الشنفري | صاحب لامية العرب الشهيرة

الشنفري

قد تتوغل مشاعر الثأر والانتقام داخل الشخص حتى تجعله كالوحش الذي يتغذى على مقتل غيره كما حدث مع الشنفري الذي دارت حوله الأقاويل وأحاطت به علامات الاستفهام من كل اتجاه، وتنوعت عنه الروايات ولكن الأمر المتفق عليه أن أشعاره وقصائده كانت ولا زالت من أفضل أشعار العرب.

من هو الشنفري؟

الشنفرى هو شاعر جاهلي، اختلفت الروايات حول معظم المعلومات التي تخصه، بدايةً من اسمه ونسبه، مرورًا بنشأته وحياته، ووصولًا إلى طريقة قتله، ولكن جميع الروايات اتفقت على أنه أحد الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي.

وبين طيات مقالنا سوف نذهب في رحلة إلى العصر الجاهلي لنتعرف على الشنفري عن قرب وفقًا للعديد من الروايات لنستكشف دوافع صعلكته والأسباب التي جعلته يزهق أكثر من 99 روحًا، وسوف نتطرق أيضا إلى قصائده وخصائص شعره.

نسب الشنفرى

كما ذكرنا سلفًا أن الروايات اختلفت حول اسمه ونسبه، حيث يقال إنه عمر بن مالك الأزدي، وهناك من يشير إلى أنه ثابت بن جابر، ولكن الرأي الأقرب للصواب هو أن اسمه ثابت بن أواس الأزدي، وأواس هو ابن من أبناء حجر بن الهنوء الأزدي.

ويعد الشنفرى من اشهر شعراء العصر الجاهلي ، فهو صاحب قصيدة لامية العرب التي حققت شهرة واسعة في حياته وبعد مماته، حيث تمحورت حول حياة الصعلكة، كما تناولت حياة الإنسان البدوي في زمن الجاهلية، وبعد أن تعرفنا على نسب الشنفرى ، حان الوقت لننتقل إلى محطات حياته.

الشنفرى الصعلوك حياته ولاميته

تعددت أقوال المؤرخين بخصوص مكان نشأة الشنفرى، فمن يبحث عن الشنفرى الصعلوك حياته ولاميته سيجد نفسه في بحر عميق من الأقاويل والروايات التي لا تنتهي، وفيما يلي سوف نسلط الضوء على أبرزها، وهي:

الرواية الأولى:

يُقال إن الشنفري نشأ في قبيلة والدته وهي قبيلة (فهم)، حيث انتقل إليها مع أمه بعد مقتل أبيه على يد قبيلة سلامان بن مفرج، مما جعله يعقد العزم على قتل 100 شخص منهم.

الرواية الثانية:

أما الرواية الثانية تفيد بأن قبيلة (بني فهم) قامت بآسر الشنفري وهو طفل، واستمر أسره عندهم إلى أن وقع رجل منهم في أسر بني سلامان، فقامت بني فهم بمقايضتهم بالشنفرى، ثم نشأ في قبيلة سلامان إلى أن كبر، ولم يكن هناك فرق بينه وبينهم.

الرواية الثالثة:

تشير هذه الرواية إلى أن قبيلة سلامان هي التي أسرت الشنفرى وهو طفل، فتولى الذي أسره مهمة رعايته مع ابنته الوحيدة، وفي يوم من الأيام قال الشنفرى للفتاة (أغسلي رأسي يا أخية) ظنًا منه أنها أخته بالفعل، فقامت البنت بلطمه وأنكرت ذلك، فتوجه الشنفرى غاضبًا إلى أبيها ليسأله عن الحقيقة قائلًا: (أصدقني من أنا؟) فرد عليه وأخبره بأنه من أواس بن الحجر، فتوهج الانتقام في قلب الشنفري بسبب أسرهم واستعبادهم له وقال: لن أدعكم حتى أقتل منكم 100 رجل.

الحب والزواج في حياة الشنفري

يُذكر أنه أحب فتاة من بني سلامان، ولكنهم لم يوافقوا أن يزوجوه إياها، وفي روايات أخرى يُقال إنه تزوجها، وذلك عندما سأله أبيها عن نسبه فأجاب الشنفرى: أنا أخو الحارث بن ربيعة، فأخبره الرجل بأنه يخاف أن يقتله رجال بني سلامان إذا وافق على إتمام الزيجة، ولكن الشنفرى وعده بأن يقتل 100 رجل منهم إذا حدث ذلك.

وبالفعل قُتل الرجل على يد رجال قبيلته، وحينئذ قرر الشنفري أن يفي بوعده وأن يهجم على بني سلامان ويقتل 100 من رجالهم.

لماذا سمي الشنفرى بهذا الإسم ؟

تنوعت الآراء حول سبب تسمية الشنفري بهذا الاسم، إذ قيل إنه سُمي بذلك بسبب غلظة شفتيه وظهور بعض السواد فيها، والرأي الآخر يفيد بأنه تم إطلاق هذا اللقب عليه لأنه حاد الطباع، ولم تنته الروايات عند هذا الحد، فهناك من يقول إن الشنفرى هو اسمه وليس لقبه كما يظن معظم الناس.

ويأخذنا سؤال لماذا سمي الشنفرى بهذا الإسم ؟ إلى اللامية التي ارتبطت باسمه وهي لامية العرب التي تعد من أروع القطع الشعرية على الإطلاق.

حقائق عن الشنفري

في ظل الروايات المتضاربة والأقاويل المختلفة عن الشنفرى، تمكنا من جمع بعض المعلومات عنه وهي كالآتي :

1 – كان يتسم بسرعته الشديدة، حتى إن الخيل كانت لا تدركه.

2 – يعد من شعراء الطبقة الثانية في الجاهلية.

3 – يُطلق عليه الشنفرى بسب ضخامة شفتيه.

4 – كان يمنع الخلفاء الأمويون والعباسيون أولادهم من حفظ لامية العرب حتى لا تشجعهم على الهجرة.

نسب الشنفرى

نسب الشنفرى

خصائص شعر الشنفري

يعد الشنفرى من أشهر الشعراء العرب ، حيث تفرد شعره بمجموعة من الخصائص التي سوف نذكرها لكم في نقاط موجزة، ومنها:

– يزخر شعر الشنفري بالألفاظ والكلمات الغريبة (الحوشية)، وهذه الخاصية منتشرة في شعره وشعر معظم الشعراء الصعاليك، ولعل تلك الألفاظ نابعة من قسوة حياتهم.

– لم يتقيد الشنفرى في معظم قصائده بالقواعد النحوية والصرفية، كما كان يستعين ببعض الأوزان التي لم يستعملها أحدًا من قبل، بجانب استخدامه لأفعال مصرفة على غير القياس المعتمد.

– تطرق في أشعاره إلى وصف حياة البداوة حيث الصراع والقتال، وتناول أيضا مغامراته وتشرده، كما أثنى على الكرم وتغنى بالشجاعة، واستنكر العادات القبلية، وذم الفقر.

– دفعته طبيعة الحياة التي كان يعيش فيها والمتسمة بالتنقل المستمر والقلق والتوتر إلى عدم التكلف في قصائده.

– يتسم شعر الشنفري بالدقة الشديدة في التعبير، ويتضح ذلك في العديد من الأبيات التي انطوت على الدقة في تحديد الأماكن، والدقة في اختيار الكلمات المناسبة للأحداث، هذا فضلا عن الصراحة في الألفاظ.

– تخلو معظم قصائد الشنفرى من سمة (التصريع) كما هو الحال في قصائد الشعراء الصعاليك، حيث كانوا يستبدلونها بمقدمات فروسية، لأن الصعاليك كانوا يشتهرون بإضرابهم عن العادات وثوراتهم على التقاليد، لذا رفضوا السير على نهج باقي شعراء الجاهلية.

الشنفري والصعلكة

في بداية الأمر تجدر الإشارة إلى مفهوم الصعاليك، وهم: جماعة من العرب كانوا موجودين قبل الإسلام، ولا تجمعهم قبيلة واحدة، بل ينتمون إلى قبائل مختلفة، وما يلم شملهم هو عدم انسياقهم لسلطة قبائلهم لأسباب مختلفة، فمنهم من انشق عنها، والبعض الآخر طٌرد منها، كما أن معظم المنضمين لجماعة الصعاليك من الشعراء المجيدين الذين تفننوا في كتابة القصائد.

انضمام الشنفري إلى الصعاليك

انضم الشنفري إلى مجموعة من الصعاليك بعد أن خرج من قبيلة بني سلامان وهو ينوي في نفسه الشر لهم، ومن هؤلاء الصعاليك: تأبط شرا وعمرو بن براق، وتشير بعض الروايات إلى أن تأبط شرًا خال الشنفرى، ويقال إنه ابن خاله، والرأي الأرجح أنه صاحبه وهو الذي علمه الإغارة وشجعه على الصعلقة.

وكانت هناك بعض الشائعات الرائجة بأن الذي قتل مالك (والد الشنفرى) هو حرام بن جابر، فبحث عنه الشنفرى إلى أن عثر عليه وقتله وهو ينحر الهدى في منى، ولم يندم الشنفرى على ذلك بل افتخر بفعلته الشنعاء، ودَون جراء ذلك قصيدته التائية.

ولم يكن أمام الشنفرى سوى السير في طريق الصعلكة من أجل أن يحقق وعده الذي قطعه على نفسه وهو أن يقتل 100 رجل من بني سلامان، فيقال إنه ورفقائه من الصعاليك كانوا يغزون قبيلة سلامان ويقتلون ما يقدرون عليه من الرجال، مما جعل القبائل تتحالف عليهم ليتخلصوا منهم، ولكنهم لم يكونوا يدركونهم بسبب أن الشنفرى وجماعته يتميزون بسرعتهم الكبيرة حتى أنهم كانوا يسابقون الخيل.

وفاة الشنفرى

بعد أن باءت جميع محاولات قتل الشنفري بالفشل، اتحدت القبائل وتعاونت وعلى رأسهم قبيلة سلامان التي قُتل منها 99 نفسًا على يد الشنفرى، فعقدوا العزم على الإمساك به مهما كان الثمن فاتفقوا على أن لا يتحرك منهم أحد إذا أصابه الشنفرى بسهامه، حيث ردموا جميع الآبار وتركوا واحدًا، فلما وصل الشنفرى إلى البئر متسللًا وقام برمي سهم حتى يتأكد من أمان المكان، أصاب السهم شخصًا منهم ولكنه لم يتحرك.

وعندما شعر الشنفرى بالأمان نزل إلى البئر، فهجموا عليه وأمسكوا به فور نزوله، فقتلوه وصلبوه، ويُقال إنه ظل مصلوبًا عام أو أكثر، ويُذكر أنهم سألو الشنفرى أين تُريد أن تُدفن فأجابهم بأبيات شعر قائًلا:

فَلا تَقبُروني إِنَّ قَبري مُحَرَّمٌ

عَلَيكُم وَلَكِن خامِري أُمَّ عامِرِ

إِذا ضَرَبوا رَأسي وَفي الرَأسِ أَكثَري

وَغودِرَ عِندَ المُلتَقى ثَمَّ سائِري.

ويُذكر في روايات أخرى أن شخصًا رمى الشنفرى بسهم في عينه فقتله.

شعر الصعاليك الشنفرى

سوف ننتقل عبر سطورنا إلى بعض قصائد الشنفري الرائعة التي تتميز بأسلوبه المنفرد ومنها:-

– قصيدة مستبسل ضافي القميص ضممته

وَمُستَبسِلٍ ضافي القَميصِ ضَمَمتُهُ.

بِأَزرَقَ لا نِكسٍ وَلا مُتَعَوَجِ.

عَليهِ نَسارِيٌّ عَلى خوطِ نَبعَةٍ.

وَفوقٍ كَعُرقوبِ القَطاةِ مُدَحرَجِ.

– ومن يك مثلي يلقه الموت خالياً

ومَن يَكُ مثلي يَلقَهُ المَوتُ خالياً.

منَ المالِ والأهلين في رَأسِ فَدفَدِ.

أَلا لَيتَ شِعري أَيّ دَخلٍ يُصيبُني.

وإنَّ ذنوبي تَلقَني وهو مَوعِدي.

لامية الشنفرى pdf

بعد التعرف على قصة الشنفرى صاحب لامية العرب حان الوقت لنُسلط الضوء على تلك اللامية الشهيرة التي ساهمت في خلود اسم الشنفري إلى يومنا هذا، حيث انطوت على فضائل إنسانية عديدة، وعكست صورة واقعية للمجتمع البدوي، حيث حياتهم وعلاقاتهم ببعضهم، بجانب المآسي والمشاكل التي كان يعاني منها بعض أفراد القبيلة مثل: الطرد، النبذ، وهضم الحقوق.

واشتملت القصيدة على أوصاف متنوعة نابعة من الطبيعة الصافية التي كان يعيش فيها الشاعر، كما صورت الحرية والنفس العربية الأبية بألفاظ قوية ومعبرة، وقد تم ترجم اللامية إلى العديد من اللغات العالمية كالإنجليزية والفرنسية، وكذلك الروسية.

ويُقال إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال (علّموا أولادكم لامية العرب ، فإنها تُعلمهم مكارم الأخلاق) وإن كان هذا القول صحيحًا فقد بلغت القصيدة شرفًا عظيمًا تضاهي به المعلقات المكتوبة بماء الذهب.

آبيات من لامية العرب:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم                  فإني إلى قوم سواكم لأميل

فقد حمت الحاجاتُ ، والليلُ مقمرٌ            وشُدت ، لِطياتٍ ، مطايا وأرحُلُ؛

وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى      وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ

لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ        سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ

ولي ، دونكم ، أهلونَ : سِيْدٌ عَمَلَّسٌ           وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ

هم الأهلُ . لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ          لديهم ، ولا الجاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ

وكلٌّ أبيٌّ ، باسلٌ . غير أنني                  إذا عرضت أولى الطرائدِ أبسلُ

وإن مدتْ الأيدي إلى الزاد لم أكن          بأعجلهم ، إذ أجْشَعُ القومِ أعجل

ويمكن تحميل كتاب لامية الشنفرى pdf لتطلع على شرح وتحليل اللامية بكل شفافية.

شعر الصعاليك الشنفرى

شعر الصعاليك الشنفرى

هل أوفى الشنفرى بوعده وقتل 100 شخص من بني سلامان؟

لقد قتل الشنفرى منهم 99 رجل، وتشير بعض الروايات أنه وفى بوعده بعد مقتله، عندما قام رجلا بركل جمجمة الشنفرى فدخلت عظمة في رجله تسببت في وفاته.

لماذا سميت لامية العرب بهذا الاسم؟

سميت بذلك لأنها تناولت البيئة العربية الصحراوية بلمسة من الشفافية والشمولية، حيث تحكي عن حال الإنسان العربي وتصف معاناته في ذلك الزمان.

ما هي أشهر قصائد الشنفرى بعد لامية العرب؟

كتب الشنفرى العديد من القصائد ومنها: قصيدة ألا أم عمرو أجمعت فاستقلت، إن بالشعب الذي دون سلع، وكذلك قصيدة ولا تقبروني إن دفني محرم.

أين وُلد الشنفرى؟

وُلد الشنفرى في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام.

مواضيع ذات صلة

أبي-بكرةأبي بكرة | دليل شامل للشخصية التاريخية والإرث الثقافي

الترمذيالترمذي | الإمام الضرير صاحب كتاب السنن الشهير