انيس منصور | صاحب النظرة الفلسفية الفريدة

النظرة العميقة إلى الحياة تكلفنا راحة كان من الممكن الحصول عليها إذا تركنا كل شيئًا للقدر، فمن يرى الأمور بنظرة فلسفية بحتة وعيون تحب رؤية الحقيقة وقلب يشعر بكل ما يحيط به لا يقدر على حجب قلمه عن كتابة أفراحه وأحزانه، وانطلاقًا من نقطة المعرفة ووصولًا إلى حيث تكمن المتعة والفلسفة استطاع انيس منصور إيصال العديد من الأفكار بكتاباته الشيقة وأقواله الرائعة التي لمست مكانًا في قلب كل قارئ كان له شرف قراءة كتب انيس منصور ، فإذا كنت من عشاق التميز أنصحك بقراءة مؤلفات انيس منصور ولا تنس ان تروي ظمأ فؤادك بالاطلاع على أبيات شعر أبو تمام الطائي.

من هو انيس منصور ؟

مولده:

ولد الكاتب الكبير انيس منصور يوم الثامن من شهر أغسطس عام 1924 في إحدى قرى محافظة الدقهلية الواقعة شرق الدلتا وبالتحديد في مدينة المنصورة وقضى فيها المراحل التعليمية الأولى من عمره، حيث كانت حياته بسيطة ومليئة بالمغامرات والقصص التي ذَكر بعضًا منها في مؤلفاته فيما بعد، وكانت لها الفضل في تكوين شخصية أنيس منصور صاحب المغامرة في الفكر والمولع بالقراءة والأدب.

دراسته:

نشأ الكاتب والأديب والفيلسوف المصري انيس منصور على حب القراءة والأدب مما دفعه إلى حفظ القرآن الكريم في سن التاسعة عن ظهر قلب وحكى هذا في كتابه “عاشوا في حياتي”، واستكمل المرحلة الثانوية في مدينة المنصورة والتي أظهر فيها تفوقه ونباهته وتفكيره السليم والمنطقي حتى صار الأول على الجمهورية.

تميز انيس بشخصية فريدة وطابع خاص ومستقبل باهر منذ نعومة أظافره، لتبدأ رحلة بحثه عن الأدب والعلم والفلسفة التي اتخذها منهجًا يسير عليه عن طريق دراستها في جامعة القاهرة كلية الآداب، وظهر تفوقه فيها وحبه الشديد لها فحصل على ليسانس الآداب سنة 1947 م، وعُين أستاذ لقسم الفلسفة في جامعة عين شمس فترة من عمره خلال المدة بين 1954 م إلى 1963 م.

حياته:

كان شغف انيس منصور في فترة من حياته شراء الكتب وقراءتها إلى جانب دراسة الفلسفة التي أخذت حيزًا كبيرًا من حياته ووقته، وفي تلك الأثناء تفرغ للكتابة الصحفية في بعض المؤسسات المصرية مثل جريدة أخبار اليوم التي احتضنته وتتلمذ فيها على يد مصطفى وعلي أمين.

ثم انتقل إلى جريدة الأهرام في شهر مايو عام 1950 م وبعدها ترك العمل الصحفي فترة وسافر إلى أوروبا مع كامل الشناوي، ثم تغيرت نظرته إلى الأدب والكتابة عندما حضر صالون عباس محمود العقاد الذي كان له الفضل في إظهار الشخصية المميزة التي نكتب عنها اليوم.

تناول انيس منصور مشاكل جيله ومعاناته وقلقه وخوفه ومشاعره وآرائه في مواجهة عمالقة الأدب مثل طه حسين و توفيق الحكيم وسلامة موسى وغيرهم من أعلام الثقافة في مصر في كتابه “صالون العقاد كانت لنا أيام”، وكانت حياته تحمل له المفاجآت والمغامرات التي اتخذها مسارًا استطاع من خلاله أن يكون معروفًا ومشهورًا بثقافته وتفكيره المميز.

الأعمال الكاملة أنيس منصور :

اشتهر الكاتب المميز انيس بالكتابة الأدبية والفلسفية التي أبحر فيها بقلمه ليعبر عما يشعر به من أفكار زعزعتها الفلسفة بداخله، فخرج من مكنونه العديد من الأعمال الأدبية المميزة والرائعة التي ظلت حية رغم موت صاحبها، وخلال السطور سوف نتعرف على أشهر مؤلفات أنيس منصور في عالم الأدب والفلسفة كالتالي:

أولًا: انيس منصور الذين هبطوا من السماء

يعتبر هذا الكتاب من أفضل كتب أنيس منصور الذي كان الأول من نوعه في اللغة العربية، حيث يتناول هذا الكتاب العديد من القضايا المثيرة والشيقة لأول مرة في لغتنا العظيمة من خلال رحلة تاريخية فلكية جغرافية بقلم انيس منصور الذي يؤمن بأن هناك حضارات أخرى كانت موجودة على الأرض بلغت من العزة ثم اختفت لأسباب لا يعرفها أحد، وأن الحضارة الإنسانية ليست الحضارة الوحيدة التي جاءت على الأرض.

ومن القضايا المثيرة التي تداولها الكاتب أن الإنسان ليس وحده الكائن الذكي والعاقل في الكون وأن هناك كائنات أكثر ذكاءً منه على كواكب أخرى كثيرة، ويؤكد بأن هذه الكائنات جاءت إلى الأرض فعلمت الإنسان وحذرته ثم اختفت بعد أن تركت آثارها في جنوب فرنسا وإنجلترا وروسيا وغيرها من المناطق المختلفة في العالم.

يثير هذا الكتاب نوعًا من الغموض والتشويق من خلال قضاياه الغريبة والمثيرة، فنجد الكاتب يأخذ القارئ إلى فكرة أن الإنسان في الأصل قرد وآدم وحواء هاجروا من كواكب أخرى إلى كوكبنا مثلما يهاجر الإنسان العادي من دولة إلى أخرى.

انيس-منصور

ثانيًا: ساعات بلا عقارب

يعرف انيس منصور أهمية الوقت جيدًا ولكن يتجاهله عندما يبدأ في القراءة أو الكتابة ويذكر في هذا الكتاب أن هناك ساعات بلا عقارب ويقضي فيها الإنسان أجمل لحظات عمره، فعن طريق هذا الكتاب يعرفنا الكاتب نوع خاص من البوصلات موضحًا أن الساعات التي يستغلها الإنسان في فعل الأشياء التي يحبها تعني له الكثير وكسب فيها نفسه، وتستطيع من خلال هذا الكتاب استخراج أنيس منصور اقتباسات ومشاركتها مع أصدقائك.

ولما سُئل أحد الرواة الإيطاليين ما هي أجمل ساعات العمر؟ قال: أوقات لا أشعر فيها بالزمن، وعليه وصف عميد الأدب العربي طه حسين  الكاتب أنيس بأكبر قارئ في العالم العربي.

ثالثًا: في صالون العقاد كانت لنا أيام

استطاع الكاتب انيس منصور ترجمة المواقف التي رآها في صالون العقاد الجامع لكل أشكال المبادئ والأفكار، فكان الأستاذ عباس العقاد الكاتب الكبير هو الوجهة الصحيحة والهدف لكل جيل أنيس منصور وبداية معرفتهم بالأدب ونهاية الحيرة التي عاشها هذا الجيل، وفي صالون العقاد تجد كل العقول والضمائر وكل المعارك.

ونتيجة لكل هذا التنوع والاختلاف خرج مؤلفنا بكتاب تحت مسمى “أنيس منصور على ضوء العقاد” الذي يضمن لك بمجرد قراءته تحقيق المتعة التي ليس لها نهاية، حيث يعد هذا العمل من مؤلفات انيس منصور التي حازت على إعجاب الكثير من القراء في العالم العربي.

رابعًا: كتاب حول العالم في 200 يوم

عبر انيس منصور عن إعجابه بعادات وتقاليد العديد من دول العالم من خلال كتابه المميز “حول العالم في 200 يوم”، فعرض في هذا الكتاب معلومات عن دول جنوب شرق آسيا مثل الهند وسنغافورة واليابان والفلبين وغيرها من الدول الآسيوية بأسلوب أدبي فريد، وذكر فيه عن اللؤلؤ المستزرع خلال رحلته إلى اليابان.

ووضح اعتزازه وفخره بكونه أول صحفي في العالم استطاع أجرى مقابلة مع رئيس دولة التبت (الحائز على جائزة نوبل للسلام) وتمكن من أخذ صورة تجدها في أحد صفحات الكتاب وتحديدًا الصفحة 106، وتعتبر أول صورة يراها العالم لهذا الرئيس ونشرت في جريدة أخبار اليوم بجمهورية مصر العربية.

كتابات أنيس منصور :

تغلغل حب الأدب والعلم والفلسفة في قلب الكاتب المخضرم أنيس منصور فصار شغله الشاغل وطريقه الذي يرغب أن يستمر فيه، فكتب في كل المجالات حتى تجاوزت مؤلفاته 200 كتاب تحت عناوين مميزة تجذب انتباه القارئ وتجعله شغوفًا لقراءتها، ومن المجالات التي تناولها المعارف والفنون والمرأة والتاريخ والسياسة وغيرها من المجالات المتنوعة.

فعبر عن نظرته الفلسفية للحياة بقلمه الذي لم يتركه حتى وهو يحتضر على فراش الموت، وذلك لرغبته في توصيل رسالته إلى النهاية وتشكيل جيل مثقف من شبابنا العربي الواعد على  أقوال أنيس منصور ، وتمكن بروح شغوفة وفكر فريد من تعلم العديد من اللغات مثل الإنجليزية والألمانية والإيطالية ليستخدمها في ترجمة الكتب الأخرى إلى العربية، حتى يتمكن كل قارئ عربي من الاطلاع على الثقافات المختلفة.

وفاة انيس منصور :

شهد يوم الجمعة الموافق 21 من شهر أكتوبر عام 2011 م موت واحد من أهم الكُتاب الذين مروا على تاريخ البشرية من أمثال يوسف السباعي الذي جمع بين الرقة والقسوة في كتاباته ألا وهو الرائع “ انيس منصور ” بعد معاناته الطويلة مع مرض الالتهاب الرئوي الحاد وشرخ في فقرات الظهر  أدى إلى تدهور حالته الصحية، فبقي قعيد الفراش حريصًا على استكمال مذكراته قبل أن تخرج روحه، فرحل وترك روايات انيس منصور الفريدة من نوعها حكمة وعبرة من كاتب عاصر عمالقة الأدب العربي.