سفيان الثوري | الإمام العابد والرجل الزاهد

رجل قد بعثه الله لأمة الإسلام ليخرجهم من الدجى إلى الإشراق، فكان من أولئك الذين أحيوا للمسلمين دينهم بعد أن سادت العتمة حياتهم، إنه سفيان الثوري أحد الأناس الربانيين الذين تشتد الحاجة للبوح بمآثرهم في زمن طغت نجومية خداعة لأهل اللهو والعبث فيه، فباتوا قدوة لكثير من شبان الأمة.

لا بد من النظر في سِير أئمة الدين للتأسي بهم والاستفادة بنواحي التميز في حياتهم، حتى يعرف المرء قدر نفسه في العلم والعمل، حيث إن الإنسان إذا جاب طالع في رحلة حياتهم تملكه الحياء والخجل من وضعه ووضعهم.

من هو سفيان الثوري ؟

يعد سـفيان الثوري واحدا من جهابذة الإسلام وراية من رايات الدين، كان نابغة عصره وذاع صيته في الفقه، وعُرف عنه رأيه السديد واجتهاده الكبير، ذلك الأمر الذي أعلى من شأنه وجعله يعتلي منزلة علمية رفيعة، وأهله لأن يُرسي لنفسه مذهبا فقهيا خاصا به، وحياته كانت مكتظة بالقصص والعبر من أشهرها قصة سفيان الثوري مع الحجاج.

هذا الإمام الزاهد اسمه سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله الثوري الكوفي، وكان يُكنى بأبي عبد الله، أخص أهل العلم سـفيان الثوري بألقاب جمة تصف مدى ثروته العلمية، ومن أبرزها إمام الحُفاظ، شيخ الإسلام، أمير المؤمنين في الحديث، سيد علماء زمانه، حيث كان شديد الذكاء سريع الحفظ لا تقع كلمة على آذانه إلا وحفظها عن ظهر قلب خصوصا أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

تدور الأحاديث بين العوام عن قصة توبة سفيان الثوري إلا أن كتب التاريخ الإسلامي لم تشر إلى هذا الأمر من قبل، فسـفيان الثوري ولد في بيت يملؤه الورع والتقوى.

ويكون بالإمكان أيضا التعرف أكثر وأكثر بواسطة كتاب سيرة سفيان الثوري pdf عن المعلومات والتفاصيل القيمة حول حياة سـفيان الثوري.

مولد الثوري ونشأته

 يعود التاريخ الذي كان شاهدا على مولد الثوري أحد أعظم أئمة المسلمين إلى عام 97 هجريا، كان أبوه عالما بارعا صادقا وأحد المؤثرين في حياته، فهو أول من أخذ عنه العلم، وكانت أمه صالحة زاهدة تعمل بالخياطة، وتغدق عليه بالرعاية والمال لكي يتفرغ لطلب العلم، بالإضافة إلى مساندتها له بوصاياها وحكمتها الرشيدة التي كانت سببا رئيسا في تربية الثوري وحثه على طلب العلم.

وكان البيت الذي نشأ فيه سـفيان الثوري بيئة خصبة لنمو عقله وتفتيح مداركه ووضعه على الطريق السليم منذ نعومة أظافره، حتى أنه أفنى حياته في طلب العلم، وظل مُرتحلا بين ربوع الوطن العربي لينتهل من بحر العلم الواسع، حتى وصل عدد شيوخه ومُعلميه إلى 600 شيخ ومُعلم.

حياة الثوري العلمية

كان سـفيان الثوري يسير على خطى الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين، وكان يقتدي بـ ابو بكر الصديق والفارق عمر بن الخطاب ويا لها من قدوة، أحب العلم حبا جما، لذلك أفني عمره طالبا له، فشرع يتنقل بين البصرة والكوفة وبين مكة والمدينة، وشد الرحال أيضا إلى اليمن وبيت المقدس، حتى بات أكثر رجال عصره علما.

وعُرف عن تفسير سفيان الثوري قوة البلاغة والفصاحة وروعة الشرح والتصوير، حيث قد كان من رواة الحديث، ونقل عنه أكثر من ألف شخص، وكان الثوري -رحمة الله عليه- أكثر الناس حِفظا لكلام وعبر المصطفي -صلى الله عليه وسلم- وأحاديثه الشريفة.

تكملة حياة الثوري العلمية

لم يضع سـفيان الثوري علمه أسيرا في قلبه وعقله، بل أطلق له العنان وأغدق به على الكثير من اَلشُّبَّان في عصره، وكان يفعل ما يقول ويدعو إليه، حيث كان أكثر الناس تماثلا بين فعله وقوله، وأخذ بفتوته وهو لا يزال في ريعان شبابه، فكان أهلا للثناء والاحترام، وأكمل حياته في طلب العلم وخصوصا الحديث، ليصير بعد ذلك واحدا من كبار أئمة الإسلام في التفسير، والفقه، والحديث، وعلوم القرآن.

أسس الثوري مذهبا فقهيا خاصا به، وألحقه بمجموعة من الأصول والقواعد، واحتل مذهب الثوري مكانة مرموقة بين المذاهب الستة المعروفة، واتبعه عدد ليس بالقليل من الناس في جميع أنحاء الأقطار الإسلامية، وكان مذهب سـفيان الثوري قائما على الربط بين أهل الرأي وأهل الحديث، أي أنه يستند بدرجة كبيرة على قوة الدليل والاجتهاد.

مناقب وكرامات سفيان الثوري

أنعم المولى سبحانه وتعالى على عبده الثوري بالكثير من المناقب والخصال الحميدة التي جعلته محبوبا بين أقرانه، ومن أبرزها، التواضع، الكرم، عزة النفس، السماحة، النهي عن المنكر والأمر بالمعروف خاصة للحكام والمماليك، حيث قد كان يخشى الله تعالى كثيرا ويخاف عقابه، كانت كرامات سفيان الثوري كثيرة ومتعددة وكلها تُشير إلى طيب أخلاقه وحسن خصاله، وكان شديد الحرص على تطبيق المفهوم السليم للسنة النبوية الشريفة.

لم يكن من الأشخاص الذين ينخدعون ببريق السلطة الزائف، ولم يسع يوما إلى تقلد أي مناصب سياسية حتى إنه رفض تولي منصب القضاء الذي عرضه عليه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لدرجة أنه هدده بإنهاء حياته إذا لم يقبل.

كرامات سفيان الثوري

ثنايا العلماء على شيخ الإسلام الثوري

احتل سـفيان الثوري مكانة عظيمة في قلوب المسلمين عامة وأهل العلم والحديث خاصة، فلم يختلف اثنان حول هذا الإمام الورع التقي الذي شُبه من قبل الكثيرين بالصديق والفاروق، ومن أبرز العلماء الذين أثنوا على الثوري ما يلي:

1- شعبة بن الحجاج: وصف الثوري بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وتعلم منه الناس المعنى الحقيقي للورع والعلم

2- أبو حنيفة: امتدح الثوري وقال لو جاء علقمة والأسود من كبار التابعين لكانا بحاجة إلى سفيان.

3- سفيان بن عينية: ما عصرت رجلا أعلم بالحرام والحلال من سـفيان الثوري.

4- قال الإمام احمد بن حنبل : أتعلمون من الإمام؟، إنه سـفيان الثوري، لا يسبقه أحد في قلبي.

مؤلفات سفيان الثوري

يأتي سـفيان الثوري في طليعة الكُتاب والمؤلفين الذين أنجبتهم الكوفة، حيث قد قام بتأليف كمية كبيرة من المُصنفات والكتب، ولكن لسوء الحظ لم يصلنا إلا قليلُ منها، ويرجع السبب وراء ذلك لما جاء عنه أنه قَبَرَ عددا ليس بالقليل منها، وكما أوصى أصحابه بتخبئة كتبه أو حرقها بعد وفاته، ومن أشهر كتب سفيان الثوري التي وردت إلينا ما يلي:

كتاب الفرائض: خصص سـفيان الثوري هذا الكتاب للشرح باستفاضة عن العديد من الأمور التي لها علاقة بموضوع الميراث.

كتاب تفسير الثوري: أثرى الثوري علم التفسير بهذا الكتاب الجميل، حيث قام فيه بتفسير عدد من آيات كتاب الله عز وجل وشرح معانيها بأسلوب سلسل وواضح.

كتاب الجامع الصغير: أحد مؤلفات سـفيان الثوري المختصرة، وقد قام بكتابته بمناسبة دخول أحد الأشخاص إلى الإسلام على يديه.

كتاب الجامع الكبير في الفقه والاختلاف: يعد هذا الكتاب أشهر مؤلفات الثوري على الإطلاق في اصول الفقه الثرية.

كيف مات سفيان الثوري ؟

قد أصيب الإمام التقي الورع سـفيان الثوري بعلة شديدة في بطنه ألزمته الفراش مدة طويلة، وشعر حينها أن وقت الوداع قد اقترب، وبالفعل في عام 161 هجريا فارق سفيان الثوري الحياة وصعدت روحه إلى الرفيق الأعلى، وكان آنذاك قد بلغ من العمر 64 عاما.

شهد عدد كبير جدا من الناس جنازة سـفيان الثوري، وكتب في وصيته أن يُصلى عليه عند وفاته (عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكوفي)، ونفذت وصية الثوري وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك وأنزله في قبره أيضا.