هل التبني حرام ورذيلة أم أنه محمَدة وفضيلة؟

لطالما وُجهت إليَّ أسئلة على شاكلة ((ما الشيء الذي لو لم يكن حراماً لأقدمتِ على فعله؟)) وفي كل مرة كانت إجابتي ((لا شيء))، صدقاً ((لا شيء))، فكل ما أقرت الشريعة بتحريمه أرى في الامتناع عنه عين المصلحة، وفي الإقدام على فعله عين السفه، إذ إن فاطرنا أدرى بمصالحنا، كالشركة التي ترفق جهازها بكتيب الإرشادات لأنها أدرى به، ولله المثل الأعلى، ومن الأمور التي بينتها لنا الشريعة الإسلامية مسألة هل التبني حرام أم لا؟

لقد خلقنا الله تعالى وأودعنا الكثير من المشاعر الإنسانية التي تستقيم بها حيواتنا، ولأنه أدرى بنوازعنا البشرية علم بحكمته أن هذه المشاعر بحاجة إلى قيودٍ تهذبها حتى لا تعود على الفرد ومجتمعه بالوبال، من ذلك علمه بأننا جبلنا على حب البنوة، نحب لفظة ((ابني)) و((ابنتي))، ونحب أن نترجم هذه اللفظة إلى أفعال، حتى وإن إن لم يكن هؤلاء الأبناء من أصلابنا أو لم تلفظهم أرحامنا، فما رأي الشارع في هذا؟

هل التبني حرام أم لا ؟

قبل أن نعرف هل التبني حرام أم لا ينبغي أن نعرف المعنى الصحيح الذي يشير إليه هذا المصطلح، فثمة مَن يخلط بين مفهوم التبني ومفاهيم أخرى مشابهة كالاستلحاق والكفالة والإقرار، لذا تجدر الإشارة إلى أن التبني في الشريعة الإسلامية يراد به اتخاذ الشخص ولد غيره ابناً له، أو ادعاء الرجل بنوة ولد من غير صلبه، أو إرجاع نسب الولد إلى غير والده، أي اختلاق نسب لا وجود له في الحقيقة.

وقد شاع التبني أيام الجاهلية، غير أن العرب كانوا يطلقون عليه لفظ الادعاء فيقولون ((ادعى فلانٌ فلاناً)) إشارة إلى أنه قام بنسبته إليه، وفي هذا السياق قال الله تعالى في ثنايا الآية الرابعة من سورة الأحزاب ((وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ))، فجاءت هذه الآية لبتر تلك العادة وتوضيح حكم التبني وهو التحريم، ثم أردف المولى عز وجل في الآية التي تليها قائلاً ((ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ))، وهو أمر صريح برد الأبناء إلى آبائهم الحقيقيين لإقامة العدل في المجتمع.

ما الحكمة من تحريم التبني ؟

عرفنا إجابة سؤال هل التبني حرام أم لا، لكننا لم نعرف العلة وراء تحريمه، فما كان للدين أن يأتي بحكمٍ كهذا في أمرٍ إنساني كهذا إلا لحكمة، انطلاقاً من القاعدة التي تقوم عليها اصول الفقه وهي ((درء المفاسد مقدم على جلب المصالح))، وبالنظر إلى إيجابيات وسلبيات التبني نجد أن سلبياته ومساوئه تطغى على إيجابياته وفضائله، لنكتشف أنه جريمة وخطيئة وليس محمدةً وفضيلة.

إن التبني تزييف للحقائق، فنسبة الولد إلى غير أبيه لن يجعله ابناً له في الحقيقة، إذ ليس من صلبه ولم تنجبه زوجته على فراشه، فيُمنح اسم الأب زوراً ويحمل اسم العائلة كذباً ويرث افتراءً ويأكل حق غيره ظلماً، إضافة إلى ما يترتب على التبني من اطلاع على العورات واختلاءٍ بغير المحارم وما يلحق بذلك من تبعات كاللمسات وغيرها.

كما أن التبني يحرم الأب الحقيقي من حقه في اتصال نسبه، إلى جانب ما يفضي إليه من اختلاط الأنساب وضياعها وتفشي البغضاء والكراهية بين أفراد المجتمع بسبب اقتطاع الأموال غير المستحقة في الميراث.

حكم التبني

الفرق بين التبني والكفالة :

يجهل البعض الفرق بين التبني والكفالة فيعدون الكفالة نوعاً من أنواع التبني وهذا غير صحيح، فمفهوم التبني لا يراد به إلا ما سبق توضيحه آنفاً في الإجابة عن سؤال هل التبني حرام أم لا، أما الكفالة فهي تكفل شخص برعاية طفل ليس من صلبه والتعهد بتربيته والقيام على شئونه، بشرط عدم نسبة الطفل إلى كافله أو جعله وريثاً شرعياً له، وهذا مما رغب الشرع به ودعا إليه كونه عمل أخلاقي نبيل يهدف إلى رعاية الطفل وتأمين احتياجاته وتوفير الحياة الكريمة له دون أن يترتب على ذلك الوقوع في محظور شرعي.

وللكفالة صور متعددة، نذكر منها ما يلي:-

1) كفالة الأقارب :

في بعض الأحيان يعجز ذوو الطفل عن تقديم الرعاية اللازمة له إما لموت أحد الوالدين أو إصابته بمرض عضوي أو نفسي تتعذر معه العناية بهذا الطفل، فيبادر أحد الأقارب بكفالة الصغير ورعايته والقيام على شئونه، كـ محمد رسول الله الذي كفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب.

2) كفالة الأمور المادية :

في هذه الحالة يتكفل الشخص بمصاريف الطفل وكل ما يتعلق بالأمور المادية التي تخصه دون أن يستضيف الطفل في منزله ويعتني به.

3) كفالة المؤسسات :

تعنى بعض المؤسسات الخيرية أو الحكومية بتقديم خدمات الرعاية الاجتماعية مثل دور الأيتام التي تتكفل برعاية الأطفال اليتامى أو الأطفال الذين لم تتمكن أسرهم من العناية بهم.

4) الكفالة من قِبل أسر عاجزة عن الإنجاب :

الكفالة من قِبل أسر عاجزة عن الإنجاب من صور الكفالة الشائعة، فبعد إخفاق محاولات الحمل وفشل عمليات التلقيح الصناعى والحقن المجهرى تلجأ الأسر لكفالة الأطفال لتعويض النعمة التي حرموها.

5) كفالة المواهب :

يمتلك بعض الأطفال مواهب استثنائية وقدرات خاصة تحتاج إلى الرعاية والاهتمام حتى تنمو وتثمر، لذا يعمد بعض الأشخاص إلى كفالة هذه المواهب من خلال تقديم الرعاية للأطفال الموهوبين والتكفل بكل ما يطور قدراتهم وينميها.

ما هي شروط التبني المشروع ؟

عندما أجبنا عن سؤال هل التبني حرام أم لا ذكرنا أن التبني الذي يقصد به نسبة الولد إلى غير والده حكمه التحريم، لكن إذا أريد به الكفالة أصبح جائزاً بل ومستحباً، فما هي شروط التبني المشروع؟

1) عدم نسبة الطفل إلى كافله بل ينسب إلى أبيه الذي جاء من صلبه، وإذا لم يعرف أبوه ينسب إلى أي اسم عام كعبد الله.

2) اتصاف الشخص الكفيل بالأمانة ودماثة الخلق.

3) تحقق مصلحة الطفل عند الشخص الكافل.

4) ألا يكون الشخص الكافل في بلدٍ تتسبب في فساد دين الطفل لاحقاً.

5) احتجاب المرأة عن الطفل المتبنى حال بلوغه الحلم، إلا إذا أرضعته هي أو أختها أو أمها أو ابنتها.

6) احتجاب الطفلة عن كافلها حال بلوغها، إلا إذا أرضعتها أمه أو أخته أو ابنة أخته أو ابنة أخيه.

ما هي حقوق الطفل المتبنى ؟

عرفنا هل التبني حرام أم لا وعرفنا الفرق بين التبني والكفالة، فما هي حقوق الطفل المتبنى أو الطفل الذي تتم كفالته؟

1) عدم التفرقة بينه وبين غيره من الأطفال حتى لا يتسرب إليه شعور القهر بأنه أقل من محيطه.

2) عدم استغلاله واستعباده وامتهان كرامته وتكليفه بما لا يتناسب مع عمره.

3) تأمين احتياجاته الصحية والغذائية والتربوية والترفيهية.

4) إغداقه بكل أشكال الدعم التي تمكنه من النجاح في تحصيله الدراسي.

5) إغداقه بالحب والمودة والاهتمام ومخاطبته بـ الكلم الطيب اللين.