وجه الدلالة في قول النبي كل بدعة ضلالة

كل بدعة ضلالة

يقول ابن عباس ((ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن))، هنا تكمن خطورة البدعة، إنها تميت السنة النبوية وتطمس معالم الشريعة الإسلامية، لهذا حذرنا منها النبي وأخبرنا أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار، كل بدعة، مهما بدا لنا أنها حسنة ومهما توهمنا أن فيها خيراً.

البدعة نقيض السنة، فأي حسنة هذه قد تكون فيما يناقض السنة؟ وأي خير هذا قد يكمن فيما يخالفها؟ أعاذنا الله من كل البدع ما ظهر منها وما بطن وأحيانا على السنة ووفقنا لما يرضى من القول والفعل والنية وأماتنا على الملة في غير فتنةٍ مضلة.

كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار حديث صحيح :

يشكك البعض في صحة حديث كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، لكن الحقيقة أنه حديث صحيح أخرجه الامام مسلم والنسائي ورواه الصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، إذ يحكي جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فيهم يوماً فقال بعد حمد الله والثناء عليه ((إن أصدق الحديث كلام الله)) أي القرآن الكريم، ((وإن أفضل الهدي هدي محمد)) أي السنة النبوية الشريفة بما تتضمنه من الأقوال والأفعال والتقارير.

((وشر الأمور محدثاتها)) أي إن كل ما أُحدث بعد كلام الله وهدي رسول الله شر لا خير فيه، ((وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) أي إن كل اختراع في شرع الله ضلال وزيغ عن الهدى والرشاد، ((وكل ضلالةٍ في النار)) أي إن البدعة المضلة المزيغة عن الهدى تؤدي بصاحبها إلى نار جهنم في نهاية المطاف.

ما الفوائد المستنبطة من حديث كل بدعة ضلالة ؟

استنبط أهل العلم من حديث كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار عدة فوائد ومنها ما يلي:-

1) حرص النبي عليه الصلاة والسلام على وعظ الناس وتبشيرهم وتحذيرهم، وساعده على ذلك أنه أوتي جوامع الكلم.

2) حث الرسول أمته على التشبث بكتاب الله وسنة نبيه.

3) التحذير من البدع والإشارة إلى خطرها كونها تنافي المفهوم الصحيح للسنة النبوية.

قواعد البدعة المستخلصة من حديث كل بدعة ضلالة :

انطلاقاً من حديث كل بدعة ضلالة أورد زكريا بن غلام قادر الباكستاني في كتابه ((من اصول الفقه على منهج أهل الحديث)) قواعد البدعة وهي كالتالي:-

1) الأصل في العبادات المنع وفي العادات الإباحة :

القاعدة الأولى هي أن الأصل في العبادات المنع وفي العادات الإباحة، أي إن العبادات توقيفية ولا يستحدث فيها شيء إلا بدليل شرعي، أما العادات فهي مباحة ولا يمنع منها إلا ما منعه الشرع بدليل، وفي هذا الصدد ذكر ابن تيمية أن العبادات لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع تجنباً للدخول في معنى قول الله تعالى في الآية الحادية والعشرين من سورة الشورى ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله))، بيد أن العادات التي يحتاجها الناس في دنياهم الأصل فيها عدم الحظر، فما لم يثبت أنه منهي عنه أو محظور فهو مباح.

صحة حديث كل بدعة ضلالة

صحة حديث كل بدعة ضلالة

2) ليس في الشرع بدعة حسنة بل كل بدعة ضلالة :

القاعدة الثانية هي أن الشرع لا توجد به بدع حسنة بل كل البدع تدخل في حديث كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح من بعدهم، ففي هذا السياق يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ((كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة)).

والأدلة التي يحتج بها أنصار القول بالبدع الحسنة لا حجة فيها، فمن هذه الأدلة حديث ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة))، وقد ورد هذا الحديث في أمر نابع من صلب الشرع وهو الصدقة، أي إن المراد بالسنة هنا العمل بما أقر الشرع بكونه سنة وليس ابتداع ما لم يثبت في الشرع.

ومن هذه الأدلة أيضاً قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((نعمت البدعة هذه)) عندما رأى المسلمين مجتمعين لأداء صلاة التراويح، وقد أكد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن إطلاق عمر على هذا الفعل مسمى البدعة إنما هو من الناحية اللغوية وليس من الناحية الشرعية، إذ يشير مصطلح البدعة في اللغة إلى كل ما تم فعله ابتداءً دون وجود مثالٍ سابق، أضف إلى ذلك أن إحداث صلاة التراويح جماعة يستند إلى دليل شرعي ولا يدخل في الابتداع، بل هو إحياء للشرائع المهجورة.

3) البدع كلها محرمة وليس فيها ما هو مكروه :

القاعدة الثالثة هي أن البدع كلها محرمة ولا توجد بدع في رتبة المكروه فقط كما يتوهم البعض، وفي هذا الصدد قال الألباني ((يجب أن نعلم أن أصغر بدعة يأتي الرجل بها في الدين هي محرمة بعد تبين كونها بدعة))، وبالرجوع إلى حديث النبي عليه الصلاة والسلام نجد أنه قال كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولا شك أن المكروه لا يترتب عليه إثم ولا يشار إليه بالضلالة ولا يؤدي إلى النار.

4) اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة :

مما ثبت عن الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ((اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة)) أي إن العمل بالقليل من السنة خير من الاجتهاد والإكثار من البدع، وقد رأى سعيد بن المسيب رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين فنهاه عن ذلك، فقال له الرجل مستنكراً يا أبو محمد يعذبني الله على الصلاة؟ فأجاب ((لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة)).

هل كل بدعة ضلالة حديث ضعيف ؟

يعتقد بعض العوام أن كل بدعة ضلالة حديث ضعيف والحقيقة أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

من هو راوي حديث كل بدعة ضلالة ؟

راوي حديث كل بدعة ضلالة هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري الذي أسلم صغيراً مع أبيه وشهد المشاهد كلها عدا بدر وأحد، وكان جابر من المكثرين لرواية الحديث إذ روى ما يزيد عن ألف وخمسمائة حديث نبوي، عاش أكثر من تسعين عاماً وتوفي في المدينة المنورة عام 78 هـ.

هل النية الحسنة تخرج الشيء المحدث عن كونه بدعة ؟

لا، النية الحسنة لا تخرج الشيء المحدث عن كونه بدعة، فقول النبي عليه الصلاة والسلام ((إنما الأعمال بالنيات)) يراد به الأعمال الواردة في الكتاب والسنة، ويذكر أن ابن مسعود أنكر على بعض المبتدعة فعلهم فقالوا ((والله ما أردنا إلا الخير)) فرد عليهم قائلاً ((وكم من مريد للخير لن يصيبه)).

هل شيوع عبادة ما وانتشارها بين الناس يدل على مشروعيتها ؟

لا، شيوع عبادة ما وانتشارها بين الناس لا يدل على مشروعيتها إلا بدليل صحيح من القرآن الكريم أو السنة النبوية، فالعبادات لا تؤخذ من كثرة عمل الناس بها وإنما تؤخذ من أدلة الشرع.

مواضيع ذات صلة

العشرة المبشرين بالجنهمن هم العشرة المبشرين بالجنه بالترتيب من الرجال؟

هل يجوز الصيام بدون نيةهل يجوز الصيام بدون نية ؟