رفاعة الطهطاوي | رائد التنوير وإمام المثقفين

رفاعة الطهطاوي

لم يكن بالشخص الذي يستسلم للظروف أو يقف عاجزًا أمام العقبات، بل كان الرجل الذي تمكن من فعل المستحيل فقد ثقف نفسه بنفسه حتى أصبح إمامًا للمثقفين، وذهب إلى فرنسا ليكون إمامًا للبعثة فعاد رائدًا للتنوير، ولقد وهب حياته كلها للعلم ولخدمة وطنه فصار في مقدمة من صنعوا الحضارة للمصريين، إنه رفاعة الطهطاوي الذي كتُب اسمه من ذهب في تاريخ مصر العريق.

نبذة عن رفاعة الطهطاوي

يعد رفاعة الطهطاوي إمامًا من أئمة العلم والثقافة في العصر الحديث لمصر، وقد ولد في 15 أكتوبر عام 1801 م في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج،  ويدعى رفاعة بك بن بدوي بن علي بن محمد بن علي بن رافع، وقد انتقل مع والده إلى القاهرة بسبب ضيق الحال.

وقد ترعرع في أسرة تحب العلم والعلماء حيث يوجد بها الكثير من القضاة ورجال الدين، وهذا أثر عليه بشكل إيجابي فقد وجد عناية كبيرة من أسرته وخاصة أباه الذي حثه على حفظ القرآن الكريم فحفظه وأتقنه.

ولكنها عادة الحياة تأخذ كل ما هو عزيز، فقد انتقل والده إلى رحمة الله مما أدى إلى حزنه وعودته مرة ثانية إلى طهطا، وهناك وجد الرعاية التي افتقدها بسبب موت أبيه من أخواله الذين كانوا يتمتعون بالعلم، فحفظ منهم المتون التي كانت منتشرة في زمانه.

التحاقه بالأزهر الشريف:

بعد أن تأكد أخواله من دراسته لبعض الفقه والنحو ألحقوه بالأزهر الشريف وهو في عمر 16، وقد استطاع أن يساير الطلاب الذين لحقوه في الدراسة بسبب ما حصله من علم بواسطة أخواله.

كانت دراسته في الأزهر الشريف في علوم الحديث والفقه والتصوف والتفسير بالإضافة إلى الصرف والنحو وغيرها من العلوم، وقد تلقى دراستها على يد شيوخ أجلاء منهم الشيخ حسن القويسني، الشيخ حسن العطار، الشيخ إبراهيم البيجوري.

ولكن علاقة رفاعة الطهطاوي كانت شديد الصلة بالشيخ حسن العطار، وذلك لما تميز به هذا الشيخ من رجاحة العقل وسعة الفكر، ونظرته المتطورة تجاه العلوم المختلفة مثل الطب والجغرافيا والتاريخ، فتأثر الطهطاوي به وانعكس ذلك على تفكيره هو الآخر، بالإضافة إلى أن هذا الشيخ كان له الفضل في تزكية الطهطاوي عند “محمد علي” والي مصر لكي يسافر إلى فرنسا، وكانت هذه الرحلة بمثابة النور الذي أضاء فكر الطهطاوي بعد ذلك.

السفر إلى فرنسا:

ظهر رفاعة الطهطاوي في وقت تسعى فيه مصر إلى تحقيق نهضة في كل مجالات الحياة وعلى رأسها النهضة العلمية التي أولى لها محمد علي اهتمامًا كبيرًا، وبدأت هذه النهضة عن طريق إرساله لبعض البعثات العلمية إلى عدد من الدول وخاصة فرنسا، وذلك للاستفادة من تقدم هذه الدول ونقل خبراتها العلمية والعملية إلى مصر.

ومن أجل حرص محمد علي على هذه البعثات والرغبة في حمايتهم من الانخراط داخل المجتمعات الغربية بشكل لا يتناسب مع الثقافة المصرية، فقد قرر أن يرسل معهم 3 من علماء الأزهر الشريف لوعظهم وإمامتهم في الصلاة، وكان رفاعة الطهطاوي أحد علماء الأزهر الذين تم اختيارهم.

سافر رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا وهو مفعم بالأمل والرغبة الحقيقية في التعلم، فبجانب كونه إمامًا للبعثة تمكن من دراسة اللغة الفرنسية بواسطة معلم فرنسي كان يعطيه المال من مصروفه الشخصي.

ومن الجدير بالذكر بأن فرنسا كانت أكثر البلدان التي تذهب إليها الرحلات العلمية، وهناك العديد من الأشخاص المعروفة الذين سافروا هناك ونقلوا منها العلم كأمثال طه حسين وعلي مبارك وغيرهما.

نهم العلم يستحوذ على عقله:

لم يُضع رفاعة الطهطاوي الوقت في فرنسا في أمور غير العلم، فقد كان شديد الحرص على التعلم، فلجأ إلى شراء الكتب الخاصة والتي لم تكن موجودة ضمن البرنامج الدراسي للبعثة، وحرص على قراءتها والانتهاء من تعلمها حتى يتسنى له شراء كتب أخرى.

وظل الطهطاوي على هذا الحال حتى تأثرت عينه اليسرى وبناء على ذلك نصحه الطبيب بعدم القراءة ليلًا، ولكن هيهات هيهات وهل يصبر الطهطاوي على فراق القراءة والعلم كل هذا الوقت؟، فلم يستمع لكلام الطبيب وظل على حاله في مطالعة الكتب ليل نهار.

الطهطاوي كأول مترجم مصري:

عاد رفاعة الطهطاوي من فرنسا بعد أن درس وتعلم، واستنار عقله بنور العلم، فما كان لمدرسيه في فرنسا إلا أن يعترفوا بقدرته وثقافته، فكانت التقارير تٌرسل من هناك إلى محمد علي وبها إشادة واسعة بما يفعله الطهطاوي، لذلك فبمجرد عودته إلى مصر تقرر تعيينه كمترجم في مدرسة الطب، وهو أول مصري يتولى هذه الوظيفة.

ثم بعد ذلك انتقل الطهطاوي من هذه الوظيفة إلى العمل في “مدرسة الطوبجية”، حيث عمل مترجمًا للعلوم الهندسية والعسكرية.

دور رفاعة الطهطاوي في النهضة الحديثة

دور رفاعة الطهطاوي في النهضة الحديثة

وضع حجر الأساس في النهضة المصرية:

لم تكن النهضة المصرية لتبدأ لولا الترجمة، وذلك لأن من خلالها يتمكن الإنسان من معرفة ما توصل إليه الآخر ويبدأ من حيث انتهى، ويعتبر دور رفاعة الطهطاوي في النهضة الحديثة دورًا أساسيًا، حيث يعد ممن وضعوا لبنة الأساس في نهضة مصر، فهو من قام بترجمة العديد من الكتب والعلوم المختلفة ونقلها إلى مصر، بالإضافة إلى إشرافه على مدرسة الألسن للترجمة.

ولم يكتف الطهطاوي بترجمة العلوم المختلفة بل لجأ إلى توصيل الثقافة والفكر إلى عقل كل مصري وذلك من خلال “صحيفة الوقائع المصرية” التي اعتمد فيها على إظهار الأخبار المصرية وجعلها مادة أساسية للصحيفة بعد أن كانت الأخبار التركية هي الأساس.

وظل رفاعة الطهطاوي على هذا الحال يترجم مختلف العلوم، بالإضافة إلى أنه أسس بعض الأقسام المتخصصة للترجمة مثل ترجمة الرياضيات والإنسانيات وغيرها.

وبجانب الترجمة قام بالإشراف على التعليم ونهض به، وقد أسس عدد من المدارس والتي اختصت بدراسة المحاسبة والاقتصاد بالإضافة إلى تأسيس مدرسة خاصة بالعلوم السياسية، ومن أهم القرارات التي اتخذها في مجال التعليم هو دراسة المعارف باللغة العربية.

لذلك يمكن أن نقول بأن الطهطاوي كان من المجددين في مجال التعليم كما كان الإمام الغزالي مجددًا في علوم الدين.

الآثار الفكرية التي خلفها رفاعة الطهطاوي

ترك لنا رفاعة الطهطاوي إرثًا ثقافيًا ضخمًا ما زال موجودًا إلى الآن ومن أبرز كتب رفاعة الطهطاوي ومؤلفاته:

أولًا:  تخليص الإبريز في تلخيص باريز

يعد هذا الكتاب من أفضل الكتب التي ألفها رفاعة الطهطاوي، ويدور ملخص كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز حول الأحداث التي تعرض لها في فرنسا بالإضافة إلى أنه يحتوي على معلومات جامعة عن فرنسا حيث المعلومات التاريخية والسياسية والاجتماعية.

وعند تحميل كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز pdf سنجد أنه يحوي بعض المقارنات بين الأحوال الفرنسية وبين الأحوال في مصر.

ويذكر أن  نجيب محفوظ  عند قراءة هذا الكتاب قد قرأ به كلمة الحرافيش فاتخذها اسم لفيلمه.

ثانيًا: كتاب المرشد الأمين للبنات والبنين

يعد من الكتب التربوية المتميزة والتي يدعو فيها رفاعة الطهطاوي إلى تعليم البنات والعمل على تحسين وضع المرأة المصرية وضرورة منحها حقوقها، كما أكد في صفحات هذا الكتاب على أهمية دور المرأة ووجوب مشاركتها في الحياة العامة.

ثالثًا: كتاب مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية

يحوي هذا الكتاب مجموعة من الأفكار المتنورة والتي تهدف إلى إصلاح المجتمع والعمل على تطويره، حيث يؤكد رفاعة الطهطاوي من خلال هذا الكتاب على قيمة التنوير والتثقيف في حياة المجتمعات.

رابعاً: كتاب الأعمال الكاملة

يعد كتاب الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي pdf عبارة عن تلخيص لما قدمه من أفكار، ويدور حول التمدن والسياسية والوطنية بالإضافة إلى التعرض لأحوال مصر قبل دخول الإسلام.

الطهطاوي بين رضا الحاكم وسخطه

كان للثقافة والفكر الذي نشره الطهطاوي دور كبير في علو مكانته لدى والي مصر “محمد علي”، والذي اعتمد عليه في حركات الترجمة ونقل ثقافات الدول إلى مصر، كما اعتمد عليه “سعيد باشا” وكذلك الخديوي إسماعيل، فقد كان للطهطاوي مكانة كبيرة لديهم ومنزلة عالية لدرجة إعطائه الكثير من الأراضي والعقارات.

إلا أن الطهطاوي مثله مثل أي مفكر تارة يحصل على رضا الحاكم وتارة أخرى يتعرض للظلم والاضطهاد، وهذا ما حدث معه في فترة حكم “عباس الأول”، فعلى الرغم ما قدمه من علم إلا أنه عصف به ونفاه إلى السودان، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أغلق مدرسة الألسن التي كانت منارة علمية.

النقد الذي طال فكر رفاعة الطهطاوي

لم يجتمع الناس على أحد من قبل ولن يجتمعوا على أحد من بعد، لذلك لا داعي للحزن عند تلقي اللوم أو النقد، فلقد تم نقد رفاعة الطهطاوي وتباينت الآراء حوله، فمنها ما يرى ثقافته الكبيرة، ودوره في نشر العلم، والارتقاء بالمجتمع المصري، وهناك الآراء الأخرى التي تشير إلى أنه كان من دعاة الانحلال والتطرف الفكري.

وتعلل الآراء المهاجمة لرفاعة الطهطاوي رأيها بأنه كان شديد الإعجاب بما يدور في المجتمع الغربي ولم ينتقد أي من الأمور الفاسدة التي كانت منتشرة هناك في ذلك الوقت كالرقص والغناء واللهو.

وبالنسبة لـ رفاعة الطهطاوي والحجاب فلقد وضح  أن الحجاب ليس هو الدليل على عفة المرأة وإنما تربيتها وأخلاقها، ولقد ناله من هذا الرأي نقد كبير.

وفاة رفاعة الطهطاوي

عاش رفاعة الطهطاوي عمره في نشر الأفكار المتحضرة، وكان يرغب في الوصول بالمجتمع المصري إلى أعلى درجات الثقافة، وقدم لهذا البلد أجمل أيام حياته، ولكنها الدنيا لن يُخلد فيها أحد، فقد وافته المنية في 27 مايو عام 1873 م، وظل اسمه محفورًا في عقول كل المصريين، وجاء من بعده جيل أثرى الفكر المصري مثل محمد عبده، والإمام جمال الدين الأفغاني ومن بعدهم توفيق الحكيم ويوسف السباعي وطه حسين.

متى ولد رفاعة الطهطاوي ومتى توفي؟

ولد في عام 15 أكتوبر عام 1801، وقد توفي في 27 مايو في عام 1873 م.

من هو أشهر أبناء رفاعة الطهطاوي ؟

يعد محمد رفاعة الطهطاوي السفير السابق لمصر في ليبيا هو أشهر الأبناء.

ما هي أشهر مقولات رفاعة الطهطاوي ؟

أشهر أقواله هي ((انقسم سائر الخلق إلى عدة مراتب، المرتبة الأولى: مرتبة المتوحشين، المرتبة الثانية: مرتبة البرابرة الخشنين، المرتبة الثالثة: مرتبة أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن والتمصر المتطرفين)).

ما هو الكتاب الذي نادى فيه رفاعة الطهطاوي للمساواة بين الجنسين؟

كتاب المرشد الأمين في تربية البنات والبنين.

مواضيع ذات صلة

الحطيئةالحطيئة شاعر التناقضات| شاعر المدح والهجاء

إيليا-أبو-ماضيالشاعر إيليا أبو ماضي | رسول الشعر الحديث