معركة ذات الصواري | أول معركة بحرية إسلامية

تعالت أصوات الأعداء وتمركزت قوتهم حول مناطق الفتح الإسلامي وتمكنوا من صنع سلاح قادر على إنهاء ما سعت إليه أيديهم وانشرحت له صدورهم، فأعدوا العدة وجهزوا السفن وانطلقوا بعون الله ورحمته إلى هزم جيش الأعداء في معركة ذات الصواري أول تجربة بحرية حقيقية وأسطورة من أساطير الجيش الإسلامي على مر التاريخ.

معركة ذات الصواري | إنجاز جديد للمسلمين

بعد أن تمكن المسلمون من صنع المجد وإعلاء كلمة الدين في الكثير من المناطق والبلدان، لتصبح كل بلد واقعة بين أيديهم مسلمة وقائمة على شرع الله بعد قيامهم بالمعارك البرية، اتجهت أفكار قادة المسلمين إلى الحروب البحرية التي تحافظ على ما تقدمت إليه أيديهم من جميع النواحي، فاقترح معاوية بن أبي سفيان على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بناء أسطول بحري قوي لحماية الجوانب البحرية لمصر والشام.

استقبل الفاروق عمر ذلك الأمر بالرفض التام وذلك بسبب خوفه الشديد على المسلمين من خوض حرب لا يأمن عواقبها، إضافة إلى معرفته السابقة من عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بغدر البحر ووصفه المقلق، وعلق بحزم قائلًا “أنّ مسلماً واحداً أعظم وأكثر أهمية من بلاد الروم كافة” ولكن معاوية -رضي الله عنه- لم ييأس من عرض الفكرة مرة ثانية على الخليفة الجديد “عثمان بن عفان” واستمر في المحاولة حتى نال موافقته.

أتاح الخليفة عثمان -رضي الله عنه- فرصة جديدة للمسلمين للحصول على فتوحات جديدة وكسر شوكة العدو بعد نجاح سلسلة الفتوحات البرية العظيمة التي قاموا بها سابقًا، فبدأ معاوية في تجهيز الأسطول البحري من بقايا المراكب والسفن التي حصلوا عليها من مصر وسوريا والالتزام بالشروط التي وضعها الخليفة (القيام بالأمر على أكمل وجه- السماح فقط لمن يريد الانضمام للجيش وإلا فلا- أن يخرج هو زوجته على رأس الجيش حتى يتأكد من عدم تهاون معاوية بحياة أي مسلم).

أسباب معركة ذات الصواري :

قبل التطرق إلى أحداث معركة ذات الصواري اول معركة بحرية اسلامية والتخطيط المميز للجيش الإسلامي وإعلاء كلمة الإسلام ، يجب ذكر الأسباب التي أدت إلى قيام هذه المعركة العظيمة والدوافع التي حركت سفن المسلمين إلى إعلان الحرب على الجيش البيزنطي، ونذكر منها ما يلي:

– رغبة الجيش البيزنطي في الانتقام من المسلمين بعد غزوهم مصر وطرد الرومان منها، فتولدت مشاعر كراهية كبيرة في قلب قسطنطين بن هرقل دفعته إلى الخروج بجمع عظيم للثأر من المسلمين.

– بلغت قوة الأسطول البحري للبيزنطيين مقام عظيم وفرضت سيطرتها على العديد من المناطق عن طريق القوة البحرية، إلا أن الأسطول الإسلامي استطاع تغيير التاريخ فقام بغزو جزيرة قبرص، مما أثار خوف ورعب الدولة البيزنطية فاتجهت إلى إعلان معركة ذات الصواري لإبطال فاعليتهم قبل أن تؤثر على هيمنتهم على البحر.

– يذكر بعض المؤرخون أن قسطنطين بن هرقل استعد للخروج بحملة كبيرة متجهًا إلى مصر من أجل السيطرة على مدينة الإسكندرية (عروس البحر) واسترداد ملك مصر من العرب، ولكنه وجد بانتظاره الأسطول الإسلامي بقيادة عبد الله بن سعد “والي مصر” حينها، فاشتعلت نيران المعركة وبدأت الحرب.

– سبب وقوع معركة ذات الصواري هو حرمان البيزنطيين العرب من الحصول على الأخشاب من أجل بناء السفن وتكبير أسطولهم البحري، حيث استولى الجيش البيزنطي على ساحل الأناضول الساحلي المزدحم بالأشجار الكثيفة التي تستخدم في صناعة صواري السفن وسيطرته الكامل عليه.

معركة-ذات-الصواري

أحداث أول معركة بحرية إسلامية:

اعتقدت الدولة البيزنطية أن الجيش الإسلامي ضعيف في حرب البحار ولا يملك أي قوة تؤهله إلى الدفع عن نفسه، وكانت وقتها تلك الدولة في استعداد دائم بأسطولها الكبير الذي يبلغ أكثر من 600 سفينة بحرية وسيطرتها الملحوظة على سواحل البحر الأبيض المتوسط، ولكنهم تفاجأوا باستعداد المسلمين بجيش يقل في العدد عنهم إلا أنه يملك من القوة والسيطرة والنصر ما يفوق مجدهم بكثير.

بعد نقض جزيرة قبرص عهدها مع المسلمين ومدوا الروم بالأسلحة والسفن لمهاجمة السواحل الإسلامية، تمكن الأسطول الإسلامي المنطلق في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بقيادة معاوية بن أبي سفيان “والي الشام” من هدم خططهم وأجبرهم على الصلح مرة أخرى، ثم اتجه لملاقاة عبد الله بن سعد -رضي الله عنه- قائد معركة ذات الصواري في منطقة تدعى (كليكيا) الواقعة في جنوب آسيا.

بدأ الأسطول الإسلامي الذي يبلغ عدده حوالي 200 سفينة من خلال “بسر بن أبي أرطأة” باكتشاف أماكن البيزنطيين واستطلاع أوضاعهم في ساحل الأناضول المكان الذي دارت فيه الحرب، واستطاع المسلمون التفكير في حيلة ربط السفن ليلًا حتى يسهل عليهم القتال والتنقل بين السفن، لتشتعل بعدها معركة شرسة بين الطرفين بالسهام والخناجر رحل ضحيتها عدد كبير من الجنود.

 تفكير سليم ونصر عظيم:

تسببت حداثة المسلمين في القتال البحري إلى التفكير في حيلة يتمكنون من خلالها المبارزة بالسيوف كأنهم على أرض صلبة، فاتجهوا إلى ربط عدد كبير من السفن الخاصة بهم بسفن الأعداء باستخدام الحبال الغليظة القوية، ونفعت هذه الحيرة بعد نفاذ سهامهم ورماحهم في قتل العديد من البيزنطيين بسيوفهم أثناء معركة ذات الصواري.

انبثق من إيمان أفراد الأسطول البحري الإسلامي قوة زلزلت قلوب العدو، فعرف كل الجيش البيزنطي حينها أن المسلمين قادرون على الفوز وإعلاء كلمة الحق مع قلة عددهم، لتنتهي معركة ذات الصواري بفوز عظيم ومستحق للمسلمين وهزيمة ساحقة للروم أنهت معاها فترة حكمهم لمصر وبلاد الشام.

نتائج معركة ذات الصواري :

– أظهرت معركة ذات الصواري أن النصر من عند الله، حيث انتصر المسلمين بسبب إيمانهم بالله وسليمة عقيدتهم على الرغم من قلة عددهم أمام الأسطول البحري البيزنطي، فلم تكن هذه هي المرة الأولى فقد برهنت غزوة مؤتة على ذلك قبل سنوات عديدة.

– استقبل الجيش البيزنطي خسارة كبيرة في الأموال والأرواح وهزيمة كبحت من عزتهم.

– إنهاء الحكم البيزنطي على بلاد الشام ومصر وسيادتهم الكاملة.

– ظهور المسلمين كقوة جديدة ومنافسة للبيزنطيين في البحر.

– تمكن المسلمون بعد الفوز بـ معركة ذات الصواري من دراسة العلوم البحرية وصناعة عدد أكبر من السفن وتسليحها جيدًا، واكتشاف الأمور المتعلقة بالبحر وتيسير السفن.