزها الضيق، والدخول، والبغي، والرقي على الشيء، وكلمة الزنا مصدر للفعل زنى، فيما يشير هذا المصطلح في العقيدة الإسلامية إلى وطء الرجل للمرأة الأجنبية دون برم عقد شرعي، أو مضاجعة الرجل لامرأة لا تحل له في القبل، أو وطء مسلم مكلف فرج آدمي لا ملك فيه باتفاق، أو فعل يجتمع عليه آدميان رجل وامرأة بغير شبهة عقد صحيح فيلتقي الختانان بإيلاج الفرج بالفرج.

ما أنواع الزنا ؟

1) الزنا الأكبر :

الزنا الأكبر هو أبرز أنواع الزنا وهو النوع المقصود في معظم الأحكام المتعلقة بالزنا كما أنه النوع الذي يوجب الحد سواء الجلد مائة جلدة أو الرجم حتى الموت، ويقصد به إدخال الحشفة في فرج محرم – أي بدون عقد شرعي – مع وجود الشهوة وانتفاء الشبهة، ويطلق على هذا النوع اسم الزنا الحقيقي، وهو من كبائر الذنوب.

2) الزنا الاصغر :

جاء ذكر الزنا الاصغر في حديث النبي عليه الصلاة والسلام ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه))، إذ يقصد به النظر إلى الحرام والاستماع إلى الحرام والكلام في الحرام واللمس الحرام والمشي إلى الحرام واشتهاء الحرام، ويطلق على هذا النوع اسم الزنا المجازي لأنه يفضي إلى الوقوع في الزنا الحقيقي، وهو محرم لكن لا يترتب عليه الحد.

الزنـا الإلكتروني :

يعد الزنا الإلكتروني من الصور المعاصرة للزنا الأصغر، وهو محرم وإن لم يترتب عليه الحد، ومن صوره إطلاق البصر والنظر إلى العورات عبر شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى التحدث مع الرجل الأجنبي أو المرأة الأجنبية عن طريق المراسلة أو المكالمة، فضلاً عن زيارة المواقع الإباحية وما إلى ذلك، يقول الله عز وجل في الآية الثلاثين من سورة النور ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ)).

ما هي عقوبة الزنا في الدنيا ؟

حددت الشريعة الإسلامية عقوبة الزنا في الدنيا بناءً على حال الزاني أو الزانية، فرتبت حد الجلد على مرتكب هذا الفعل من الرجال أو النساء الذين لم يسبق لهم الزواج، فيجلد الزناة غير المحصنين مائة جلدة أمام الشهود ردعاً وتعزيراً من غير إحداث ضرر، وهو ما وضحه الله عز وجل في الآية الثانية من سورة النور ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)).

أما الزناة المحصنين رجالاً كانوا أو نساءً فقد رتبت الشريعة عليهم حد الرجم حتى الموت، لأن الإحصان يفترض به أن يصرف الفرد عن التفكير في الزنا، وارتكابه لهذا الفعل مع كونه محصناً يعني قوة اشتهائه للذة المحرمة وإصراره عليها وشدة اندفاعه لها، فناسبت هذه العقوبة الشديدة هذا الفعل الشنيع، ليغلب التفكير في الألم المترتب على الفاحشة التفكير في اللذة المصاحبة لها، ويدل على هذا الحديث النبوي الثابت في صحيح البخاري ((واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها فاعترفت فرجمها)).

يقول ابن القيم رحمه الله ((شرع في حق الزاني المحصن القتل بالحجارة ليصل الألم إلى جميع بدنه حيث وصلت إليه اللذة بالحرام)).

أنواع الزنا

أنواع الزنا

الحكمة من مشروعية حد الجلد والرجم :

أولاً:- شرع حد الجلد والرجم للتكفير عن مرتكبي الفواحش، فذنب الفاحشة عظيم ولا بد أن تكون عقوبته قاسية لأن عذاب الدنيا مهما اشتد وبلغت قسوته فلن يكون بحجم عذاب الآخرة.

ثانياً:- شرعت هذه الحدود حتى تكون رادعاً لكل مَن تسول له نفسه الإقدام على هذه الفاحشة، فرؤية الناس يجلدون ويرجمون يبعث في الناس خوفاً يحول دون تجرئهم على ارتكاب الفاحشة، ومَن لم يبالِ بالعقوبة فقد استحقها لتطهيره وتطهير المجتمع من شره.

ثالثاً:- إقامة حد الزنا يساهم في حفظ أعراض الناس وأنسابهم، كما يساهم في نشر الأمن والأمان والفضيلة والطهر في البلاد.

وقد قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ((لا يجوز استبدال الرجم بالقتل بالسيف، أو إطلاق النار عليه؛ لأن الرجم أشد نكالاً وتغليظاً وردعاً عن فاحشة الزنـا الذي هو أعظم ذنب بعد الشرك وقتل النفس التي حرم الله))، وعندما أصبح السجن اليوم عقوبة للزنـا وفق ما تقره معظم القوانين الوضعية شاع الفساد وانتشرت الفواحش، لأنها عقوبة واهية لا تمس دواعي الفاحشة في النفس.

المفاسد المترتبة على انتشار الزنـا :

لا يَحرم الآباء والأمهات أبناءهم شيئاً إلا حرصاً على مصالحهم التي قد يهددها هذا الشيء، ولا يشددوا الحذر عليهم من أمر إلا حمايةً لهم من عواقبه الوخيمة التي قد تعود عليهم بالوبال، كذلك الله عز وجل – ((وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ)) -، لا يُحرم شيئاً على عباده إلا رحمة بهم وخوفاً عليهم، لا ينهاهم عن فعل إلا حمايةً لهم من الشر الذي قد يجره لهم هذا الفعل، ولا يحذرهم من أمر إلا كان هذا الأمر مهدداً لمصالحهم الدنيوية والأخروية.

ولأن الزنا ((فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً))، ولأنه يمثل تهديداً مباشراً لـ الضروريات الخمس التي حرصت الشريعة الإسلامية على صيانتها ومنها العِرض والنسل، حرمه الدين وجرمته كل الشرائع السماوية، حيث تترتب عليه العديد من المفاسد العظيمة التي يتجلى أبرزها فيما يلي:-

1) خلط الأنساب، إذ ينسب الأبناء إلى آباء غير آبائهم ويمضون حاملين أسماء غير حقيقية طوال حياتهم.

2) إعاقة التكاثر البشري حيث إن الزناة لا يعبئون إلا بإشباع غرائزهم ولا يولون اهتماماً للإنجاب والاستقرار وتحمل المسئولية.

3) ارتباط الزنـا بالعديد من الرذائل التي قادت إليه ومهدت لحدوثه، بجانب ارتباطه بالتفكك الأسري وقطيعة الأرحام وغيرها من الأمور التي تسرع بانهيار المجتمعات.

4) الافتقار إلى الاستقرار النفسي والراحة النفسية التي أشار الله لها بقوله ((لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا))، فالزاني مشتت بين هذه وتلك، والزانية مشتتة بين هذا وذاك، مما يعظم الشعور بالهم والحزن والحيرة والضياع.

5) تفشي الأمراض الجنسية الخطيرة مثل مرض الزهري والإيدز والسيلان والهربس وغير ذلك.

ما هي المقدمات المقصودة في (وَلا تَقْرَبُوا)) ؟

لم يحذرنا الله عز وجل من ارتكاب الزنا فحسب بل حذرنا من كل المقدمات التي تقود إليه فقال ((وَلا تَقْرَبُوا))، وهو تعبير أكثر بلاغة وشمولية من قول ((لا تزنوا))، لأن عدم الاقتراب يضمن تجنب خطر المقدمات الباعثة على الوقوع في الفاحشة، كمغازلة النساء والتعرض لهن والخلوة غير الشرعية بالرجل الأجنبي أو المرأة الأجنبية، إضافة إلى التبرج والخضوع بالقول وإطلاق النظر والغمز واللمس والتقبيل وما إلى ذلك.

عقوبة الزنا في الدنيا

عقوبة الزنا في الدنيا

مكافحة الزنـا :

تنبغي مكافحة الزنا كما تكافَح الأوبئة، ولا يتم ذلك إلا بتأسيس مجتمعات أخلاقية تقوم على دعائم الدين التي تحث على الفضائل وتندد بالرذائل، وتثبت هذه الدعائم من قِبل الأفراد المسئولين، كل في مكانه، الآباء والأمهات في المنازل، المعلمون في المدارس، رجال الدين على المنابر، وولي الأمر في الدولة، عملاً بحديث النبي كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وذلك من خلال التوعية بمخاطر هذه الآفة والتحذير من عواقبها النفسية والاجتماعية.

ومن أهم سبل مكافحة آفة الزنـا الحرص على تطبيق الحدود الشرعية الرادعة، فَـ ((مَن أمن العقوبة أساء الأدب))، إلى جانب ترغيب الشباب في الزواج لوقايتهم من الانحرافات السلوكية المفضية إلى الوقوع في براثن الفواحش، ويتم ذلك من خلال تسهيل متطلبات الزواج وتيسير المهور والعمل بوصايا النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الصدد كقوله ((إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخلقه فَزوجوه))، وقوله ((فاظفر بذات الدين تربت يداك))، فإن تعذر فالصوم وجاء.

حكم خيانة الزوج لزوجته بالزنا :

لا شك أن حكم خيانة الزوج لزوجته بالزنا هو التحريم، فالخيانة بشكل عام منهي عنها في الإسلام لقول الله عز وجل في الآية الثامنة والثلاثين من سورة الحج ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ))، وقوله في الآية الثامنة والخمسين من سورة الأنفال ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ))، ويشتد الأمر إذا كانت الخيانة بالزنا سواء الزنـا الحقيقي أو المجازي.

أما عن حكم الاستمرار مع الزوج الزاني فالأولى مفارقته عملاً بالقاعدة الفقهية ((لا ضرر ولا ضرار)) لأن معاشرته تتسبب في نقل الأمراض، كما أنه لا خير في البقاء مع رجل زان خان الله قبل أن يخون زوجته، ولا بأس بالصبر والتحاور والتذكير بالله والتخويف من عقاب الله قبل عقد العزم على المفارقة.

ما الفرق بين مستحل الزنـا ومرتكب الزنـا ؟

مستحل الزنا هو مَن يقول أن الزنـا حلال شرعاً وينكر حرمانيته ويكذب النصوص الواردة في هذا الشأن، فهذا كافر حتى وإن لم يرتكب فاحشة الزنا، أما مرتكب الزنا فهو مَن يأتي بهذه الفاحشة وهو مقر بأنه عاصٍ وموقن بأنه فعل حراماً لكن غلبه الهوى، فهذا مسلم مذنب إن تاب تاب الله عليه وإن لم يتب فهو تحت مشيئة الله.

يقول ابن تيمية ((إن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة، هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافربالاتفاق))، وقد اتفق أهل العلم على أن إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة كفر صريح مخرج من الملة.

ما الحالات التي يجوز فيها الزنـا ؟

لا توجد أي حالة تبيح ارتكاب هذه الفاحشة الشنيعة، ومن الهراء الاستدلال بقاعدة ((الضرورات تبيح المحظورات)) إذ إن الحاجة إلى الشهوة ليست من الضرورات التي تتسبب في هلاك الفرد كالحاجة إلى الطعام أو الشراب، فشهوة الفرج يمكن كبحها والسيطرة عليها، لذا لا اضطرار في الزنا، ولا ضرورة تبيحه.

ما هي كفارة الزنا ؟

كفارة الزنا هي التوبة النصوح والإكثار من الاستغفار والاستزادة من الأعمال الصالحة، وعلى المسلم أن يستر نفسه إذا ستره الله بعد اقتراف الخطيئة.

متى يتحقق الزنا ؟

يتساءل البعض متى يتحقق الزنا الموجب للحد والإجابة هي أن تحقق هذه الفاحشة يكون بتعمد الإيلاج من خلال الإرادة والسعي مع الإحاطة بالحكم والعقوبة، كما يتحقق بالوطء في القبل أي إدخال حشفة الذكر في فرج الأنثى، فإذا اجتمع الشرطان تحقق الزنـا وإن انتقض أحدهما لم يتحقق.

هل الحضن يعتبر من الزنا ؟

من الأسئلة المتداولة هل الحضن يعتبر من الزنا والإجابة هي أن التقبيل واللمس والعناق من الزنا المجازي الذي لا يوجب الحد، لكنه من المحرمات والمقدمات المفضية إلى الزنا الحقيقي الموجب للحد.

ما الفرق بين الزنا والتفخيذ ؟

الفرق بين الزنا والتفخيذ هو أن الزنـا إدخال حشفة الذكر في فرج الأنثى، بيد أن التفخيذ هو إدخال الذكر بين فخذي الأنثى دون إدخال الحشفة في القبل.

مواضيع ذات صلة

دعاء لزوجي المسافرما هو أفضل دعاء لزوجي المسافر ؟

كفارة المجلسحكم كفارة المجلس في الإسلام