سبق السيف العذل | لا ينفع الندم بعد فوات الآوان

تمتاز لغة الضاد عن غيرها من اللغات بفصاحة المعنى وقوة اللفظ، فهي في النهاية لغة الذكر الحكيم، فالعديد من الأقوال والعبارات يكون لها مدلولات قوية وآثار أحد من السيوف، ومقولة سبق السيف العذل خير ما نضرب به الأمثال في ذلك، حيث إنها من الأقوال التي حملت في طياتها الكثير من المعاني البليغة.

ضرب الأقاويل والأمثال عند العرب

لقد نال العرب قديما شهرة واسعة في الشعر والملحقات والأمثال التي اختُلقت بسبب واقعة أو طرفة ما، ودائما يحوي جراب الأمثال العديد من المعاني والحكم والدروس المستفادة، وكثيرا يستعين بها الشعراء العرب في قصائدهم، فقد لا نجد قصيدة معروفة إلا واشتملت على مثل رائع مؤثر في الحياة.

كان العرب لا يضربون الأمثال هباء، حيث إن وراء كل مثل حكاية مثيرة كانت هي الشرارة الأولى لاستخدامه فيما بعد من قبل الآخرين في مواقف مشابهة، المثل أو المقولة التي سنتطرق إليها في سطور مقالنا هي سبق السيف العذل الذي يعد واحدا من أكثر الأمثال التي تناقلتها القبائل العربية مشافهة فيما بينهم منذ قديم الزمان، ولم ينقطع تداوله إلى الآن، إذا من قائل سبق السيف العذل ؟

القصة وراء مقولة | سبق السيف العذل

يُضرب مثل سبق السيف العذل في حالات التعجل عند اتخاذ القرارات وتطبيقها دون التفكر  والتمعن في تداعياتها والعواقب التي ستنتج عنها، يحتضن مثل سبق السيف العذل معنى العذل الذي يشير إلى التأنيب واللوم العتاب على أداء تصرف أو فعل ما، إذا فما هي القصة التي أنتجت لنا هذا المثل، و سبق السيف العذل ماهي الآية القرآنية التي تدل على هذا المعنى ؟

جرت الأحداث التي كانت السبب وراء تواجد مثل سـبق السيف العذل في إحدى عشائر العرب العدنانية ذائعة الصيت والتي يعود نسبها إلى سيدنا إسماعيل ابن خليل الله سيدنا إبراهيم والسيدة هاجر عليهم جميعا السلام، ألا وهي عشيرة بني ضبة، وكان أحد رجالها يُدعى (ضبة) وقيل إنه من أغنياء القوم، ورزقه الله -عز وجل- بولدين  أطلق على الأول (سعد) والثاني (سعيد).

في أحد الأيام خرج ضبة ليرعى مجموعة من الإبل واصطحب معه ابناه، وخلال ظعنهم وارتحالهم، هاجت الإبل وتفرقت في جميع الاتجاهات، فكلف الأب ابنيه بأن يعملا على تجميعهم وإحضارهم، وأخذ كل واحد من الولدين درب مختلف عن الآخر، وبعد فترة وجيزة تمكن (سعد) من تجميع إبل والده وعاد بهم إلي داره، أما الابن الثاني (سعيد) فلم يعد.

وقيل إن (سعيد ابن ضبة) قد صادف في طريقه رجلا يُسمى (الحارث بن كعب)، ولمع في عينيه البردان اللذان كانا على ذلك الشاب، فسأله (بن كعب) إياهما، فأبى (سعيد) أن يُسلمهما له، فاستغل ذلك الرجل عدم تسلح الفتى بأي سلاح فهجم عليه وقتله وسلب البرادين ومضى في طريقه.

تكملة قصة مثل سـبق السيف العذل

تكملة للأحداث السالف ذكرها، أخذ (ضبة) في تلهف يتأمل رجوع ابنه (سعيد)، ولكن خاب أمله ومرت الأيام ولم يرد إليه أي خبر عن ابنه يبرد نار قلبه، وفي يوم من الأيام ذهب الأب لأداء الحج ، وقرر بعد ذلك أن يشتري بعض البضائع من سوق عكاظ، وإذ بعينه تقع على بردي ابنه سعيد ولكن ليس هو من يرتديهما، بل كان (الحارث بن كعب).

هرول (ضبة) إلى ذلك الرجل وطلب منه أن يُخبره من أين جاء بهذين البردين؟، فقص عليه (الحارث) ما حدث، فعرف الأب مَن قتل ابنه وحرمه أياه، فاختلق (ضبة) حيلة ذكية وأخذ من (بن كعب) السيف الذي سلب بواسطته روح ابنه (سعيد)، وما إن وقع السيف في يده حتى توالى بالطعنات على قاتل ابنه حتى أماته.

قالت الجماعة التي شهدت تلك الواقعة: “يا ضبة، أفي الشهر الحرام تقتل ؟”، رد عليهم قائلا: “لقد سبق السيف العذل”، وباتت هذه المقولة مثلا يُضرب في الاستعجال والتصرف الذي لا يُرجى منه ملامة وتأنيب، وعليه فإن مثل سبق السيف العذل يُقال عند تنفيذ قرارات متسرعة دون أناة ورَوِيَّة ورؤية سديدة، ولا ينفع الرجوع عنها فقد انتهى أمر التدارك.