ابو موسى الاشعري | من أوتي مزمار داوود

ابو موسى الأشعري

كان يتلو آيات الله فيشعر من يسمعه بروعة كلماتها وحروفها، كان صوته يخرج من فيه كأنه قطرات من الشذا، يرغمك جمال تلاوته لكتاب الله على الشوق للقياه، إنه ابو موسى الاشعري الذي أوتي مزمارًا من مزامير داوود، فكان أجمل الصحابة صوتًا، وأرقهم فؤادًا، ذاك الصحابي الجليل الذي استوطن الإسلام قلبه بمجرد سماعه عن نبي الله، هاجر إلى رسول الله ليعلن إسلامه قبل أن يراه، فلله دره حين قال: (غدًا نلقَى الأحبَّةَ محمَّدًا وصَحبَه).

ابو موسى الاشعري | من هو؟

كان عالمًا فقيهًا في الدين، وكان أعذب الصحابة صوتًا، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يسمع القرآن من فيه، فكان -رضي الله عنه- يلحن كلمات القرآن تلحينًا حتى يظن السامع أنه يستمع إلى صوت سماوي وكأن هبة إلهية نزلت عليه، ذاك هو ابو موسى الاشعري الذي تلقى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الدين والهدى ولم يفارقه حتى موته.

اسم أبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن عنز بن بكر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر، حيث يمتد نسب أبو موسى الأشعري إلى الأشعر بن أدد، أما أمه فهي ظبية المكيّة بنت وهب، أما اين ولد أبو موسى الأشعري فقد ولد -رضوان الله عليه- في اليمن، وفيما يلي لمحات مضيئة من حياته:

الإسلام يراود قلب عبد الله بن قيس:

كان ابو موسى الاشعري يتردد على مكة من حين لآخر للكسب والعمل، فمكة كانت موضع بيت الله الحرام وإليها يحج الناس من كل حدب وصوب، بالإضافة إلى أنها كانت مركزًا للتجارة في ذاك الوقت.

وفي إحدى مرات قدومه مكة وصل إلى مسامعه أن رجلًا من أهلها نزل عليه الوحي ويدعو إلى دين جديد وهو الإسلام، فتغلغل إلى قلبه، فاتخذ قرارًا بالذهاب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسلم بين يديه، فكان بذلك من السابقين إلى الإسلام، ثم هاجر إلى الحبشة.

 العودة إلى قومه ودعوتهم للإسلام:

لم يمكث ابو موسى الاشعري في الحبشة كثيرًا حيث رأى أن يذهب إلى قومه ليدعوهم إلى دين الإسلام فيصب بذلك خيرًا كثيرًا، وبالفعل ركب البحر وظل مع قومه، وقد أسلم على يديه الكثير منهم، وبعد أن وصل إليه خبر هجرة النبي إلى المدينة المنورة، أتى إليه هو ومن أسلم من قومه.

قدوم ابو موسى الأشعري وقومه المدينة المنورة:

خرج هو وقومه متجهين إلى مدينة محمد رسول الله فركبوا البحر إلا أنهم تعرضوا لرياح شديدة حولت مسارهم إلى الحبشة، فأقاموا مع جعفر بن أبي طالب، وقد أتوا جميعًا إلى رسول الله عندما فتح الله عليه خيبر.

وفي أثناء طريقهم كان الشوق يملأ قلوبهم، والسعادة تغمر وجوههم، لأنهم ستقر أعينهم برؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا يرددون “غدا نلقي الأحبة محمدًا وحزبه”، وكان نبي الله قد بشر أصحابه بقدومهم حيث قال: “يقدم عليكم أقوام هم أرق منكم قلوبًا”.

عندما وصلوا رحب رسول الله بسيدنا أبي موسى وقسم له ولقومه من غنائم خيبر، ولم يكن النبي قد قسم لأحد غيرهم مما لم يحضروا الفتح، ولكنه فعل ذلك تكريمًا لهم.

ملازمة أبي موسى الأشعري للنبي

منذ أن قدم ابو موسى الأشعري المدينة المنورة ولم يفارق النبي -صلى الله عليه- حيث ظل ملازمًا له، وقد شهد معه الغزوات كلها بعد مجيئه، وكان يتصف بالبسالة والشجاعة في القتال، وكان يفتك بالعدو ولا يبالي، حتى إن النبي قال عنه “سيد الفوارس أبو موسى”.

شارك ابو موسى الاشعري في فتح مكة ومعركة حنين ومعركة تبوك وغيرها من الغزوات الإسلامية، وقد جاء على لسانه وصف لما كان يعانيه في الحروب حيث قال: (خرجنا مع رسول الله في غزاة، نقبت فيها أقدامنا، ونقبت قدماي، وتساقطت أظفاري، حتى لففنا أقدامنا بالخرق).

جهاد أبي موسى الأشعري

وبعد أن انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى لم يتكاسل أبو موسى، ولم تفل عزيمته، بل ظل مجاهدًا في سبيل الله، ومنافحًا عن دينه، فقد شهد حروبًا عدة في زمن الخلافة الإسلامية.

ومن أبرز المعارك التي أبلى فيها بلاءً حسنًا “فتح بلاد فارس”، حيث هجم على أهل أصبهان بجيشه فصالحوه على الجزية، ولكنه كان فطنًا عرف أن هذا الأمر خدعة فلم يطمئن لهم، ولذا كان متأهبًا هو وجيشه، وعندما هاجموه لم يتمكنوا من هزيمته، ولم يكد يمر منتصف اليوم حتى أتم الله نصره على المسلمين.

كما لم ينس التاريخ ذكر اسمه كبطل فذ في “موقعة تستر”، فعندما تحصن الهرمزان بجنوده في تستر حاصرها المسلمون، إلا أن أيام الحصار طالت لذا رأى عبد الله أن يحتال حتى يتمكن من فتح أبواب الحصن، وبالفعل أتم الله عليه الأمر، وانقض بجيشه على الحصن ومن فيه وأثخن فيهم حتى استسلم قائدهم “الهرمزان” ثم أرسله إلى الخليفة عمر بن الخطاب.

الإمارة تأتي إلى أبي موسى الأشعري راغمة

لم يكن ابو موسى الاشعري يسأل الإمارة، ولم تتق نفسه إليها، إلا أنها أتت إليه راغمة، فقد أرسله محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن ليكون والياً ومعلمًا، حيث ورد عن أبي موسى أنه قال: “أتاني ناس من الأشعريين فقالوا اذهب معنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن لنا حاجة فذهبت معهم فقالوا يا رسول الله استعن بنا في عملك قال أبو موسى فاعتذرت مما قالوا وأخبرت أني لا أدري ما حاجتهم فصدقني وعذرني فقال إنا لا نستعين في عملنا بمن سألنا، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى”.

وفي عهد عمر بن الخطاب أرسله إلى البصرة ليكون واليًا عليها بعد عزل المغيرة، فذهب إليها وخطب في أهلها وقال “إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم، أعلمكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم”، وكان هو أول والٍ يقول ذلك، وقد قال عنه سيدنا الحسن: (ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه).

وعندما تولى عثمان بن عفان الخلافة أرسله إلى الكوفة ليتولى أمرها، وكان ابو موسى الأشعري عندما يتولى الأمر يتقي الله، ويحكم بما أنزله الله وبسنة نبيه المصطفى، فكان ورعًا تقيًا لا يخشى في الله لومة لائم.

رسالة عمر بن الخطاب إلى ابو موسى الأشعري

عندما ولى عمر بن الخطاب أبا موسى قاضيًا أرسل إليه رسالة جاء فيها:

((بِسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. سلام عليك، أما بعد، فإنَّ القَضاء فَريضة مُحكَمَة، وسُنّة مُتَّبَعة، فَافهَم إذا أُدْلِيَ إِليْك، فَإِنَّهُ لا يَنفع تَكلم بِحقّ لا نَفَاذ لَه. آسِ بَينَ النَّاس بِوَجهِك وعَدْلِك ومَجلسك، حتّى لا يَطمَع شَريف في حَيْفِك، ولا يَيأَس ضَعيف مِن عَدلِك، البَينّة على مَن ادَّعى، واليَمين على مَن أَنْكَر، والصُّلح جَائِز بَين المُسلمين إلّا صُلحَاٌ أَحلَّ حَرَامَاٌ، أو حَرَّم حَلالاٌ…………………..))، وفيما يلي شرح رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري pdf بالتفصيل:
ــ وضح سيدنا عمر بن الخطاب أسس القضاء وفض المنازعات بين الناس، حيث أشار إلى المساواة بين المتخاصمين وإتاحة الفرصة لهم كاملة للتحدث بما يريدون دون تخويف أو ترهيب، ويجب أن يبتعد القاضي عن مجاملة أحد الطرفين.

ــ أوصى الفاروق بضرورة ألا يحكم القاضي وباله مشغول بقضية أخرى أو منشغل النفس بمشكلة ما، واعتمد في ذلك على قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بيْنَ اثْنَيْنِ وهو غَضْبَانُ).

ــ قبل أن يبدأ القاضي بفض النزاع عليه أن يسعى إلى الصلح بين المتنازعين فإن حدث الصلح فنعما هي، وإن لم يتحقق بدأ في مناقشة القضية، مع ضرورة أن يكون القاضي مخلصًا ولا يرجو إلا رضا الله -عز وجل-.

سمات ابو موسى الاشعري

سمات ابو موسى الاشعري

قضية التحكيم بين علي ومعاوية

انتشر بين الناس أن عمرو بن العاص قد غدر بأبي موسى الأشعري في أثناء التحكيم بين سيدنا علي بن أبي طالب وسيدنا معاوية بن أبي سفيان، حيث قام الأول بتثبيت معاوية وخلع علي بعد أن خلع الثاني الاثنين معًا، وإن كانت هذه القصة منتشرة إلا أنها مخالفة للصواب، ويرجع ذلك إلى أمرين:

الأول: لم يكن سيدنا معاوية خليفة من الأساس حتى يتم تثبيته أو خلعه، فقد بدأت خلافته بعد موت علي وإتمام الصلح بينه هو  والحسن -رضي الله عنه- ثم إن الحكمين (عمرو وأبي موسى) اتفقا على أن يتم حقن دماء المسلمين وأن تُرد القضية برمتها إلى كبار صحابة النبي.

الثاني:  إن سيدنا عمرو بن العاص من الأتقياء وليس من المخادعين فلا يمكن أن يفعل ذلك، فقد أقر له النبي بالإيمان حيث قال “أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص”.

سمات ابو موسى الأشعري

كان ابو موسى الأشعري آية من آيات الله في الأخلاق الحميدة، فكان -رضي الله عنه- يتصف بأحسن الصفات وأجلها، وبالطبع فإن خلقته كانت حسنة مهما كان شكله لأن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وفيما يلي صفات أبو موسى الأشعري الخُلقية والخِلقية:

أولًا: الصفات الخُلقية

1) الذكاء والحكمة والقدرة على القضاء: فكانت هذه الصفات مما تميز بها عبد الله بن قيس، فكان قاضيًا عادلًا، فطنًا ببواطن الأمور، لديه القدرة على قراءة من أمامه.

2) الجرأة في القتال: اتصف ابو موسى الاشعري بالشجاعة والإقدام في أثناء الحرب، حيث كان يحارب بشراسة ويثخن في العدو دون رحمة، وكان له العديد من المواقف التي تبين قدراته الحربية، وفطنته في الإيقاع بالعدو، وقد ذكرنا العديد منها آنفًا.

3) رقة الفؤاد، فكان -رضي الله عنه- رقيق القلب حيث ارتاح قلبه للإسلام أول ما سمع به، كما أن النبي شهد له بذلك حيث قال فيه هو ومن معه: (سيَقْدَمُ عليكم قَومٌ هُم أَرَقُّ قلوبًا للإسلامِ منكم)، وكان هؤلاء القوم هم الأَشْعَريُّونَ.

4) كثير التعبد: كان ابو موسى الاشعري من المؤمنين بالله حقًا فكان صوامًا قوامًا، وكان أكثر صيامًا في حرارة الشمس حيث ورد عنه قوله: (لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة).

5) كان محبُا للعلم وساعيًا للتفقه في الدين، ومما يثبت ذلك ما حدث بين أبو موسى الأشعري وعائشة -رضي الله عنهما- فعن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري أتى السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: لقد شق علي اختلاف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر إني لأعظم أن أستقبلك به، فقالت ما هو؟ ما كنت سائلا عنه أمك فسلني عنه، فقال الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فقال عبد الله بن قيس لا أسأل عن هذا أحدا بعدك أبدا”.

ثانيًا: الصفات الشكلية

لقد خٌلق ابو موسى الاشعري بهيئة قصيرة، وكان رفيع الجسد، ولحيته لم تكن بالطويلة، كما اتسم بجمال الصوت الذي لم يُسمع مثله في زمانه.

وفاة ابو موسى الأشعري

بعد أن قضى ابو موسى الاشعري حياته كلها منافحًا عن دين الله ومجاهدًا في سبيله جاءت اللحظة الحاسمة، تلك اللحظة التي كتبها الله تعالى على الخلق أجمعين، حيث أسلمت روحه إلى بارئها لتنتهي قصة أبو موسى الأشعري البطل المغوار،
فقد توفي رضي الله عنه في الكوفة عام 44 هـ وقيل عام 50 هـ.

وبعض الآراء تقول إن وفاة أبو موسى الأشعري كانت في مكة عام 52 هـ، وعلى الرغم من اختلاف الأقوال إلا أن الحقيقة الثابتة أنه انتقل إلى الرفيق الأعلى في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فقد دعا له النبي بالمغفرة والمدخل الكريم حيث قال:

(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وأَدْخِلْهُ يَومَ القِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا).

من هو أبو موسى الأشعري؟

هو الصحابي الجليل عبد الله بن قيس، صاحب الهجرتين، ولد في اليمن، وقد أسلم عندما وصله أمر دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

كيف أسر عبد الله بن قيس قائد الفرس (الهرمزان)؟

تمكن من أسره عن طريق الحيلة والخديعة الحربية، حيث أرسل بعض الجنود ليفتحوا باب الحصن الذي كان فيه هو وجنوده خلسة، ثم انقض بجيشه عليهم وقام بالإمساك به وإرساله إلى عمر بن الخطاب.

ماذا قال النبي عندما سمع صوت عبد الله بن قيس؟

قال له: (يا أبا مُوسَى لقَدْ أُوتِيتَ مِزْمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ)، وذلك لأنه كان يرتل القرآن بطريقة حسنة للغاية.

كيف كان إسلام أبي موسى فاتحة خير على قومه؟

كان إسلامه خيرًا على قومه حيث عاد إليهم ودعاهم إلى دين الله، وبالفعل أسلم الكثير منهم ونجوا من النار.

 

مواضيع ذات صلة

بن بازابن باز | عالم في الدين وقوي في الحق

الامام مسلمالامام مسلم بن الحجاج | أحد الأعلام وصاحب الصحيح الوهاج