كليب بن ربيعة | أعز قومه وأضاعهم

يحيا الناس في جبروت الملوك وتولد أحلامهم بين ثنايا الخوف فتنشأ فكرة وتموت أخرى، فالإنسان الذي يعيش في مكان يملؤه الظلم والبغي ويسير تحت سحاب الفقر ويرضى بكل فعل مهين لا يستطيع أن يرى نور الشمس ولا ضوء القمر، ويبقى طول عمره تحت حكم كليب بن ربيعة الذي دفعه غضبه إلى قتل روح لا يسمع أنينها إلا الله.

نبذة عن كليب بن ربيعة :

نسب كليب

 كليب بن ربيعة هو وائل بن الحارث من أحفاد زهير بن قاسط بن نزار بن عدنان من قبيلة تغلب، ويعد أول ملك لقبيلة تغلب وبكر الراجع أصلهم إلى قبائل ربيعة وشقيق الشاعر المهلهل عدي بن ربيعة التغلبي.

سيرته

عاش كليب بن ربيعة في العصر الجاهلي قبل ظهور فجر الإسلام ومجيء الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالدين الحق، وكان من الملوك الذين يبغون في الأرض بغير الحق ويسعون بين الناس بالظلم فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه أو عصيان أمره، وضرب به المثل في العز وذلك لأنه أول ملك من ملوك تغلب والآمر الناهي فيها.

استطاع كليب بن الحارث فارس الفرسان الانتصار على ملوك اليمن في الكثير من الحروب التي خاضها معهم وتمكن من كسر شوكتهم، فاختاره أهل تغلب ليكون الملك عليهم وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة حتى صارت طاعته واجبة على كل أبناء قومه، فتكبر وفجر واستغل منصبه وجاهه ليكون من الجبارين والمكروهين في الأرض.

وطال الظلم بني قومه وأولاد عمومته، وذلك من خلال سيطرته على مواقع السحاب فصارت أي أرض تقف عليها السحابة من ممتلكاته وتحت حماه فلا يجرؤ أحد على الاعتراض أو الاقتراب منها، ولا يستطيع أحد إيقاد نار وناره موقدة.

صفاته

– يمتلك كليب بن ربيعة رجاحة عقل وفطنة ونظرة حربية حكيمة.

– فارس مغوار لا يقدر أحد على الوقوف في وجهه ولا يرد له سيف.

– كان سيدًا على قبيلة البكريين والتغلبيين وصاحب المشورة.

– يعد كليب من اشهر شعراء العصر الجاهلي فلم يكن ملكًا فقط.

– تمتع وائل بن ربيعة بصفات العزة والحمية.

ما هو اسم كليب الحقيقي ؟

اتخذ وائل بن ربيعة لقب (كليب) الذي اشتهر به بين الناس في عصره، ويرجع ذلك إلى أنه كان يحمل جروًا صغيرًا ويجول به أينما حل فإذا أعجبه مكان ضرب الكلب الصغير حتى يبدأ في العواء الشديد، فلا يجرؤ أحد على الاقتراب منه.

هل وصية كليب صحيحة ؟

تدور الكثير من التساؤلات حول وصية كليب بن ربيعة لأخيه عدي الشاعر المهلهل الذي أحب اللهو واللعب ومجالس النساء، فذكر في بعض الروايات أنه عند مقتل كليب على يد جساس بن مرة بدافع الثأر لخالته البسوس قال عدة أبيات شعرية طالبًا من أخيه الثأر من قاتله، إلا أن البعض الآخر اعتبرها من الخرافات التي ألصقت بحرب البسوس.

 حيث إن هذه الحرب كانت قبل الهجرة النبوية الشريفة بحوالي 100 سنة أو أكثر، ونظرًا لعمقها في التاريخ العربي وكثرة تداولها من قبل المؤرخين وما أضيف إليها من قصص وأقاويل عبر الزمن يجعلنا نشك في صحة وصية كليب بن ربيعة ، والأمر الثاني أن الأبيات الشعرية التي قالها وائل بن الحارث تحتوي على لفظ الجلالة وبعض صفاته الحسنى وكأن كليب كان يعيش في عصور الإسلام.

كليب-بن-ربيعة

 ماذا قال الرسول عن كليب بن ربيعة ؟

لم يرد في كتب التاريخ الإسلامي أو السنة النبوية أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ذكر كليب بن ربيعة بحسن أو بسوء، ولكن الأمر اختلط على الناس بسبب ما ورد عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حينما قال “لولا الإسلام لأكلت تغلب الناس” نظرًا لجبروت تلك القبيلة وظلمها السائر على الناس في وقتها، وهذا ما دفع البعض إلى هذا الاعتقاد.

شعر كليب بن ربيعة :

لم يكن تميز كليب بن ربيعة قاصرًا على شجاعته في الحرب ورأيه الحكيم ورجاحة عقله وتمكنه من السيطرة على عرشه وملكه بيد من حديد، بل استطاع اختراق مجال الشعر وكتابة القصائد والأشعار، فلا عجب في ذلك وهو واحد من أهم الزعماء العرب وخال امرؤ القيس الشاعر الجاهلي وشقيق الشاعر المهلهل عدي بن الحارث، وهذه بعض النماذج لشعر كليب كالتالي:

* إِذا كانَت قَرابَتُكُم عَلَينا … مُقَوَّمَةً أَعِنَّتُها إِلَينا

فَأَنتُم يا بَني أَسَدَ بنِ بَكر …  ِيُريدونَ الطِعانَ فَمَن يَقينا

وَأَنتُم يا بَني أَسَدٍ عِمادٌ… لِهَذا المَعشَرِ المُتَعَصِّبِينا

* يا لَكِ مِن قُبَّرَةٍ بِمَعمَري … لا تَرهَبي خَوفاً وَلا تَستَنكِري

فَد ذَهَبَ الصَيّادُ عَنكِ فَاِبشِري … وَرُفِعَ الفَخُّ فَماذا تَحذَر

خَلا لَكِ الجَوُّ فَبيضي وَاِصفِري … وَنَفِّري ما شِئتِ أَن تُنَفِّري

فَأَنتِ جاري مِن صُروفِ الحَذَرِ … إِلى بُلوغِ يَومِكِ المُقَدَّرِ

رثاء كليب بن ربيعة :

لم يكن الثأر وليد اللحظة ولا إراقة الدماء بالسهولة التي يراها بها الناس اليوم، فالحروب التي تدور بين القبائل كانت لأسباب كبيرة أتعبت الكثير من النفوس، وعلى إثر كل هذا يولد الشعراء العرب بأشعارهم التي تلمس القلوب وتعطي اختصارًا رائعًا لما حدث في المعارك والحروب، فما كان من الشاعر المهلهل الذي اتخذ الشعر وسيلة لرثاء شقيقه الغالي فذكر محاسنه وتغنى بشجاعته وبسالته وحزن على فراقه مما غيره  من رجل يلهو ويجالس النساء إلى فارس يحارب بشجاعة انتقامًا له.

يقول الزير أبو ليلى المهلهل*** وقلب الزير قاسي ما يلينا

وإن لان الحديد ما لان قلبي   *** وقلبي نت الحديد القاسيينا

تريد أميه أن أصالح   ***    وما تدري بما فعلوه فينا

فسبع سنين قد مرت علي  ***   أبيت الليل مغموما حزينا

أبيت الليل أنعي كليبا    ***   أقول لعله يأتي إلينا

مقتل كليب وحرب البسوس :

ولد الكبر والحقد في قلب كليب ليشعل به حرب ويوقد به نارًا استمرت حوالي أربعين سنة بين قبيلة تغلب وقبيلة بكر بدافع الثأر، فبعد أن عاش كليب بن الحارث في ملكه مستبدًا قويًا لا يقدر أحد على عصيانه، يمارس كل أشكال البغي على أولاد عمومته ويمنع عنهم أقل ما يستحقون، ويجور على ملك غيره ويقتل من الإبل والأنعام ما يحلو له تنفيسًا عن غضبه من زوجته جليلة بنت مرة التي شهدت أن شقيقها هو الرجل الشجاع في نظرها وأنها لا ترى غيره يستحق المديح.

خرجت شرارة الغضب في ناقة البسوس خالة جساس بن مرة (قاتل كليب ومشعل الحرب) فأصاب السهم ضرعها فماتت وأيقظت حرب البسوس، والحقيقة أن كليب استمر في بغيه يمنع أهل جساس من شرب مياه أي نهر يمرون عليه، حتى وصل هذا الأمر إلى جساس الذي تذكر فعلته في ناقة خالته البسوس فطعنه طعنة أوقعه قتيل.