فضل يوم عرفة | تمام الدين ومباهاة من رب العالمين

لا قيمة للأيام إن لم نملأها بصالح الأعمال لا سيما تلك التي اختصها الله بمزيد من الأجر والمجازاة، فأفضال هذه الأيام عظيمة وفي مقدمتها فضل يوم عرفة الجليل، ذاك يوم التمام واكتمال دين الإسلام، ومغفرة للذنوب والآثام، ولقد أقسم به ربنا في قرآنه الكريم ولا شك في أن الرحمن لا يقسم إلا بما هو عظيم، فلله در من قال: ((على عرفات قد وقفنا بموقف …. به الذنب مغفـور وفيـه محوناه … وقد أقبل الباري علينا بوجهه … وقال ابشروا فالعفو فيكم نشرناه))

ما هو يوم عرفة؟

تتعاقب علينا الأيام، وتمر علينا الشهور والأعوام فتقربنا من يوم اللقاء، يوم ينصب الميزان فلا يثقله إلا صالح الأعمال هنا يود المرء لو اغتنم أيام الفضل والغفران حتى يٌعتق من النيران ولا شك في أن يوم عرفة هو أكثر يومًا يعتق الله فيه العباد فعن السيدة عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ، وأنه لَيدنو، ثم يباهي بهم الملائكةَ فيقول: ما أراد هؤلاءِ؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم).

وقبل أن نتطرق إلى الحديث عن فضل يوم عرفة يجب أن نشير إلى أنه يأتي في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة من كل عام، وهو أحد أيام الحج، وبه يؤدي المسلمين الركن الأعظم منه حيث الوقوف على جبل عرفات الذي يعد المشعر الوحيد الذي يقع خارج نطاق حدود الحرم ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عنه: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج).

وأما متى يبدأ يوم عرفة ومتى ينتهي ؟ فالإجابة عنه تتلخص في أن يوم عرفة يبدأ من فجر اليوم التاسع من شهر ذي الحجة وينتهي عند طلوع فجر يوم العاشر من نفس الشهر (يوم النحر وهو أول أيام عيد الأضحى)، ويتساءل العديد من الناس عن لماذا سمي يوم عرفة بهذا الاسم ؟ وهذا السؤال إجابته تتمحور حول سُمي عرفة بهذا الاسم لأن حجاج بيت الله الحرام يصعدون جبل عرفات (عرفة) لأداء الركن الأعظم من أركان الحج.

وقيل إنه سمي بذلك لأن الناس يعترفون بمعاصيهم ويرجون المغفرة من الله تعالى فيه، وقد علل القرطبي تسميته بهذا الاسم أن العباد يتعارفون فيه، ويقال إن تسميته جاءت بسبب أن سيدنا جبريل كان يطوف بنبي الله إبراهيم فكان يوضح له المشاهد فيقول له أعرفت أعرفت؟ فيقول إبراهيم عرفت عرفت.

أفضال يوم عرفة

 فضل يوم عرفة العظيم | اغتنموه أيها المسلمون

في إطار الحديث عن فضل يوم عرفة يجب أن نذكر أنه من أعظم الأيام التي تمر على المسلم والتي يجب أن يغتنمها حتى تزداد حسناته وتُغفر سيئاته، وفيما يلي فضل يوم عرفة بالتفصيل:

أولًا: يوم تمام الدين الإسلامي

إذا تحدثنا عن فضل يوم عرفة فيجب أن نذكر أن من أبرز أفضاله هو أنه اليوم الذي شهد فيه المسلمون تمام نعمة الله عليهم وهو اكتمال الدين الإسلامي، فأي فضل يماثل هذا الفضل! وقد أكمل الله دين الإسلام وارتضاه ليكون لنا دينًا.

وقد ذكر الله تعالى إكمال الإسلام فيه لأن المسلمون لم يكن قد حجوا من قبل، وبما أن الحج من أركان الإسلام، وقد كملت أركان الإسلام كلها وأداها المسلمون عدا هو، فعندما تم الحج أنزل الله هذه الآية وبهذا أتم الله دينه وأتم المسلمون أركانه.

حيث قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا)، ونزلت هذه الآية على رسول الله يوم عرفة.

ثانيًا: أقسم به الرحمن

ما يُبين فضل يوم عرفة العظيم أن الله تعالى قد أقسم به في كتابه، وربنا جل في علاه لا يقسم إلا بما هو جليل حيث قال تعالى في كتابه (والشفع والوتر) فقال ابن عباس إن الشفع هو يوم النحر والوتر هو يوم عرفة، كما أقسم به في قوله: (وليال عشر) ومن المعلوم أن يوم عرفة هو اليوم التاسع من هذه الأيام.

ثالثًا: اليوم المشهود

يوم عرفة هو يوم مشهود ويعني ذلك أن ملائكة الرحمن تشهد هذا اليوم في ليله ونهاره، ثم إن المسلمين يشهدون فيه شعيرة الحج ومناسكها، وهذا اليوم يتنزل فيه الخير الكثير والبركة على الحجاج خاصة والمسلمين عامة في شتى بقاع الأرض.

وقد روى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة”.

رابعًا: يوم عيد للمسلمين

هو يوم عيد وفرحة لكل مسلم على وجه الأرض حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب).

ويذكر أن رجلًا من اليهود قال لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا،  قال: أي آية؟ قال: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم: وهو قائم بعرفة، يوم الجمعة.

خامسًا: الصيام فيه يكفر خطايا عامين

كل ما يرجوه المسلم طوال حياته هو أن يغفر الله ذنوبه ومعاصيه حتى لا تزيد عليه فتهلكه وتُلقي به في جهنم، ومن عظيم رحمة الله أنه مَنّ علينا بأيام تُغفر فيها الذنوب ولا سيما يوم عرفة الذي أخبرنا نبينا أن الصيام فيه يكفر خطايا العبد عامين (عام قبله وعام بعده) فيا له من فضل عظيم وتوفيق من الكريم حتى يتمكن العبد من تخفيف ذنوبه!

وقد قال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن صيام يوم عرفة قال: (يكفر السنة الماضية والباقية)، ويعد هذا الأمر من فضل يوم عرفة لغير الحاج حيث إن حجاج بيت الله لا يصومون يوم عرفة بسبب مشقة مناسك الحج في هذا اليوم.

سادسًا: العتق من النيران

العتق من النار هو غاية كل مسلم وهو الفوز العظيم ومن أجله يؤدي المسلم فروض الدين ويبتعد عن فعل المعاصي والذنوب، فما بالك إذا تم هذا الأمر في يوم من أيام العام! أتراك تضيعه أم تجتهد في العبادات؟! لذا يجب أن يجتهد كل مسلم في يوم عرفة لأنه يوم العتق من النيران حيث يقول نبي الإسلام: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ).

سابعًا: يوم أن أخذ الله فيه الميثاق من ذرية آدم

في أثناء حديثنا عن فضل يوم عرفة لا يجب أن ننسى أنه هو اليوم الذي تحدث فيه رب البرية مع ذرية آدم كلها وأشهدهم على أنفسهم قائلًا ألست بربكم؟ فأقروا بذلك، وقد فعل الله عز وجل هذا الأمر ليقيم الحجة عليهم حتى لا يتعللوا بعد ذلك أنهم لم يكونوا على دراية بالله ووحدانيته.

وما يؤكد ذلك ما رواه عبد الله بن عباس عن النبي أنه قال: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان –يعني عرفة– وأخرج من صُلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قبلا، قال: “ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون”).

ثامنًا: فضله كيوم من أيام العشر

إن فضل يوم عرفة كواحد من الأيام الأُول في شهر ذي الحجة عظيم، وتندرج فضوله تحت أفضال هذه الأيام فهو اليوم التاسع فيهم وقد أقسم الله بالليالي كلها، وهو يعد من أفضل الأيام التي تستحب فيها الأعمال الصالحة بل هي أحب الأيام إلى الله تعالى التي يجب على كل مسلم أن يعمل فيها.

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على قيمة العمل في هذه الأيام حيث قال: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ قالَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ)، وهو خير أيام الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”.

تاسعًا: فيه تُجاب الدعوات

إن فضل الدعاء في يوم عرفة كبير للغاية ولما لا؟! والدعاء فيه مستجاب، فالله لا يرد عبدًا ناجاه في هذا اليوم العظيم، وكان الصالحون يقولون إن دعاء يوم عرفة لا يمر عليه العام إلا وهو متحقق، ثم إن يوم عرفة هو أفضل وقت للدعاء، والدعاء فيه خير حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خيرُ الدعاء، دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.

أهم الأعمال يوم عرفة

أحب الأعمال في يوم عرفة

يجب أن يستغل المسلم موسم الطاعات والأيام التي اختصها الله بالفضل والإحسان فمن يدري هل ستمر عليه هذه الأيام مرة ثانية أم أنه سيكون في طي النسيان؟ وفيما يلي أفضل أعمال يوم عرفة:

1) الصدقة: لقد وعد الله عباده بأن الصدقة تتضاعف برحمته وكرمه وهذا في جميع الأيام فكيف تكون قيمة الصدقة في يوم جعله الله أحب الأيام إليه حتمًا سيكون قدرها عظيمًا والأجر عليها أعظم، لذا فإن صدقة يوم عرفة من أفضل الأعمال التي يجب أن يحافظ عليه المسلم، ولا يجب عليه أن يتصدق بالكثير يكفيه أن يتصدق لوجه الله حتى لو بالقليل.

2) الصيام: لقد اختصه الله بالجزاء بذاته وهذا لعظم مكانته، ثم إن اجر صيام يوم عرفة يكفر عامين (عام سابق ولاحق) وهذا من فضل يوم عرفة العظيم.

3) الدعاء والذكر: لقد حث الله تعالى على الدعاء والذكر في أيام ذي الحجة حيث قال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) ولا شك في أن ذكر الله تعالى يعود بالنفع العظيم على المسلم.

4) التهليل: لقد خلقنا الله تعالى لنوحده ولا نشرك به شيئًا لذلك فإن التهليل يعد من أعظم الأعمال في يوم عرفة وغيره، فهو خير ما قيل على لسان الأنبياء.

أبرز الأحاديث التي وردت في فضل يوم عرفة

في أثناء الكلام عن فضل يوم عرفة تجب الإشارة إلى أن هذا الفضل لم يبتكره الناس وإنما جاء على لسان سيد الأنام، وفيما يلي أحاديث فضل يوم عرفة كما وردت:

1) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى، عيدنا أهل الإسلام).

2) عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرًا).

3) عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ،وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ وَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ؛ فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلاَ يَسْتَعِيذُ مِنْ شَرٍّ إِلاَّ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ).